نظم موقع "عربي بوست"، الخميس 15 يونيو/حزيران 2023، ندوةً بعنوان "ماذا بعد الانتخابات التركية وأثرها على المنطقة"، ناقش فيها أثر الانتخابات التركية التي أُقيمت في 28 مايو/أيار الماضي، وفاز بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على المنطقة العربية والغربية، حيث شارك في الندوة رئيس منتدى الشرق الشبابي وضاح خنفر، ونائب رئيس الوزراء التركي السابق أمر الله إيشلر، بالإضافة إلى باحثين أتراك وصحفيين.
وافتتح الندوة رئيس منتدى الشرق وضاح خنفر، متحدثاً عن الانتخابات التركية، والتي وصفها بالحدث الأبرز في عام 2023، حيث لاقت اهتماماً ومتابعة واسعين في الوطن العربي أو في الغرب، على حد سواء.
وأشار خنفر إلى أن الاهتمام بالانتخابات التركية راجع إلى أهميتها الاستراتيجية في العالم، حيث أصبحت دولة مركزية، في وقت يمر فيه العالم بمرحلة انتقالية، وأضاف أن "الفراغ الاستراتيجي في العالم العربي فتح مسارات لدول فاعلة عديدة مثل تركيا، وهذا ما شهدناه بانفتاح تركيا وتصالحها مع العالم العربي منذ نحو عقدين".
"مشروع تركيا الحديثة"
كما تحدّث رئيس منتدى الشرق الشبابي عن "بناء تركيا الحديثة"، أو "تركيا القرن الجديد"، وهو مشروع رافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حملته الانتخابية السابقة، إذ قال خنفر إن تركيا أصبحت ذات حضور وفاعلية أكبر في المنطقة، ويجب متابعة النموذج التركي وتسليط الضوء عليه؛ كي تستفيد الدول العربية منه.
ومن جانبه، قال نائب رئيس الوزراء التركي السابق أمر الله إيشلر، إن العالم يتغير، ونحن نشهد تراجع العالم الغربي، الذي أصبح بمثابة "الرجل المريض" في القرن الحالي، في وقت تشير فيه كل المؤشرات إلى أن تركيا أصبحت قوة صاعدة في المنطقة والعالم، وهو ما اتضح خلال الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث لعبت تركيا دوراً مهماً في الوساطة.
أما عن الدول الأوروبية وأمريكا، فقال المسؤول التركي السابق إن "العالم الغربي كان يتمنى خسارة أردوغان"، مشيراً إلى أن "الغرب تعامل بعقلية متعالية على تركيا، التي تعاملت بعقل دولة حكيمة"، على حد قوله.
تركيا تتجه شرقاً.. مشروع أردوغان "عالم عادل"
وتحدث إيشلر عن تركيا في عهد الرئيس أردوغان، حيث أشار إلى أنه طوّر علاقات كثيرة وغير مسبوقة مع العالم العربي، بعدما وصل إلى سدة الحكم، حيث أعاد البوصلة إلى العالم العربي والإسلامي، والتي كانت مهملة سنوات طويلة من الحكومات السابقة.
وأضاف أن أردوغان تعامل مع الدول الإفريقية التي عانت من الاستعمار الأوروبي بمبدأ الصداقة لا الهيمنة و"الربح للجميع"، على عكس سياسة الدول الغربية "الاستعمارية" تجاه دول القارة السمراء، كما نوه المسؤول التركي السابق إلى أن الدور التركي في المسرح العالمي سيتزايد، خاصةً بعد تعيين هاكان فيدان وزيراً للخارجية، والذي يمتلك خبرة طويلة تمتد لأكثر من 13 عاماً.
كما توقع إيشلر أنه خلال السنوات الخمس القادمة سيلعب أردوغان دوراً كبيراً في إعادة هيكلة النظام العالمي، وجعله يستوعب "أكثر من القوى الخمس" المسيطرة حالياً، كما سيكون التغيير لصالح تركيا والعالم العربي والإسلامي في الفترة القادمة.
سياسة خارجية مستقلة لتركيا
بدوره، قال الباحث التركي أنس يلمان إن تركيا حاولت رسم سياسة خارجية شاملة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، مشيراً إلى أنها تستكمل ما بدأت به حينذاك، وخصوصاً بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي الجديد.
وأضاف الباحث التركي أن أنقرة ركزت في العقد الأخير على بناء سياسة خارجية مستقلة، وبدأ ذلك بالدور الكبير الذي لعبته أنقرة في دعم الثورات العربية والحكومات الديمقراطية في عدد من دول المنطقة والإقليم.
كما تحدث الباحث التركي عن المناطق التي ستُركز فيها تركيا خلال الفترة القادمة خارجياً، حيث أشار إلى أمريكا، التي توقع الباحث التركي أن تكون هناك حركة دبلوماسية "سلبية وإيجابية"، على حد قوله، بخصوص انضمام السويد للناتو، والذي عرقلته أنقرة ووضعت شروطها للموافقة على الانضمام، لتتدخل واشنطن بشكل مباشر في المحادثات، في مقابل قضية بيع مقاتلات إف-16، حيث توقّع الباحث التركي أن تحصل محادثات إيجابية لصالح أنقرة.
أما عن علاقة تركيا بأوروبا فقسّمها الباحث إلى مستويين، أحدهما التشارك، والثاني التسابق، مشيراً إلى أن بعض الدول الأوروبية تحظى بعلاقات مميزة وتشاركية، لكن بعض الدول الأخرى تتسابق على النفوذ بدول أخرى في إفريقيا وغيرها.
إلى أين تتجه العلاقات العربية التركية؟
أما عن العلاقات بين القاهرة وأنقرة فقال المسؤول التركي السابق، أمر الله إيشلر، إنها ستتطور في المستقبل القريب، مشيراً إلى أن عودة السفراء هي مجرد بداية، وهناك مؤشرات عديدة بأنه سيكون هناك لقاء قريب بين أردوغان والسيسي، لحلحلة جميع المشاكل، والارتقاء بالعلاقة، خاصةً تجارياً واقتصادياً.
فيما قال الباحث التركي إن العلاقات بدأت بالتطور بين مصر وتركيا من بوابة الملف الليبي، وأضاف أن أنقرة ستعمل على ترسيم الحدود البحرية مع مصر في الفترة القادمة، وهذه أولى أولوياتها في القريب.
وفي الملف السوري، يعتقد الباحث التركي أن الحوار "التركي-السوري" سيتم عبر مقاربة مجزأة تحتاج لوقت، أهم مواضيعها اللاجئون السوريون، ومستقبل المعارضة السورية، ومنها خطر القوات المسلحة الكردية، والذي توليه أنقرة اهتماماً كبيراً.
تركيا والنظام السوري وإسرائيل
دكتور علم الاجتماع السياسي، أحمد أويصال، شارك في الندوة بجلستها الثانية، متناولاً فيها ما بعد الانتخابات التركية بالنسبة للعلاقة مع دول المنطقة، وقال إن الحوار مع نظام بشار الأسد لا يرى فيه مشكلة كبيرة من حيث التداعيات، موضحاً أنه ليس لديه الكثير ليقدمه لتركيا، وهو ليس يسيطر على غالبية بلاده.
وقال إن الوجود الأمريكي والروسي والإيراني وتوزع الميليشيات على اختلافها في سوريا، يعني أن سوريا لا تعيش وضعاً مستقلاً، بل إنها تعد ملفاً دولياً وليس ملفاً خاصاً بنظام الأسد، وهذا ما ستتعامل وفقه تركيا بعد الانتخابات.
أما عن العلاقات مع إسرائيل فستكون بنفس المستوى قبل الانتخابات وبعدها، وهذا مرتبط بتعامل تركيا مع القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن بنيامين نتنياهو يمكن القول إنه يمر بأسوأ أوقاته مع حكومته اليمينية، معتبراً أن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تشهد جديداً.
وأضاف: "تركيا ترى أنه وفق التحولات الجذرية الحاسمة في العالم بالوقت الحالي، فالأفضل أن تكون هناك تهدئة مع الدول الإسلامية، وألا تضيّع الوقت في الصراع مع السعودية وإيران والإمارات ومصر، وهذا أمر حكيم بعدم إضاعة الوقت بالصراعات الخارجية".
الحرب في السودان والعلاقة مع الخليج
لفت كذلك إلى أن أزمة السودان قرّبت مصر من تركيا أكثر، لأن هذا الصراع يشهد تدخلاً خليجياً وإماراتياً أكثر، ومصر قلقة من الأزمة في جارتها، وهذا يفتح مجالاً للتعاون مع القاهرة في ليبيا بشكل أكبر.
عن العلاقة مع دول الخليج، قال أويصال: "من الملاحظ كيف تدافع تركيا عن أنصارها، مثل قطر، وأنقرة كانت داعمة للتصالح السعودي الإيراني، وبإمكان تركيا الآن أن تتجاوز الخلافات مع دول العالم الإسلامي ككل".
من جانبه، تناول المحلل السياسي والكاتب التركي مصطفى حامد أوغلو، الاهتمام العربي بالانتخابات التركية، وسجل لديه أن هناك "أخطاء حدثت في المتابعة العربية للانتخابات التركية، باعتبار الاستحقاق الانتخابي الذي حصل وكأنه صراع بين الخير والشر، وبين الصالح والطالح، مشيداً بالديمقراطية التركية، ومعتبراً أن ما حصل هو منافسة بين توجهات سياسية، وليس انقساماً في المجتمع التركي، على عكس ما يصوره متابعون عرب كانوا مهتمين بالانتخابات التركية، وفق قوله".
وقال: "يجب قراءة التجربة التركية بالشكل الصحيح، وقال إن أردوغان يفوز لأنه قائد للتغيير، وليست لديه مواقف متصلبة، بل هو يتمسك بمبادئه وأفكاره، ولكنه يحقق التغيير عندما يكون هناك أفق مسدود، ويتواصل دائماً مع المجتمع".
وأشاد حامد أوغلو بأن المجتمع التركي لم يعد كما السابق منبهراً بأوروبا ويريد أن يتبعها، بل إنه باتت لديه شخصيته الخاصة، ويرى أن الأوروبيين يتعاملون بازدواجية معايير، وأنهم يريدون فقط أن يطبقوا الديمقراطية عليهم في الداخل وألا يكون ذلك لغيرهم، وذلك لتحقيق مصالحهم على حساب الشعوب الأخرى.
عبر أيضاً عن تأييده لشعار "العالم أكبر من خمسة" الذي يرفعه أردوغان، وقال إنه "شعار صميمي ومهم جداً، لأنه ينقض أكبر مؤسسة في العالم تديره وتحكمه، وأن هذا الشعار يصيب مشاعر العرب في الدولة العربية، وحتى المسلمين في بقاع عدة.
اهتمام العرب بالانتخابات التركية
حول اهتمام العرب في الانتخابات التركية أيضاً، أبدى الصحفي التركي توران كشلاكجي رأيه بأن هذا الاهتمام مردّه إلى "الارتباط التاريخي بين العرب والأتراك، على عكس ما يدرسه كل منهما، لا سيما وأن النخب يدرسون سابقاً في الجامعات ما يفرّق بينهما، وليس ما يجمعهما تاريخياً".
ودعا النخب السياسية والأكاديمية في البلدين، إلى أن "يوثّقوا حقيقة الارتباط التاريخي بين العرب والأتراك، وليس الحديث عن المؤامرات والخيانات، وعدم التركيز على ما يفرّق عوضاً عما يجمع، وهو كثير".
القرن الجديد
وقال توران: "تركيا في مرحلة مئوية للقرن الجديد للجمهورية الحديثة، وسيتم إنشاء المجتمع والسياسة والفكر من جديد، لهذا نحتاج من النخب أن يدرسوا جيداً ماذا سنقدم للمئوية الجديدة لتركيا، وهذا دور المفكرين والسياسيين والأكاديميين، وهذا ما بدأه أتاتورك في حقبته، وهناك أتاتورك ثانٍ هو أردوغان، سيبدأ كذلك مئوية جديدة لتركيا، فهو مشابه له من حيث القوة، وليس كما يظن البعض بأن التشبيه بينهما متعلق بأمور أخرى، مثل الفكر والأيديولوجيا، لذلك ستكون تركيا على موعد مع تغييرات كبيرة".
ولفت إلى أن "حزب العدالة والتنمية لطالما قرأ التغيرات العالمية بشكل جيد جداً، وكيفية تفاعل الشعب التركي معها، وهذا صبّ في صالحه، وانعكس دائماً على نتائج الانتخابات التي خاضها منذ 2002".
يشار إلى أن ندوة "عربي بوست" تستضيف بشكل دوري شخصيات سياسية وأكاديمية وصحفية؛ للوقوف على مستجدات المنطقة والعالم العربي والإسلامي.