استفاقت روسيا قبل أيام على هجوم غير مسبوق، بعد أن اقتحمت قوات "فيلق حرية روسيا" الحدود ونفذت عملية، في أخطر توغل في الأراضي الروسية منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وبينما كانت الميليشيات الروسية المعارضة للكرملين تستعد لشن هذه "الغارة الجريئة"، ظهر رجل يحمل بندقيةً آلية وهو يحدق بعدسة الكاميرا، قائلاً في مقطع فيديو نُشِرَ على الإنترنت: "نحن روس مثلكم تماماً".
وأضاف الرجل، حسب ما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية: "نحن أناس مثلكم تماماً.. نريد أن يترعرع أطفالنا في سلام، وأن يكونوا أحراراً حتى يتمكنوا من السفر والدراسة، وأن يكونوا سعداء في بلد حر؛ لكن هذا لا مكان له في روسيا بوتين الحديثة، الفاسدة بالأكاذيب والرقابة والقيود على الحريات والقمع".
فيلق "حرية روسيا"
يقول تقرير لمجلة economist البريطانية إن هذه الجماعات تتمركز في أوكرانيا؛ حيث تشن هجماتها ضد الأراضي الروسية. وتقول روسيا إن الميليشيات هذه هي واجهة للجيش الأوكراني، فيما تصر كييف على أنهم منشقون روس.
وتقول المجلة إن هذه الميليشيات يبدو أنها تقوم بالفعل بتجنيد مواطنين روس ساخطين، وأن كلتا المجموعتين اللتين اقتحمتا منطقة بيلغورود، تنسقان أنشطتهما مع وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية. ومع ذلك، ليس للجماعات علاقة رسمية بالحكومة الأوكرانية؛ ما يسمح للمسؤولين الأوكرانيين بالنأي بأنفسهم عن عمليات الميليشيات هذه.
كما تبين أن الرجل الذي ظهر في الفيديو هو ماكسيميليان أندروننيكوف، الذي نصَّب نفسه قائداً لفيلق "حرية روسيا"، تحت لقب "قيصر"، وعمل أيضاً أندروننيكوف متحدثاً إعلامياً باسم المجموعة، التي سعت إلى العمل في الظل إلى حد كبير، والحفاظ على سرية عضويتها.
لكن مع الغارات على جنوب روسيا هذا الأسبوع، سُلِّطَ الضوء على كل من فيلق حرية روسيا وفيلق المتطوعين الروس، وهي مجموعة أخرى تتألف من الروس الذين يقولون الآن إنهم يقاتلون ضد بوتين.
إذ أظهرت الملفات الشخصية أن عدداً من المقاتلين الروس هم من قدامى المحاربين في الجماعات المناهضة للكرملين، والعديد منهم، وخاصة في فيلق المتطوعين الروس، لديهم صلات بالمنظمات اليمينية المتطرفة الروسية. وفي صورة التُقطت الشهر الماضي، يقف أندروننيكوف بجانب دينيس نيكيتين، القومي الأبيض البارز في فنون القتال المختلطة الذي يرأس فيلق المتطوعين الروس.
جماعة قومية معارضة لبوتين
كان أندروننيكوف نفسه عضواً سابقاً في الحركة الإمبراطورية الروسية، وهي جماعة قومية متطرفة تعارض علناً فلاديمير بوتين، ولكنها أيضاً تعاملت مع مقاتلين موالين لروسيا في الحرب منذ عام 2014.
فيما نشرت وكالة Agentstvo الروسية المستقلة للأنباء، في وقت سابق من هذا العام، صورة عام 2011 تُظهر أندروننيكوف في مسيرة روسية مع دينيس غارييف، رئيس الذراع شبه العسكرية للحركة الإمبراطورية الروسية. وقال عضو في الحركة يعرف أندروننيكوف إنه ترك المجموعة قبل بدء الحرب في أوكرانيا في عام 2014.
واستُدعِيَ أندروننيكوف، الذي وُلِدَ في سوتشي وعاش لاحقاً في سان بطرسبورغ، كشاهد في قضية عام 2012 حول انقلاب عسكري مزعوم خطط له العديد من الرجال في مدينة إيكاترينبرغ في الأورال. ولم تُوجَّه إلى أندروننيكوف، الذي كان في ذلك الحين رئيساً لـ"النادي العسكري الوطني" في سان بطرسبورغ، أي اتهام في القضية.
رُبِطَت المؤامرة بفلاديمير كفاتشكوف، العقيد المتقاعد والمتشدد. وسُجِنَ بعد أن اتُّهِمَ أعضاء من جماعته، الجبهة الشعبية لتحرير روسيا، بالتدريب من أجل مؤامرة لإطاحة الحكومة.
فيما كان أندروننيكوف يعمل مدرباً للرماية في عام 2022 عندما بدأت الحرب وغادر سريعاً إلى أوكرانيا، وقاتل إلى جانب كييف منذ ذلك الحين، وقال في وقتٍ سابق من هذا العام، إن هدفه النهائي هو إزاحة بوتين من السلطة. وقبل الغارة، قال إنه كان يقاتل بالقرب من مدينة باخموت. وتضم الميليشيات منشقين عن الأجهزة الأمنية الروسية.
من أين أتى هذا الفيلق بأسلحته؟
بعد عملية بيلغورود، قال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولياك، إن حكومته "كانت متفرجاً" حسب تعبيره. وقال ساخراً إن "أي دبابات مستخدمة في الهجوم كان من الممكن شراؤها ببساطة من متجر عسكري"، محاكياً الروايات التي استخدمتها روسيا عندما ظهرت أجهزتها لأول مرة في شرق أوكرانيا عام 2014.
من جهته، قال أندريه تشيرناك، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات الأوكرانية، إن القتال هذا هو جزء من "انتفاضة وطنية" قام بها الروس داخل الأراضي الروسية. وزعم أن الجنود "حملوا السلاح للدفاع عن حريتهم واستقلالهم"، دون أن يعلق بشيء عن مصدر الأسلحة التي استخدمتها هذه المجموعات.
وسعى الكرملين إلى التقليل من شأن الخرق الأمني المحرج. ووصفها المسؤولون الروس بأنها محاولة من أوكرانيا "لصرف الانتباه" عما زعموا أنها سيطرتهم على بلدة باخموت المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وفي اليوم التالي، زعمت وزارة الدفاع الروسية أنها قتلت أو طردت جميع مقاتلي الميليشيات من بيلغورود، رغم أنها لم تقدم أي دليل.
غموض يحيط بالفيلق
فيما تقول وكالة الأنباء الفرنسية إنه لطالما أحاطت "حالة من الغموض" بـ"فيلق حرية روسيا"، لكن ليس بنفس القدر حول بعض أعضائها. حول هذا يقول حسين علييف، المتخصص في الصراع في أوكرانيا في جامعة غلاسكو: "تحدث عدد كبير منهم في وسائل إعلام أوكرانية أو للمعارضة الروسية". وأشار إلى أن "بعضهم يقدمون أنفسهم كأسرى حرب سابقين منذ بداية الصراع، قرروا تغيير موقفهم لاحقاً؛ لكن ربما لم يكونوا جنوداً في الأصل".
كما أن الفيلق لا يبخل بإظهار رموزه الخاصة، إما قبعات جنوده الروسية التي تحمل شعارات أوكرانية، أو العلم الأبيض والأزرق والأبيض على جانب قمصانهم، والذي يرمز إلى قوى المقاومة لفلاديمير بوتين في روسيا، وعلى الجانب الآخر من القميص عَلَم أوكرانيا.
كما اختار مقاتلو الفيلق علامة مميزة، على غرار الجيش الروسي الذي اعتمد الحرف "Z" على آلياته. وجعل جنود الفيلق من الحرف "L" شعارهم، والذي يرمز لكلمتي فيلق وحرية باللغة الإنجليزية (Legion – Liberty).
وتضيف الوكالة الفرنسية أنه عندما يصل الأمر إلى تقييم أعداد جنود الفيلق، تصبح المعلومات قليلة وغير دقيقة، مشيرة إلى أن المعروف هو أنه تم تشكيل الفيلق في البداية بنحو 100 مقاتل، لكن أعداده تعاظمت من ذلك الحين.
ستيفن هول، المتخصص في روسيا في جامعة باث، قال: "نحن نتحدث عن كتيبتين، يمكن أن تضما حوالي ألفي جندي"؛ ما يضيف إلى الهالة حول أعدادهم، إصرار معظم جنود الفيلق على إخفاء هوياتهم قدر المستطاع عندما يتحدثون، لكنهم يؤكدون أن أعدادهم تُقدَّر بالمئات ولهم تواجد في معظم المدن الروسية الكبرى، حسب صحيفة موسكو تايمز.
عنصر آخر يصعب البحث فيه أو قراءته، وهو ما إذا كان أعضاء هذه الجماعة مدفوعين بأيديولوجية مشتركة.