كشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن فرنسا رفضت تسليم الجزائر خرائط التفجيرات النووية التي أجرتها باريس في الصحراء الجزائرية بداية من عام 1958 إلى غاية 1966، للمساعدة في تحديد مناطق آثار الإشعاعات النووية وتطهيرها.
ووفق المصادر ذاتها، فإن الطلب الجزائري كان من بين أهم الملفات التي حملها قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة، خلال زيارته التاريخية إلى فرنسا يناير/كانون الثاني الماضي، كما كان الطلب الجزائري محور نقاش خلال زيارة قائد الجيش الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر للجزائر في أبريل/نيسان 2021.
ونفذت فرنسا 17 تفجيراً نووياً في مناطق مختلفة من الصحراء الجزائرية، بينها أربعة تفجيرات سطحية في منطقة رقان بولاية أدرار، و13 تفجيراً باطنياً في منطقة إن إيكر، ووادي الناموس بولاية تمنراست أقصى جنوبي الجزائر؛ ما أدى إلى انتشار النواتج الانشطارية للانفجار ملوثة مناطق واسعة، وما زالت هذه المناطق تعاني من آثار الإشعاعات النووية إلى الآن.
وشدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في تصريحات إعلامية عدة على أن الجزائر ستظل متمسكة بمطلب تحمّل فرنسا مسؤوليتها بشأن ملف التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، والتي تشير دراسات خبراء جزائريين إلى آثارها المستمرة حتى الوقت الحالي.
وخلفت هذه الإشعاعات 42 ألف ضحية ممن تسببت الإشعاعات في إصابتهم بالسرطان، والتشوهات الخلقية، وأمراض العيون، والشلل، وغيرها، إضافة إلى تأثيرات على البيئة والغطاء النباتي والحيواني.
وقال تبون، في مقابلة أجرتها معه صحيفة لوبوان (Le point) الفرنسية، مطلع يونيو/حزيران الماضي: "نطلب من فرنسا تنظيف مواقع التجارب النووية، ونأمل منها معالجة ملف ضحاياها".
ليس الرفض الأول
ليست هذه المرة الأولى التي ترفض فيها فرنسا تسليم الجزائر خرائط المناطق التي خضعت للتفجيرات النووية أيام الاستعمار، ستينيات القرن الماضي، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يطلبها رئيس الأركان الجزائري في زيارة تُعتبر تاريخية لباريس.
وكانت تعتقد الجزائر أن فرنسا لن ترد طلب رئيس الأركان الجزائري سعيد شنقريحة، خصوصاً أن الزيارة جاءت في فترة الود التي عاشتها العلاقات بين البلدين بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر.
وكان وزير المجاهدين الأسبق الطيب زيتوني قد كشف لوكالة الأنباء الجزائرية بمناسبة الذكرى الـ59 لاستقلال البلاد، أن فرنسا رفضت تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة حتى اليوم.
وأضاف "أن فرنسا لم تقم بأية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين، كما أن التفجيرات النووية الاستعمارية تعد من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".
فرنسا والجزائر.. نهاية الود
تعرف العلاقات الفرنسية الجزائرية توتراً غير مسبوق، لعدة أسباب أبرزها تلك المتعلقة بالهجرة وما تسميه الجزائر التدخل في شؤونها الداخلية.
وكانت الجزائر قد سحبت سفيرها بسبب قضية "تهريب" الناشطة السياسية أميرة بوراوي، قبل أن تعيده، ويتواصل الرئيسان ماكرون وتبون هاتفياً لتعود العلاقات للتوتر مجدداً على خلفية إلغاء الرئيس الجزائري زيارته إلى فرنسا والسفر إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورغم نفي مسؤول فرنسي، لم يذكر اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية انزعاج فرنسا من زيارة تبون إلى موسكو، إلا أن رد فعل الأحزاب الفرنسية والإعلام الفرنسي يؤكد أن العلاقات بين البلدين مرشحة للانفجار.
ومن المتوقع أن يزيد رفض باريس تسليم الجزائر خرائط التجارب النووية من حدة التوتر بين البلدين.
الاتجاه نحو روسيا
عبّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال التوقيع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على اتفاق "الشراكة الاستراتيجية المعمق" بين البلدين في موسكو قبل أسبوعين، عن رغبة الجزائر في الاستعانة بروسيا لإجراء عمليات تطهير للمناطق الموبوءة بالإشعاعات النووية.
وأشار الرئيس الجزائري إلى أنه "قد تكون هناك اتفاقات لتطهير المناطق التي جرت فيها التجارب النووية أيام الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ليجري تطهيرها من قبل مختصين من أصدقائنا من روسيا الفيدرالية".
ولا يعرف إن كان الرئيس الجزائري قد طلب من روسيا المساعدة في تطهير تلك المناطق بعد رفض فرنسا تسليم الجزائر خرائط التفجيرات النووية، أم أنه جاء قبلها ليكون الرفض الفرنسي كرد فعل على ذلك.