منذ وقوع عملية إطلاق النار التي نفذها الجندي المصري محمد صلاح على معبر العوجا في المنطقة الحدودية بين مصر والاحتلال الإسرائيلي السبت 3 يونيو/حزيران 2023، لم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عن توجيه تقييم سلبي للعلاقات مع مصر، متحدثة عن مخاوف متعلقة بسيناريو أسر جنود إسرائيليين على الحدود، وأن السلام معها "سلام بارد"، وأن "الحدود غير آمنة" معها.
كان للعملية أصداء سياسية وأمنية واسعة، دفعت بالنخب السياسية الإسرائيلية المختلفة للمطالبة بتقييم العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، والوقوف على العديد من الأسئلة، من بينها إن كان اتفاق كامب ديفيد قد شكل فرصة لسلام حقيقي بين مصر وإسرائيل بالفعل، أم أنه مجرد تثبيت حالة الهدوء ووقف إطلاق النار بين الجانبين؟
يستعرض "عربي بوست" في هذا التقرير، ما تناولته الصحف الإسرائيلية حول العلاقات مع مصر، بعد عملية الجندي المصري محمد صلاح، التي أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين واستشهاده.
"سلام وهمي"
من جهته، أشار الكاتب الإسرائيلي حاييم لفنسون في مقاله بصحيفة "هآرتس"، إلى أن حادثة معبر العوجا لا تعبر عن علاقة طبيعية بين دولتين يربطهما اتفاق سلام أبرم قبل أكثر من 4 عقود، لذلك يمكن أن نصف هذا الاتفاق بـ"السلام الوهمي"، الذي يخدم فقط النخب الأمنية بين الدولتين، بحسب وصفه.
فعلاقات إسرائيل بمصر وفقاً لكاتب المقال "تندرج ضمن اتفاق عدم اعتداء أي طرف على الآخر، بشكل لا يرتقي أبداً إلى أن نصفه باتفاق سلام حقيقي".
تابع أنه زار القاهرة مرات عدة كسائح وصحفي، وقال: "ما وجدته أن الإسرائيلي منبوذ في الشارع المصري وغير مرحب به".
وأضاف: "إن العلاقات التجارية التي تربطنا بمصر خجولة وتتم في الخفاء، وإن وجدت هذه العلاقات الاقتصادية فهي تتم بين شركات محسوبة على الحكومة".
لفت لفنسون أيضاً إلى أن "حكومات إسرائيل منذ مناحيم بيغن وحتى نتنياهو، تجاهلت المطلب الأساسي لعلاقاتنا في القاهرة، وأهمها القضاء على فجوة الكراهية واللاسامية لدى الشارع المصري تجاه اليهود، فالسلام البارد بيننا وبينهم طيلة العقود الأخيرة أثمر عن عملية فدائية راح ضحيتها 3 من جنودنا على الحدود".
كراهية الشعب المصري لإسرائيل تزداد
من جانبه، قال أريئيل كهانا المحلل السياسي لصحيفة "إسرائيل اليوم"، إن "الدرس المستفاد من العملية الأخيرة، يتمثل في أنه رغم التعاون الأمني والسياسي بين القاهرة وتل أبيب، فإن كراهية الشعب المصري لإسرائيل لا تزال كما هي، بل إنها تزداد مع مرور الوقت".
أضاف أنه يمكن استخلاص الدروس مما جرى، بأن "وجود اتفاقات للسلام مع مصر لا يعني بالضرورة تراجع العداء تجاه اليهود".
تابع كذلك أن الحادثة الأخيرة على حدود سيناء، "يجب أن تذكرنا جميعاً بأن وجود دبلوماسيين إسرائيليين في القاهرة هم في دائرة الخطر والاستهداف. لذلك علينا ألا ننتظر حتى يترجم جيراننا في الجنوب (مصر) مشاعرهم السلبية تجاهنا لنستفيق على سيناريو لا أحد يتمنى رؤيته".
حدود ليست آمنة بعد عملية الجندي المصري محمد صلاح
أما الخبير العسكري يوآف ليمور في صحيفة "إسرائيل اليوم"، فقال إن "الحدود بين مصر وإسرائيل ليست آمنة، وعلينا ألا ننخدع بهذه الرواية. لدينا حدود مشتركة تمتد لعشرات الكيلومترات، وسياج فاصل ارتفاعه ما بين (5-7 أمتار) مزود بأحدث تقنيات التكنولوجيا وأنظمة الرقابة كلفتنا مليارات الدولارات، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لمنع هجوم نفذه شاب مصري ليقتل 3 من جنودنا".
أضاف: "وقعنا في خطأ عندما أكدنا للجنود الإسرائيليين العاملين على الحدود أنهم يتعاملون مع كيان صديق، ولكن الحقيقة التي تجاهلناها طيلة العقود الأخيرة، بأن الإجراءات التي شرعنا بها (الجيش الإسرائيلي) لخلق حدود آمنة كمصادرة الأسلحة من قبائل سيناء، خلقت لدى الكثيرين من أبناء هذه القبائل انطباعاً سلبياً تجاهنا، لنتحول من وجهة نظرهم إلى أهداف مشروعة".
لفت ليمور أيضاً إلى أنه "في السابق كان الجنود الإسرائيليون على الحدود هدفاً مشروعاً لهذه القبائل التي تريد الانتقام جراء خسارتها لملايين الشواكل جراء توقف عمليات تهريب البضائع والأفراد من إفريقيا لإسرائيل عبر بوابة الحدود المصرية، ولكن العملية الأخيرة من أحد أفراد الأجهزة الأمنية تذكرنا بما هو أسوأ".
"علينا توقع الأسوأ"
بعد وقوع الهجوم، حاول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تجنب إثارة أزمة دبلوماسية وسياسية مع مصر، وألزم وزراء وأعضاء الكنيست من حكومته بتجنب انتقاد الحكومة المصرية أو تحميلها مسؤولية الهجوم، إلا أن ذلك لم يمنع بعض النخب السياسية لانتقاد مشروع السلام بين القاهرة وتل أبيب.
فقد قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق اللواء احتياط عاموس يادلين: "صحيح أن لدينا علاقات سلام مع مصر، ولكن هذا سلام بارد"، مضيفاً: "بتقديري، فإن المصريين لم يتربوا على السلام معنا، لذلك علينا أن نفترض أن نشاطاً مسلحاً بين الحين والآخر سيخرج ضدنا من جهة هذا الحليف".
הפיגוע בגבול מצרים | ראש אמ"ן לשעבר האלוף במיל' @YadlinAmos, אצל @efitriger: "יש לנו יחסי שלום קר עם מצרים, אך דווקא לאחרונה הקשר התחיל להתחמם. מדובר באירוע קשה וכואב, אבל אסור לתת לו לחבל ביחסים עם השכנה הכי חזקה שלנו"
— גלצ (@GLZRadio) June 4, 2023
أما الخبير العسكري عاموس هرئيل من صحيفة "هآرتس"، فأشار إلى أن "الحادثة على الحدود المصرية استثنائية وخطيرة؛ سواء في ظروفها أو نتائجها القاتلة، فمطلق النار هو جندي، وهذا يعزز التخمين أن الأمر يتعلق بعملية مدبرة دون صلة بمحاولة التهريب التي تم إحباطها".
تساءل أيضاً: "ماذا لو شارك بالهجوم مجموعة من الجنود المصريين وأسروا عدداً من الجنود الإسرائيليين، كيف ستتصرف الحكومة الإسرائيلية مع هذا الحدث؟ علينا دائماً أن نتوقع ما هو أسوأ".
تقييم سلبي للعلاقات بين مصر وإسرائيل
قبل عملية معبر العوجا، التي نفذها الجندي المصري محمد صلاح، انتقدت الرئيسة السابقة لحزب "ميرتس" زهافا غالئون، "فشل مشروع كامب ديفيد"، لأنه "لم يحقق أهدافه المرجوة".
وقالت في مقال في موقع "زمن إسرائيل": "لم نتمكن كدولة الاحتلال، من تحقيق علاقات دافئة مع جيراننا في الجنوب (مصر) فاتفاق السلام بيننا وبينهم بصيغته الحالية بعيد كل البعد عما أردناه، أو على الأقل ما كنا نرجو تحقيقه، بالرغم من أننا أقمنا سلسلة طويلة من التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، إلا أن المأمول كان أكبر من ذلك بكثير".
أما السفيرة الإسرائيلية في مصر أميرة أورون، فاعترفت في لقاء مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "أبواب المصريين لا تزال مغلقة أمام الإسرائيليين".
وقالت في اللقاء: "على الصعيد المدني، ومن منطلق عملي كدبلوماسية أولى لدولة إسرائيل في مصر، يمكنني القول إن الشارع المصري لا يزال يرفضنا، فعلى المواقع الإلكترونية وتطبيقات السفارة على تيك توك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، هناك ردود سلبية في تعليقات المدونين المصريين".
أضافت أنه "على مستوى وسائل الإعلام المصرية لم يطلب مني أحد إجراء مقابلة، ومن يطلب مني ذلك يتراجع على الفور ويخاف، حتى إنه يتجنب ذكر اسمه أو وسيلة الإعلام التي يعمل بها، وهذا شيء يدعو للجنون"، على حد وصفها.
يذكر أن الجيش الإسرائيلي اعترف السبت 3 يونيو/حزيران بمقتل 3 من قواته، بالقرب من معبر العوجا، بعد نجاح الجندي المصري محمد صلاح في تنفيذ عملية إطلاق النار قبل أن يستشهد، بعد اشتباك مسلح مع الجيش الإسرائيلي.