يسعى العراق لأن يكون ممراً لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا عبر البر والبحر من خلال مشروع جديد تدعمه حكومة محمد شياع السوداني بقوة، يسمى مشروع طريق التنمية. وكما أن لهذا المشروع فوائد على العراق وبعد الدول المجاورة، فإنه يمكن أن يؤثر سلباً على دول أخرى.
وكانت الحكومة العراقية استضافت في 27 مايو/أيار 2023 مؤتمراً إقليمياً لمناقشة مشروع طريق التنمية المقترح من قبل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وضم المؤتمر وزراء النقل من دول الخليج وإيران وسوريا وتركيا والأردن.
فما تفاصيل هذا المشروع الضخم؟ وما التحديات والعقبات التي يواجهها؟ وما الآثار السلبية والإيجابية المتوقعة له؟
ما هو مشروع طريق التنمية العراقي؟
في المؤتمر الذي عقدته وزارة النقل العراقية، قدمت خطة المشروع المقترح والذي يهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية شاملة للعراق، وتقليل اعتماده على النفط، إذ إن 90% من عائدات الحكومة العراقية تعتمد على مبيعات النفط، دون وجود أثر للقطاع الصناعي أو الزراعي.
وبحسب المصادر الحكومية العراقية التي تحدث لها "عربي بوست"، فإن الفكرة الرئيسية من مشروع طريق التنمية هي ربط ميناء الفاو الكبير بشبكة كبيرة من الطرق السريعة والسكك الحديدية التي يتوقع أن تمتد من شمال العراق إلى معبر فيشخابور على الحدود العراقية التركية لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا مع توفير 15 يوماً مقارنة بخطوط النقل المعتادة.
في هذا الصدد، يقول مسؤول عراقي في وزارة النقل لـ "عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام، إن مشروع طريق التنمية يقوم على إنشاء خط سكة حديد يبلغ طوله 1174 كيلومتراً لاستخدامه على طول الحدود العراقية التركية التي تبلغ 1190 كيلومتراً بواسطة قطارات عالية السرعة، وستمر هذه القطارات عبر 12 محافظة عراقية من الجنوب إلى الشمال.
وبحسب المسؤول في وزارة النقل العراقية، فإن الحكومة العراقية تقدر بشكل مبدئي، طاقة قطارات الشحن بـ 3.5 مليون حاوية لكل قطار، وحمولة 22 مليون طن من البضائع بحلول عام 2028. وتتنبأ الحكومة العراقية بأن مشروع طريق التنمية يمكن أن يسع 90 زوجاً من القطارات كل يوم.
المكاسب المتوقعة
تقوم حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعمل دعاية ضخمة لمشروع طريق التنمية، وقد خصصت جزءاً كبيراً من هذه الدعاية للتحدث عن الفوائد الاقتصادية الضخمة لهذا المشروع في حال تحقيقه، مؤكدة على أنه سيكون نقلة لاقتصاد العراق المعتمد فقط على مبيعات النفط، وسيعزز من الدور الإقليمي والجغرافي للعراق.
في هذا الصدد، يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لـ "عربي بوست"، إن مشروع طريق التنمية له فوائد اقتصادية كبيرة تمت دراستها من قبل حكومة السوداني.
على سبيل المثال -بحسب المصدر- سيحقق هذا المشروع تنويعاً في الاقتصاد المحلي، وهذا ما يحتاج إليه العراق بشدة، وسيخلق فرص عمل جديدة للشباب، "فقد قدرت الحكومة بشكل مبدئي عائدات هذا المشروع ووجدت أنها سوف تصل إلى ما يقرب 5 مليارات دولار أمريكي سنوياً".
ويضيف المصدر: "هذا بالإضافة إلى خلق مشاريع في المحافظات التي ستمر بها خطوط السكك الحديدية، والتي ستؤدي إلى عكس اتجاه الهجرة الداخلية بعيداً عن العاصمة، وتعزيز القطاع الخاص المنهار في الكثير من المحافظات".
أما من الناحية السياسية، فمن المتوقع أن يحقق مشروع طريق التنمية العديد من الفوائد لحكومة السوداني علي وجه التحديد. ففي حديثه لـ"عربي بوست"، قال مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى مقرب من رئيس الوزراء إن فوائد المشروع الاقتصادية عديدة ومتنوعة إذا تم بالشكل المقترح، لكن لا يمكن إغفال فوائده السياسية.
وأضاف: "تحقيق مشروع بهذه القوة سيعزز من مكانة السوداني السياسية بين الجماهير، من خلال كسب ثقتهم فيما يخص تنفيذ وعوده بخلق فرص عمل للشباب وتنويع الاقتصاد المحلي. هذا بالإضافة إلى أنه تنفيذ المشروع سيكون نقطة قوة كبيرة إذا رغب السوداني في تأسيس حزب سياسي لخوض الانتخابات المقبلة، ولن يجد أفضل من تنفيذ هذا المشروع كدعاية سياسية قوية".
تحديات داخلية أمام مشروع طريق التنمية
لكن بالرغم من الدعاية الضخمة التي تعمل عليها حكومة السوداني من أجل الترويج لمشروع طريق التنمية، هناك من يرى أن المشروع تواجهه الكثير من التحديات التي من الممكن أن تعيق تنفيذ أو في أحسن الأحوال، تؤخر تنفيذه وتقلل من أهميته.
في هذا الصدد، يقول زياد باقر، الخبير في اقتصاديات النقل الدولي، لـ "عربي بوست": "من أهم التحديات التي تواجه تنفيذ هذا المشروع هو الفساد المستشري بشكل كبير وهائل في العراق. كثير من المشاريع الضخمة قد تم عرضها والبدء بها في السنوات الماضية، ولكنها توقفت بسبب الفساد والأجندات الغامضة للأحزاب والفصائل المسلحة التي تضع يدها على كل شيء".
وعلى ذكر الفساد فإن أول علاماته فيما يخص هذا المشروع -بحسب مسؤول عراقي في وزارة النقل- هو أن دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع قد تم منحها بالإسناد المباشر إلى شركة إيطالية تربطها علاقة ببعض الفصائل المسلحة الشيعية في العراق.
يقول المصدر الحكومي لـ"عربي بوست"، إنه تم منح دراسة جدوى المشروع إلى شركة إيطالية ليس لديها خبرة في هذا المجال، "بعض الفصائل المسلحة تمتلك معها علاقات عمل قوية لذلك كان الضغط شديداً على السوداني لمنحها الدراسة دون طرح عطاءات أخرى".
قصة منح الشركة الإيطالية التي تحدث عنها المسؤول الحكومي في وزارة النقل تحيلنا إلى نقطة أخرى هامة، وهي مدى قدرة الحكومة العراقية الحالية على حماية هذا المشروع من سيطرة الأحزاب السياسية الكبيرة والفصائل المسلحة التي من المعروف عنها أنها تشارك في اغلب المشاريع الضخمة في العراق.
في هذا الصدد، يقول المسؤول العراقي بوزارة النقل لـ"عربي بوست": "بالتأكيد سيكون لهم دور كبير في هذا المشروع، وهذا ما يهدد بإهدار الكثير من الأموال مثلما حدث في مشاريع أخرى في السابق، غير أنه إلى الآن لم تعلن الحكومة عن مصدر تمويل هذا المشروع وهل سيكون لهذه الأحزاب والفصائل نصيب أو أسهم به أو لا".
وأشار الخبير باقتصاديات النقل الدولي زياد باقر إلى أن الحكومة إلى الآن ليست قادرة على جذب استثمارات أجنبية لتمويل هذا المشروع طالما لم تقدم ضمانات للمستثمرين بعدم سيطرة الأحزاب والفصائل المسلحة على المشروع.
تحديات إقليمية
بالإضافة إلى التحديات المحلية التي تقف أمام مشروع طريق التنمية، هناك تحديات إقليمية، مثل الدور الذي ستلعبه كلاً من إيران وتركيا في هذا المشروع.
في هذا الصدد، يقول المسؤول بوزارة النقل العراقية لـ "عربي بوست": "تركيا عامل رئيسي في تنفيذ هذا المشروع لأنها ستمثل نقطة الربط مع أوروبا. تواصل السوداني مع الرئيس التركي أردوغان من أجل التعاون في هذا المشروع".
وأوضح المصدر أن الرئيس التركي رحب بالأمر، لكن السوداني يتوقع أن يكون لدى أنقرة العديد من الشروط التي لم تكشف عنها بعد. ولم يستطع المصدر أن يتنبأ بالشروط التركية المحتملة.
أما بالنسبة لإيران، فالأمر يبدو أكثر تعقيداً، بحسب المصادر العراقية التي تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا التقرير. فوفقاً لعدد من المسؤولين العراقيين، منذ أن علمت إيران بنوايا حكومة السوداني لتنفيذ مشروع طريق التنمية وهي تضغط عليه لتسريع إنشاء خط سكة حديد الشلامجة-البصرة.
يقول مسؤول حكومي عراقي مطلع على هذا الملف لـ "عربي بوست"، إن "خط سكة حديد الشلامجة-البصرة يصب في مصلحة إيران في المقام الأول، فهو سيوفر لها نقل سريع للركاب والبضائع إلى الموانئ الإيرانية. وبناءً على ذلك فإنه من المتوقع أن تعارض إيران هذا المشروع كما عارضت في السابق مشروع ميناء الفاو الكبير لأنه يهدد الوصول إلى الموانئ الإيرانية".
لكن إلى الآن، وبحسب المسؤولين العراقيين، لم تقم الحكومة العراقية بمناقشة مشروع طريق التنمية بجدية مع الجانب الإيراني. لكن في نفس الوقت وافق رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني على المطالب الإيرانية بتسريع الانتهاء من خط سكة حديد الشلامجة-البصرة لمنع معارضة طهران المحتملة لمشروع طريق التنمية.
هل سيكون طريق التنمية بديلاً لقناة السويس؟
وسط الدعاية الضخمة التي تتبناها الحكومة العراقية للترويج لمشروع طريق التنمية، تطرق بعض المسؤولين العراقيين إلى مقارنة هذا المشروع بقناة السويس، بل وذهب البعض إلى حد القول بأنه سيكون منافساً لقناة السويس.
في هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي ثانٍ بوزارة النقل العراقية، ومن الداعمين للمشروع، لـ"عربي بوست"، إنه "رغم دعمي لهذا المشروع وإيماني بفوائده الكبيرة على الاقتصاد العراقي، فإن قول إنه سينافس قناة السويس درب من دروب الخيال".
ويفسر المسؤول الحكومي بوزارة النقل وجهة نظره أكثر، قائلاً: "قناة السويس يمر من خلالها 88 مليون حاوية سنوياً، ومن المفترض أن ينقل مشروع طريق التنمية 3.8 مليون حاوية فقط سنوياً، لذلك لا أساس للمقارنة هنا".
ويضيف قائلاً: "مشروع طريق التنمية يعتمد بالأساس على وسائل نقل متعددة بين البر والبحر ما يزيد من فترة المناولة بين ناقل الى آخر وزيادة تكاليف الشحن، مقارنة بأسعار الشحن في قناة السويس، لذلك لن يكون خياراً جاذباً للعديد من شركات الشحن العالمية".
وهناك عامل آخر فيما يخص مسألة مقارنة مشروع طريق التنمية بقناة السويس، أشار إليها الخبير في اقتصاديات النقل الدولي زياد باقر، قائلاً لـ "عربي بوست"، إن "شركات الشحن العالمية منذ عقود طويلة وهي تستخدم قناة السويس وطرق أخرى معروفة لديها ومحسوب تكاليفها، كما أنها تعودت على موانئ معينة مضمونة وآمنة بالنسبة لها مقارنة بالوضع الأمني الغير مستقر بشكل نسبي في العراق، فلماذا ستترك كل هذا وتستخدم طريق التنمية العراقي".
وأوضح أن الأمر يحتاج إلى سنوات وسنوات من أجل إقناع هذه الشركات بهذا الأمر ولن يتم إلا عن طريق خطة مدروسة بعناية من الحكومة العراقية والحكومات الإقليمية التي ستشارك في هذا المشروع.
جدير بالذكر هنا أنه إلى الآن لم تعلن أي من الدول التي شاركت في المؤتمر الإقليمي الذي عقدته الحكومة العراقية في نهاية شهر مايو/أيار من العام الجاري، للإعلان عن تفاصيل المشروع، نيتها المشاركة الجدية في هذا مشروع طريق التنمية.
لكن مسؤول بوزارة النقل العراقية قال لـ"عربي بوست"، إن المملكة العربية السعودية هي البلد الوحيد الذي أعلن وضع مشاركتها في هذا المشروع قيد الدراسة.
في النهاية، تنفيذ مشروع طريق التنمية سيكون له عائد كبير على الاقتصاد العراقي، وسيعزز من اقتصاده غير النفطي، وسيفتح آمال كبيرة أمام مئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، لكن يتبقى أمام الحكومة العراقية التحدي الأصعب، هو إدارة هذا المشروع والعمل على تنفيذه بعيداً عن الحسابات السياسية التي عرقلت الكثير من المشاريع في الماضي.