قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير نشرته السبت 27 مايو/أيار 2023، نقلاً عما وصفتهم بأنهم أشخاص مطلعون، إن التوترات تتصاعد بين المملكة العربية السعودية وروسيا، حيث تواصل موسكو ضخ كميات ضخمة من النفط الخام الأرخص ثمناً في السوق؛ مما يقوِّض جهود الرياض لتعزيز أسعار الطاقة. وقالت المصادر إن الرياض الزعيم الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، أعربت عن غضبها لموسكو بسبب عدم الامتثال الكامل لتعهدها بخفض الإنتاج استجابة للعقوبات الغربية.
كما قال المصدران إن المسؤولين السعوديين اشتكوا إلى كبار المسؤولين الروس وطلبوا منهم احترام التخفيضات المتفق عليها. وقالت المصادر إن الخلاف واضح للغاية بين أكبر منتجي النفط في العالم قبل اجتماع حاسم بين أعضاء أوبك ومجموعة من منتجي النفط بقيادة روسيا، والمعروفة باسم أوبك بلس، في فيينا في الرابع من يونيو/حزيران، ومن المقرر أن يتخذ الكارتل قراراً بشأن خطة إنتاج للنصف الثاني من العام، وسط مخاوف متزايدة بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يعوق الطلب على الطاقة.
تحذير سعودي للمضاربين في النفط
في وقت سابق أصدر وزير الطاقة السعودي تحذيراً إلى المضاربين في النفط، مشيراً إلى أن خفضاً إضافياً للإنتاج بالسوق مطروحاً على الطاولة، وسط مخاوف بشأن التعزيز الأخير في المراكز المكشوفة وفشل روسيا في الوفاء بالتخفيضات الطوعية الموعودة.
في غضون ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن أسعار النفط تقترب من مستويات "مبررة اقتصاديًا"، مشيراً إلى أنه قد لا تكون هناك حاجة لتغيير فوري في سياسة إنتاج المجموعة.
يأتي اجتماع أوبك بلس بعد أن قالت السعودية وروسيا وأعضاء آخرون في المجموعة في أوائل أبريل/نيسان إنهم سيخفّضون الإنتاج في خطوة كان من المتوقع أن تدعم أسعار النفط.
السعودية تخفض إنتاجها من النفط
من جانبها، بدأت الرياض خفض الإنتاج هذا الشهر، وقالت موسكو في ذلك الوقت إنها ستمدّد القيود أحادية الجانب التي بدأ سريانها في مارس/آذار حتى نهاية العام. الآن، تشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن روسيا تواصل ضخ كميات كبيرة من النفط في السوق، مما ساعد على زيادة الدخل إلى أقصى حد لاقتصادها المحاصر، ولكنه أشار إلى الفائض العالمي، كما يقول مسؤولو الصناعة والتجار.
في حين تراجعت أسعار النفط بنحو 10% عما كانت عليه في أوائل أبريل/نيسان على الرغم من التدخل بقيادة السعودية وانخفضت بشدة عن المستويات المرتفعة التي سجلتها في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا أوائل العام الماضي. وارتفع خام برنت الجمعة 0.9% إلى 76.95 دولار للبرميل.
تحالف الطاقة بين السعودية وروسيا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السعودية ستتخذ أي إجراء فوري من شأنه أن يؤثر على تحالف الطاقة مع روسيا.
الخلافات بين الرياض وموسكو ليست جديدة على أوبك بلس ففي مارس/آذار 2020، انهارت أسعار النفط بعد فشل السعودية وروسيا في الاتفاق على خطة طارئة لمعالجة تخمة المعروض.
بعد الخلاف، شرعت السعودية في حرب أسعار، في محاولة لانتزاع حصتها في السوق من روسيا.
السعودية وروسيا حليفان في جهد واسع من قبل منتجي النفط لدعم أسعار الطاقة، وهي خطوة تلقت التوبيخ من البيت الأبيض، الذي وصف القرار بأنه قصير النظر، وأشار إلى أن أوبك بلس تدعم بنشاط دفع روسيا مقابل حربها في أوكرانيا، لكن لم تسفر شراكتهما عن الكثير حتى الآن عندما يتعلق الأمر بالتعاون الأمني أو التجارة أو الاستثمار.
زيلينسكي يحضر القمة العربية
في المقابل وخلال الأيام الماضية، دعت المملكة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور القمة العربية السنوية كضيف خاص.
في حين أن المملكة هي واحدة من العديد من الدول التي تقدم التوسط لإنهاء الحرب وساعدت في التفاوض على صفقة تبادل أسرى رفيعة المستوى العام الماضي بين روسيا وأوكرانيا وأعلنت عن 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية لكييف. ولم تستجِب وزارتا الطاقة في السعودية وروسيا لطلبات التعليق.
التزام روسيا بخفض إنتاج النفط
من جهة أخرى، أصدر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك بياناً في وقت سابق قال فيه إن موسكو تلتزم بتعهدها الطوعي بخفض إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً من مارس/آذار حتى نهاية العام. وقالت موسكو إنها ستخفض إنتاجها النفطي بنحو 5% بعد أن فرضت مجموعة السبع سقوفاً لأسعار النفط والمنتجات النفطية الروسية.
كما قال نوفاك: "مع الأخذ في الاعتبار التكهنات التي لا أساس لها في الصحافة بشأن مستويات إنتاج النفط، تؤكد روسيا مجدداً التزامها الكامل وتنفيذ مستويات خفض إنتاج النفط الطوعي".
في سياق متصل، تواصلت وزارة الطاقة الروسية في الأسابيع الأخيرة مع المنشورات التجارية لتوضيح أنها اضطرت إلى تأخير إغلاق بعض آبار النفط بسبب الطقس المتجمد بشكل استثنائي في أجزاء من البلاد، وقالت الوزارة إن البلاد كانت لا تزال قادرة على خفض 400 ألف برميل يومياً في أوائل مايو/أيار بالقرب من المستوى الذي تعهدت بكبحه، كما يقول أشخاص مطلعون على الأمر.
في حين أنه وفي الأيام الماضية ضغطت أيضاً على مصادر ثانوية لتغيير تقديراتها لإنتاجها النفطي، لكن الوكالات رفضت الطلبات، على حد قول هؤلاء الأشخاص.
توترات داخل أوبك بلس بسبب النفط
في سياق متصل، لا يوجد شرط محدد بأن تبلغ روسيا بدقة إنتاجها، لكن التناقض يزيد من التوترات داخل أوبك بلس بشأن ما إذا كان سيتم خفض الإنتاج أكثر.
من جانبها، تعمل العقوبات الغربية على الوقود الأحفوري الروسي على تسريع التحول في تدفقات الطاقة العالمية، حيث تستفيد الصين والهند بشكل متزايد من خصومات النفط الروسية ويعيد الموردون في الشرق الأوسط توجيه نفطهم الخام إلى أوروبا.
أما في مارس/آذار، فتجاوزت روسيا المملكة باعتبارها أكبر مورد للنفط للصين، بينما تجاوزت واردات الهند من النفط الروسي الشهر الماضي التدفقات المجمعة من السعودية والعراق للمرة الأولى على الإطلاق، وفقاً لبيانات من شركة فورتيكسا، وهي شركة لسلع البيانات.
في حين يقول المسؤولون السعوديون وغيرهم من الأشخاص المطلعين على سياسة النفط السعودية إن الرياض تتعرض لضغوط للحفاظ على أسعار النفط المرتفعة؛ حيث تتطلب ميزانيتها ما يقدر بنحو 81 دولاراً للبرميل – أي حوالي 5 دولارات أكثر من المستويات الحالية.
تكاليف ضخمة
في الوقت نفسه تحتاج المملكة إلى دفع تكاليف مشاريع التنمية الضخمة في الداخل، وبعضها كبير جداً، لدرجة أن السعوديين يسمونها مشاريع ضخمة، ومن بينها منتجع على البحر الأحمر بحجم بلجيكا، مع فنادق على طراز جزر المالديف تحوم فوق الماء، ومدينة مستقبلية عالية التقنية في الصحراء تبلغ تكلفتها نصف تريليون دولار وهي أكبر 33 مرة من مدينة نيويورك.
يذكر أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، في منتصف الطريق لخطة طموحة لاستخدام موارد بلاده من عائدات النفط لتحويل اقتصادها، وقلب ثقافتها المحافظة.
لكن مع وصول الأسعار إلى 100 دولار للبرميل العام الماضي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، عجلت المملكة من تلك الجهود، التي يمولها إلى حد كبير صندوق الثروة السيادي البالغ 650 مليار دولار برئاسة محمد بن سلمان.
وفي الأشهر الأخيرة، حذر مستشارون اقتصاديون سعوديون كبار صانعي السياسة من أن المملكة بحاجة إلى أسعار نفط مرتفعة للسنوات الخمس المقبلة لمواصلة إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع التي اجتذبت حتى الآن استثمارات ضئيلة من الخارج.