15% فقط من الشركات وفرت الريال السعودي.. رحلات الحج السياحي في مصر مهددة بالإلغاء وسط خسائر فادحة

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/19 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/19 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
فريضة الحج/ الأناضول

ينتظر آلاف الحجاج في مصر انتهاء أزمة شح الريال السعودي الذي فشلت البنوك المصرية في توفيره لتأشيرات الحج السياحية حتى الآن، في ظل حالة من القلق المتزايد بشأن إمكانية إلغاء الحجوزات أو عدم القدرة على توفير العملة الصعبة والخضوع للسوق السوداء التي وصل فيها سعر الريال مقابل الجنيه إلى 11 جنيهاً، وهو ما يضعهم أمام تكاليف إضافية بجانب الارتفاع غير المسبوق في أسعار رحلات الحج السياحي في مصر هذا العام.

يذكر أن سعر الريال السعودي داخل البنك المركزي المصري سجل 8.26 جنيه للبيع ونحو 8.22 جنيه للشراء، وهو ما يعني أن قيمته في السوق السوداء تزيد على 33%.

السوق السوداء هي الملاذ الأخير

يوضح أمير مدحت (50 عاماً) أن شركة السياحة التي من المفترض أن يؤدي معها مناسك الحج هذا العام، تواجه أزمة في إتمام حجوزاتها في الفنادق السعودية.

وأضاف: "أبلغتنا الشركة بأنه قد يتم إلغاء الرحلة إذا لم تحل أزمة توفر الريالات خلال هذا الأسبوع. وفي المقابل، فإننا نحاول بشتى الطرق توفير الريالات المطلوبة، ولا يوجد بنك حكومي أو خاص لديه ريالات سعودية، وكذلك الوضع بالنسبة لشركات الصرافة التي تمنح الحاج فقط 500 ريال كحد أقصى، وهو مبلغ لا يكفي، كما أنها تشترط على الحاج أن يكون لديه تذكرة مسددة الرسوم".

وتابع أن السوق السوداء يعد الملاذ الأخير، مشيراً إلى أن عدداً من شركات السياحة اقترحت زيادة أسعار الرحلات مقابل إتمامها، وأن الحجاج انقسموا بين مؤيد ورافض والأقرب هو الموافقة على زيادة سعر رحلة الحج مع ضيق الوقت.

وأوضح أن سعر الريال في السوق السوداء تخطى 11 جنيهاً، وفي بعض المناطق وصل إلى 12 جنيهاً، والبعض يطالبنا بالحصول على دينار كويتي واستبداله بالريال السعودي مع الوصول للأراضي السعودية.

وخلال الأيام الماضية تقدمت 280 شركة سياحية بطلبات إلى وزارة السياحة، لتنسيق تراجعها عن المشاركة في موسم الحج هذا العام، ورد المبالغ التي حصلوا عليها من المواطنين، بعدما عجزوا عن توفير الريال السعودي، بحسب تصريحات صحافية لرئيسة الإدارة المركزية للشركات السياحية بوزارة الآثار والسياحة سامية سامي، التي أشارت إلى أن إجمالي الشركات المشاركة في موسم الحج هذا العام 600 شركة، وحال انسحاب الشركات المتعثرة سيشهد الموسم خسائر بنحو 48%.

حلول سريعة

وكشف مصدر بوزارة السياحة لـ "عربي بوست" عن أن أزمة توفير الريال لا تقتصر فقط على شركات السياحة، وأن وزارتي الداخلية والتضامن واجهتا صعوبات في توفيرها قبل تدخل رئيس الوزراء لتوفير الريال السعودي لدى البنك الأهلي، وأن الأزمة تكمن في عدم قدرة بنك مصر الذي أودعت فيه شركات السياحة أموالها على توفير الريال.

وأكد أن الوزارة تناقش حالياً مع البنك المركزي المصري سرعة توفيره في محاولة لتقليل الخسائر التي قد تكون فادحة على الشركات والحجاج أيضاً، وأن السبيل الأقرب يتمثل في توفير جزء من الأموال عبر البنوك المصرية إلى جانب التواصل مع هيئات سعودية تشارك في تنظيم موسم الحج من أجل تمكين الشركات المصرية من حجز السكن والنقل والطوافة من داخل المملكة.

ولفت إلى أن التحرك الأهم يتمثل في التعامل سريعاً مع شركات السياحة التي لن تتمكن من توفير الريالات عبر البنوك الحكومية أو شركات الصرافة ونقل الحجاج إلى شركات أخرى لديها فائض من العملة الأجنبية حتى لا تضيع فرصة الحج على المتقدمين، لكنه في الوقت ذاته توقع أن تقود الأزمة لإلغاء رحلات عدد ليس بالقليل من الحجاج.

أزمات وخسائر تنتظر الحجاج

وتشير تقديرات شركات السياحة إلى أن 16 ألف حاج من إجمالي 35 ألف حاج من المتوقع أن يؤدوا مناسك الحج من خلالها هذا العام، مشيرة إلى أن البنوك لم تستطع توفير سوى 50% من قيمة التمويل اللازم لمدفوعات بعض شركات السياحة قبل سفر الحجاج إلى السعودية خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري.

وفي وقت سابق أعلن رئيس بنك مصر محمد الإتربي، وهو البنك المكلف بتسهيل أعمال وتدبير العملة لبعثات الحج الرسمية، عدم توافر السيولة لديه للوفاء بالتزامات توازي 48 مليون دولار، وهو ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للتدخل لدفع البنوك لتوفير قيمة 75% من قيمة الرحلات بالريال السعودي، وتدبير الشركات قيمة 25% عبر مواردها المالية.

وكشف صاحب إحدى شركات السياحة لـ "عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن بنك مصر (حكومي) لم يلتزم بتعليمات رئيس الوزراء ووفر فقط إجمالي مبالغ مستحقة بالريال ما بين 30 إلى 40%، ويضغط على الشركات لتدبير المبالغ المتبقية من السوق الموازية، وفي تلك الحالة فإن شركات السياحة ستتعرض لخسائر فادحة أو أنها ستدخل في أزمات مع الحجاج الذين جرى الاتفاق معهم على أسعار محددة.

وأضاف أن شركات السياحة تنتظر انفراجة في عملية التحويلات قبل بدء الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران، وفي حال لم تتمكن البنوك الحكومية من توفير الريال فإن الموسم الحالي سيواجه أكبر أزمة، وقد يقود ذلك لتأخر رحلات الحج البري الذي عاد مرة أخرى هذا العام بعدد 8 آلاف تأشيرة.

ولفت إلى أن شركات السياحة تحاول الالتزام بضوابط الحج وتنفيذ البرامج المتفق عليها مع هيئة الحج السعودية على مستوى عالٍ من الاحترافية، وأن الاجتماعات لا تتوقف مع البنك المركزي أو وزارة السياحة أو الجهات السعودية لحل الأزمة، منعاً لمزيد من الخسائر التي تواجهها شركات السياحة من الأساس جراء جملة من الإجراءات الحكومية التي قيدت التعامل بالعملات الأجنبية وأوقف منح تصاريح عمل جديدة للشركات.

قيود مشددة على بطاقات الائتمان

ومنح وزير السياحة والآثار، أحمد عيسى، الشركات المنظمة للحج إمكانية تعديل قيمة تكاليف رحلات الحج، وفقاً لأسعار سعر الصرف والزيادة التي تحددها السلطات السعودية، بعد العودة إلى اللجنة العليا للعمرة والحج بالوزارة، وتخشى الشركات تغيير العقود لمواكبة سعر العملة الصعبة بالسوق الموازية، مع تراجع أعداد الراغبين في السفر.

وأعلن الوزير عن فتح قبول طلبات السفر من الشركات، مع احتساب سعر الصرف للريال السعودي عند 8.23 جنيهات، لتحصيل 6000 ريال لخدمة الطوافة عدا تكلفة الإقامة بفنادق فئة 5 نجوم و 2888 ريالاً للمستوى الاقتصادي.

تبلغ مستحقات حجاج السياحة نحو 180 مليون ريال، وحجاج القرعة والجمعيات الدينية نحو 250 مليون ريال أخرى. واستقبلت الوزارة طلبات الحج حتى 19 أبريل عبر البوابة المصرية الموحدة للحج، وحددت أسماء المسافرين 30 أبريل للحج عبر 3 مستويات.

وتقدم 16 ألف حاج للسفر برحلات تبدأ بتكلفة 310 آلاف جنيه، للأماكن المطلة على الحرمين الشريفين في حدود 250 متراً، و275 ألف جنيه للمستوى الثاني على مسافة من 1250 إلى 4000 متر، و230 ألف جنيه لما دون ذلك داخل مكة والمدينة.

تمنح البنوك وشركات الصرافة التابعة لها المسافر للحج أو الخارج 100 أو 500 دولار، بعد حصولهم على تأشيرة السفر وحمل تذاكر مؤكدة السفر، "في حالة توافر العملة"، إلى جانب ذلك وضع البنك المركزي قيوداً مشددة على استغلال بطاقات الائتمان الشخصية في السحب النقدي بالعملة الصعبة بالخارج، وأوقف العمل ببطاقات الدفع الإلكتروني لجهات خارجية بالنقد الأجنبي، ما عرقل إمكانية تدبير المسافرين بعض تكاليف الإقامة والمدفوعات بالعملة الصعبة، أثناء السفر.

 15% من الشركات استطاعت توفير احتياجاتها

وذهب مصدر مطلع بغرفة شركات السياحة للتأكيد بأن الحكومة المصرية هذا العام استمرت في ضغوطها على شركات السياحة التي كانت تنتظر موسم الحج لإنعاش السياحة الدينية، لكنها قررت اعتماد الحد الأدنى من التأشيرات ولم تتجاوز 35 ألف تأشيرة في حين أنها كانت تعتمد قبل أزمة كورونا 100 ألف تأشيرة أو أكثر، ورغم ذلك فإن العدد الضئيل الذي حصلت عليه شركات السياحة مهدد هذا العام بسبب شح العملة الصعبة.

وعلى مدار الشهرين الماضيين لم يتمكن قطاع شركات السياحة من توفير نفقات الرحلات، ووفقاً للمصدر ذاته فإنه مع توالي الاستغاثات التي جرى توجيهها إلى الحكومة المصرية تدخل رئيس الوزراء بحل لم يجد طريقاً للتنفيذ على أرض الواقع بعد أن أرغم البنوك على توفير الجزء الأكبر من احتياجات الشركات، لكن الواقع يشير إلى أن 15% فقط من إجمالي الشركات استطاعت أن توفر احتياجاتها من الريال وتواجه باقي الشركات أزمات كبيرة حتى الآن.

ولفت إلى أن شركات السياحة انتظرت ردوداً إيجابية من الفنادق والهيئات السعودية لسداد أموالها بالريال من جانب بنك مصر لكن ذلك لم يحدث، رغم أن شركات السياحة قامت مبكراً بإيداع الأموال لدى البنك الذي كان من المفترض أن يحولها إلى المملكة، لافتاً إلى أن البنوك الحكومية اتجهت لتوفير الريالات لحجاج القرعة والذين يتبعون وزارة الداخلية وحجاج الجمعيات التابعين لوزارة التضامن الاجتماعي.

وشدد على أن الاتجاه للسوق السوداء يبقى كارثة لأن شركات السياحة حددت أسعار رحلاتها على أساس أن سعر الريال السعودي مقابل الجنيه يبلغ ثمانية جنيهات و17 قرشاً، في حين أن السوق السوداء التي تنتظر نتائج ما ستسفر عنه الأزمة الراهنة سيصل فيها سعر الريال إلى 12 جنيهاً أو أكثر ما يشير لفجوة تصل إلى أربعة جنيهات في الريال الواحد، وفي تلك الحالة سيكون الحل الأسلم الانسحاب من موسم الحج للحد من الخسائر بقدر الإمكان.

الوقت يداهم الشركات

لا يعول المصدر ذاته كثيراً على قدرة الحكومة المصرية على التعامل مع الأزمة الراهنة، معتبراً أن الوقت يداهم الشركات التي كان من المفترض أن تحول قيمة حجوزاتها إلى الهيئات السعودية منذ بداية الشهر الجاري، في الوقت الذي ألغى فيه عدد من الفنادق السعودية تعاقداته مع الشركات المصرية لعدم سداد الحجوزات، ملقياً باللوم أيضاً على اللجنة العليا للحج والعمرة التي لم تتدخل بعلاقاتها مع الجهات السعودية لحل الأزمة.

وأكد مصدر مطلع بغرفة شركات السياحة لـ "عربي بوست" وهو أيضاً صاحب أحد شركات السياحة، أن أولى الرحلات السياحية من المقرر أن تنطلق الخميس، وأن الشركات التي تمكنت من حجز تذاكر الطيران واستطاعت الإيفاء بتعهداتها مع هيئة الحج السعودية هي فقط التي ستتمكن من تسفير الحجاج، لأن المسار الإلكتروني للخدمات الخاصة بالمملكة العربية السعودية أغلق أبوابه وبدأت الفنادق في إلغاء عقود الشركات المصرية وطرحها لعملاء آخرين، رغم أن بعض الشركات نجحت في دفع مقدم حجز.

لكن ذلك لن يكون كافياً لاستمرار الحج، بحسب المصدر الذي شدد على أن الفنادق السعودية خاطبت شركته بسداد قيمة 200 ألف ريال إلا أنه فشل في توفير المبلغ ولم يقم بنك مصر بسداد تلك المستحقات وأمهلته حتى نهاية الأسبوع الجاري وإلا فإن الحجز سيكون لاغياً، مشيراً إلى أن عدداً من مسؤولي وزارة السياحة المصرية سافروا مطلع هذا الأسبوع إلى المملكة العربية السعودية لإيجاد حلول وسط تمكن الشركات من استكمال رحلاتها.

وحمّل المصدر ذاته وزارة السياحة مسؤولية ما يحدث هذا العام لأنها وقفت في العديد من الأخطاء بدءاً من عدم تأكدها من قدرة البنوك على الإيفاء بتعهدات الشركات من العملة الصعبة ومروراً بإصدارها قرارات متخبطة مثل اشتراط وجود محرم رغم إلغاء المملكة هذا الشرط، إلى جانب الصعوبات التي واجهت الشركات هذا العام في جمع جوازات السفر، وعدم تدخلها لفتح المسار الإلكتروني مجدداً للشركات المصرية التي تواجه أزمة ليس لها دخل فيها.

وكانت المملكة العربية السعودية قد قررت للمرة الأولى خلال حج العام الماضي السماح للسيدات المصريات دون سن الـ 45 بالسفر لأداء مناسك الحج دون مرافق، وكان من المرجح أن يسهم هذا القرار في زيادة أعداد المتقدمين للحج هذا العام، غير أن ما حدث هو العكس مع قرار الحكومة المصرية قبول الحد الأدنى من التأشيرات.

تحميل المزيد