كشف تحقيق صحفي تفاصيل مهمة حول تورط قوات إسرائيلية خاصة في عمليات قتل مباشرة للفلسطينيين "بشكل متعمد"،لا سيما الأطفال، في أحدث أدلة تدين الاحتلال وانتهاكاته ضد الفلسطينيين.
حيث أكدت صحيفة The Washington Post الأمريكية في تحقيق خاص، ارتفاع معدل الاقتحامات الإسرائيلية لمدن الضفة خلال عام 2023، وخصوصاً خلال النهار، من خلال الاستعانة بالقوات الخاصة "المستعربين"، ممن يقتحمون المدن الفلسطينية متنكرين بزي مدني.
وفي الوقت الذي تقول فيه إسرائيل إن "هذه الاقتحامات ضرورية لحماية مواطنيها من الهجمات"، يؤكد مسؤولون فلسطينيون أنها "جرائم حرب" يجب إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وحتى 15 مايو/أيار، قُتل 108 فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، بينهم 19 طفلاً، بأيدي قوات الاحتلال، وفقاً للأمم المتحدة، أي أكثر من ضعف حصيلة 2022 في الفترة ذاتها.
محاكاة ثلاثية الأبعاد
وأجرت الصحيفة مزامنة لـ15 مقطع فيديو لاقتحام إسرائيلي لمدينة جنين في نهار يوم 16 من مارس/آذار 2023، والذي أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين، هم نضال خازم، ويوسف شريم، وعمر عوادين، ولؤي الصغيّر.
بُني التحقيق على لقطات فيديو من كاميرات مراقبة من المحلات التجارية المجاورة لمكان اقتحام القوات الخاصة الإسرائيلية، وتحدثت الصحيفة إلى 9 شهود، وحصلت على شهادات من 4 آخرين لإعادة تصوير الاقتحام عبر تقنية المحاكاة الثلاثية الأبعاد.
أظهرت المحاكاة قيام قوات الاحتلال باستهداف شخصين قالت إنهما كانا مسلحيْن، مع أنه لم يكن أي منهما مسلحاً بشكل واضح وفقاً للتحقيق. وأشارت سلطات الاحتلال إلى الشخصين على أنهما "مسلحان مشتبه فيهما" في بيان أولي لكنها لم تقدم أي دليل يدعم مزاعمها.
وفي التفاصيل، كشفت الصحيفة أن وحدات المستعربين، تسلّلت إلى المنطقة بزي مدني بواسطة مركبة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية، وفجأة ظهر المستعربون المدججون بالسلاح، وأطلقوا النار نحو الشاب نضال الخازم خلال قيادته دراجته النارية، ورغم وقوعه أرضاً، تقدّموا نحوه وأعدموه من نقطة صفر، كما لاحقوا زميله يوسف شريم، واغتالوه.
وعندما اكتشف أهالي جنين الواقعة، اندلعت المواجهات وبدأت الجماهير الغاضبة مهاجمتهم، فأطلقوا النار بشكل جنوني، وكان الطفل عمر عوادين يمر على دراجته الهوائية متوجّهاً إلى متجر والده، فأصابه رصاصهم، ووقع على الأرض مضرجاً بالدماء، وسرعان ما أعلن الأطباء استشهاده.
وأطلقت قوات الاحتلال النار على أحد المسلحين عدة مرات بعد أن أصبح عاجزاً، وهو ما يبدو أنه إعدام خارج نطاق القانون.
Omar was among at least 16 civilians in the area as the officers charged down the street on March 16 with AR-style rifles and a handgun.
— The Washington Post (@washingtonpost) May 26, 2023
Israeli authorities referred to the militants as "armed suspects" but provided no evidence to support their claim. https://t.co/MxFatYDAIU pic.twitter.com/C5k4fhj2nu
وأشار التحقيق الذي أجرته الصحيفة إلى أن وحدة "يمام" الإسرائيلية هي التي نفذت المهمة، وهي وحدة النخبة في حرس الحدود الإسرائيلية التي تركز على عمليات "مكافحة الإرهاب".
وتتنوع وحدات المستعربين ومسمياتها كـ"شمشون" بمحيط قطاع غزة، و"دوفدوفان" بالضفة الغربية، و"يمام" التابعة لحرس الحدود، وتختلف مهماتها لكنها جميعها تخدم الأهداف نفسها.
أشارت الصحيفة إلى أن بعضاً من الوثائق الأمريكية السرية التي تم تسريبها مؤخراً من خلال منصة "ديسكورد" عبر الإنترنت سلّطت الضوء على مخاوف الولايات المتحدة المتزايدة من أن الاقتحامات الإسرائيلية في الضفة الغربية – بما في ذلك اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس يوم 22 فبراير/شباط حيث أطلقت القوات الإسرائيلية النار على مجموعة من المدنيين- قد تخرّب الجهود الدولية لتهدئة الأوضاع في المنطقة.
من ناحيته، قال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء فيليب ألستون، للصحيفة بعد مراجعة الأدلة التي قدمتها: "يمكن للمرء أن يقول بدرجة من الثقة إن هذه عمليات إعدام خارج نطاق القانون".
وأضاف ألستون أن "الفشل في توقيف الشابين تفاقم بعد ذلك بإطلاق المزيد من الطلقات المميتة حتى بعد تحييدهما".
تصوير ثلاثي الأبعاد نشرته اليوم صحيفة واشنطن بوست حول طرق اغتيال المستعربين للمقاومين الفلسطينيين بالضفة الغربية…
— Adnan Abu Amer (@AdnanAbuAmer2) May 27, 2023
لمزيد من التفاصيل…https://t.co/f3Gt0wSBBg pic.twitter.com/LV4VXZErIs
بدوره، قال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية مايكل لينك إن "عمليات القتل هذه غير مشروعة إلى حد بعيد بموجب المعايير الدولية، وما يزيد من عدم مشروعيتها هو اختيار تنفيذ عمليات الاغتيال في سوق مدنية مزدحمة بشكل واضح".
وأشار لينك إلى أن أياً من الشابين المستهدفين في الغارة، "لم يبدُ أنه يمثل أي تهديد ولا حتى تهديد وشيك، وكان من الممكن إلقاء القبض عليهما".
أما مايكل سفارد، وهو محامٍ لحقوق الإنسان سبق أن طَعَنَ في شرعية الاغتيالات التي تنفّذها إسرائيل في المحكمة العليا الإسرائيلية، فقد وصف اقتحام جنين بأنه "نموذج مثالي لكيفية تنفيذ إسرائيل للعمليات التي تشمل القوة المميتة".