نشر موقع Middle East Eye البريطاني، الأحد 11 يونيو/حزيران 2023، تقريراً سلط الضوء على الحياة القاسية للمعتقلين السياسيين وزوجاتهم في مصر، حيث زيادة الأعباء على الأسر، وتصاعد ملحوظ لظاهرة الطلاق يأساً من إطلاق سراح أزواجهن، أو تحسين ظروف زيارتهم في السجن.
التقرير أشار إلى أن الآمال في حياة أسرية عادية قد ولت، وحلَّت محلها معاناة شديدة الوطأة تواجهها نساء كثيرات في مصر، فهن ينتظرن الإفراج عن أزواجهن وخُطَّابهن المحتجزين مع آلاف المعتقلين منذ الانقلاب الذي قاده الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي -وزير الدفاع آنذاك- في عام 2013.
الموقع البريطاني التقى بعدد من زوجات المسجونين على ذمة قضايا سياسية في مصر، ومن بينهن سارة، والتي قالت إنها بعد 7 سنوات من الاستنزاف العاطفي والجسدي، صار يصعب عليها أن تواصل الحفاظ على زواجها. لكن لم تكن أفعال زوجها (أنس) هي التي دفعتها إلى التفكير في الطلاق، وإنما استمرار السلطات المصرية في سجنه، والتعنت بحقه.
خُطبت سارة إلى أنس في فبراير/شباط 2015، وكتبا الكتاب (وقَّعا عقد الزواج)، لكن أنس اختفى قُبيل حفل زفافهما في صيف 2016.
وفي حديثها لموقع ميدل إيست آي، أوضحت سارة إن اختفاء أنس المفاجئ كان محنة مؤلمة. "لقد وعدني أن يتصل بي.. لكن 45 يوماً مرَّت دون أي اتصال".
بحثت سارة باستماتة عن أية علامة تدلها على مكان وجود زوجها، حتى اكتشفت أنه قد قُبض عليه ومتورط في محاكمة عسكرية، بتهمة ممارسة نشاط سياسي غير قانوني، وهو اتهام تنفيه عائلته.
وتجنب الموقع البريطاني تحديد التفاصيل الدقيقة لقضية أنس؛ لأن ذلك قد يكشف عن هويته، ويجر الأذى على أنس وسارة وأهلهما.
اتهمت جماعات حقوق الإنسان السلطات المصرية مراراً بتعذيب السجناء، وقالت إن المحاكمات، خاصة المعنية بالقضايا السياسية، غالباً ما تكون محاكمات غير عادلة.
كما أضافت سارة أنه خلال أول عامين من اعتقال أنس، كان يُجدَّد حبسه شهرياً، وكان لا يزال لديها أمل ما في الإفراج عنه، فكانت تزوره كل أسبوع، وتبدأ رحلتها الطويلة إلى السجن من منتصف ليلة الزيارة.
انتهاكات الزيارة
وعن مشقة الزيارة، تروي سارة: "أعيش في محافظة بعيدة عن السجن، وكنت أضطر إلى السفر من هناك إلى سجن طرة في جنوب القاهرة"، و"أحمل معي شنط الطعام الثقيلة، وأقف في طابور طويل من أهالي المجرمين العاديين والمعتقلين السياسيين خارج السجن"، و"كانت المنطقة تنتشر فيها الحشرات والقمامة، فكان ذلك يزيد من خوفي… ومع ذلك كله، لم أكن أدخل من البوابة الأولى للسجن [إلا في ] نحو الساعة 11 صباحاً أو 12 ظهراً، بعد معاناة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، ودون أن أنام" منذ الليل.
وحول الانتهاكات خلال الزيارة، تقول سارة إن التعرض للإهانات اللفظية أمر شائع أثناء الانتظار لزيارة السجناء، وروت حادثة هدد فيها ضباط الأمن باغتصاب زوجات السجناء قبل دخولهن لرؤية أزواجهن.
بعد ذلك، كان الأهالي يقفون في صفوف انتظار أخرى عند كل بوابة، ويتعرضون أثناء ذلك لتفتيش جسدي مكثف، تقول سارة إنه يصل إلى درجة من درجات التحرش الجنسي.
وتقول سارة: "لم تكن زيارتي لأنس سوى لقاء قصير، لا يدوم سوى 5 إلى 10 دقائق فقط. ويفصل بيننا خلاله حاجزان من الأسلاك الفولاذية، بينهما مسافة تصل إلى متر. وكانت الحواجز، وتزامن الزيارات والمحادثات الصاخبة، تجعل من المستحيل عليَّ أن أراه أو أسمعه بوضوح".
وتابعت سارة: "كنت ممزقة باستمرار بين انتظار أنس وتحمل المعاناة النفسية والجسدية، أو تركه وتحمُّل كلانا لآلام الانفصال"، لكنني "أدركت في النهاية أن أنس لن يخرج من السجن على الأغلب في أي وقت قريب، وأن خطط حياتنا معاً محكومة بالتأجيل، ربما إلى أجل غير مسمى". وفي النهاية "اتخذت قرار الطلاق بعد الحكم عليه بـ15 عاماً".
سارة ليست إلا امرأة من نساء مصريات كثيرات يواجهن المعضلة نفسها، التي يضطررن فيها إلى الموازنة بين واجبهن وحبهن لشركائهن والحفاظ على سلامتهن العقلية من جهة، وتحمل ضغوط الأسرة والأصدقاء الذين يطلبون منهن الانفصال حمايةً لهن، من جهة أخرى.
في السياق، قالت امرأة تواصل معها موقع ميدل إيست آي إنها انتظرت عودة زوجها 9 سنوات بعد القبض عليه في يوم زفافهما، حتى اضطرت إلى إنهاء الزواج. وقُبض على زوج آخر خلال شهر العسل، ثم قررت زوجته الطلاق منه بعد معاناة أيضاً.
زيادة ملحوظة في حالات الطلاق
وبحسب الموقع، لا يُعرف على وجه التحديد عدد الزيجات التي انتهت بالطلاق في مصر بسبب اعتقال أحد الزوجين، لكن هبة حسن، مديرة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، قالت إن هناك زيادة ملحوظة في حالات الطلاق بين المساجين.
إذ قالت هبة للموقع البريطاني: "لاحظت أن الظاهرة بدأت بعد نحو 3 أو 4 سنوات من الانقلاب، وأثرت أولاً في النساء اللاتي خُطبن أو كُتب كتابهن، لكن لم يكنّ قد انتقلن إلى العيش في نفس المنزل مع أزواجهن بعد"، وقد "صبرت الزوجات والأمهات في البداية أملاً في إطلاق سراح الأزواج والأبناء، لكن لمَّا طالت مدة الاعتقال وتزايدت الضغوط، تبدلت الأمور".
وأرجعت هبة حالات الطلاق -في هذا السياق- إلى أسباب عديدة، منها المخاوف الأمنية؛ والأزمات المالية؛ والضغوط النفسية؛ فضلاً عن ضغوط الأهالي والمجتمع عموماً.
كما أشارت هبة إلى أن "ظروف السجن القاسية هي أبرز سبب للطلاق"، فالزوجات يُعانين صعوبات جمة في زيارة أزواجهن وحتى التواصل معهم؛ وتُنتهك حقوقهن الإنسانية الأساسية في كل زيارة، ويتعرضن للإذلال، وغير ذلك من أسباب المعاناة.
ولفتت هبة إلى أنه قد وردت إليها شهادات عن ضغوط تتعرض لها الزوجات خلال الزيارات لدفعهن نحو الطلاق، فأفراد الأمن كانوا يستنكرون علانية استمرار النساء في الزيارة رغم ما يتعرضن له من إذلال، وكان يقال لبعض زوجات المعتقلين: "تطلقي وحرري نفسك".
وقالت هبة كذلك إن الصعوبات المالية التي تتعرض لها زوجات المعتقلين أحد أبرز أسباب الطلاق، فالأزواج يكونون في كثير من الأحيان هم العائل الأساسي للأسرة قبل اعتقالهم.
تحديات هائلة
وبعد الاعتقال، تضطر الزوجات إلى العمل أو الاعتماد على دعم الأهل أو التبرعات الخيرية لإعالة الأسرة وتمويل نفقات الزيارات، لكن "أهل الزوجة يترددون أحياناً في تحمل المسؤوليات الواقعة على أسرة المعتقل، لثقل الأعباء التي تحملوها سنوات دون أن يلوح في الأفق أمل لانتهاء تلك المعاناة".
كما أوضحت هبة أنه "في ظل العبء النفسي وقلة الدعم، تواجه الزوجة وزوجها المسجون تحديات هائلة"، "فكل منهما عاجز عن تقديم الدعم المتوقع للطرف الآخر لما يتعرضان له من ظروف قاسية"، و"تسعى كثير من الزوجات للحصول على الدعم من الاستشاريين والاختصاصيين النفسيين للتعامل مع هذه الأعباء. ومع ذلك، فإن الضغوط ما تنفك تتزايد على بعضهن، وتزداد معها مشقة التحمل، خاصة مع الاعتقال الطويل دون أي حل"، ونتيجة لذلك، تتخذ بعض النساء في النهاية القرار الصعب بطلب الطلاق.