لا يزال النهب والفوضى مستمرين في العاصمة السودانية، رغم الهدنة التي تعيشها ورغم انسحاب مئات العناصر من قوات الدعم السريع منها، إلى دارفور، وفق ما أكدته مصادر لـ"عربي بوست" في تقرير سابق، إلا أن الأوضاع الميدانية لا تزال تشهد توترات مستمرة مع عودة مئات من الدعم السريع إلى الخرطوم وجبهات القتال فيها.
في حين كشفت مصادر من دارفور عن أن العديد من المستشفيات تحولت إلى ثكنات عسكرية للدعم السريع، إلى جانب استمرار القصف الجوي ضدها من الجيش السوداني في المناطق الآهلة بالسكان.
ومساء الإثنين 22 مايو/أيار 2023، بدأ سريان اتفاق جديد لوقف إطلاق النار من المقرر أن يستمر لمدة أسبوع، بموازاة استمرار محادثات بين طرفي النزاع في السعودية، في محاولة للتوصل إلى وقف دائم للقتال، وحل سلمي للنزاع المسلح المتواصل في الخرطوم ومدن أخرى.
عودة مئات من الدعم السريع للخرطوم
وقالت المصادر لـ"عربي بوست"، إن عناصر قوات الدعم السريع التي كانت قد انسحبت إلى دارفور، تمكنت من الحصول على إمدادات عسكرية لاستكمال القتال في الخرطوم، وإن المئات منهم في طريقهم للعودة إلى الخرطوم للانخراط مجدداً في المعارك.
وتابعت أن قيادة الدعم السريع رغم غضبها السابق من القوات المنسحبة من الخرطوم، إلا أنها استفادت منها بعمليات التزويد بالإمدادات العسكرية، وأقنعتها بالعودة مجدداً إلى العاصمة مع العفو عن الهاربين، مستغلة فترة الهدنة لإلحاق المزيد من عناصرها بجبهات القتال.
مع دخول الهدنة في السودان حيز التنفيذ، شهدت العاصمة الخرطوم في بداية الهدنة تجدداً لحركة المواطنين السودانيين نحو الأسواق لشراء احتياجاتهم الأساسية مع خلو مظاهر العسكريين فيها، إلا أنه بعد ساعات، عادت الاشتباكات العنيفة بين الجيش والدعم السريع في مدنها الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، إضافة إلى احتدام المعارك في الأبيض في ولاية شمال كردفان.
مواطنون في أم درمان قالوا لـ"عربي بوست"، إن الاشتباكات بدأت في نهار الأربعاء 24 مايو/أيار 2023، مع عودة انفجارات وأصوات تبادل الرصاص وسط المدينة وجنوبها، وأصوات المضادات بصورة كبيرة، بما في ذلك الضربات الجوية لسلاح الجو السوداني، وتصاعد أعمدة الدخان بصورة كبيرة، مع خلو الطرقات من المارة، وانحسار المواصلات.
تعطيل المستشفيات وتحويلها لثكنات
رصد مراسل "عربي بوست"، تحويل قوات الدعم السريع للعديد من المستشفيات إلى ثكنات عسكرية.
والمستشفيات التي رصدها هي "مستشفى الحوادث في أم درمان، ومستشفى الولادة والوالدين للعيون، ومستشفى تقى، ومستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية".
يأتي ذلك رغم أن الهدنة دعت لفتح ممرات آمنة والإخلاء العسكري للمستشفيات، إلا أنه بجولة ميدانية في بعض المستشفيات، يتضح وجود حراسات عسكرية داخل المستشفيات المذكورة وخارجها، وتحويل عدد من عنابرها وغرف الأطباء لثكنات عسكرية لعناصر هذه القوات، في حين تم منع دخول أي هاتف أو كاميرا إليها.
في المقابل، لم يتوقف قصف الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني، على عدد من مواقع تمركز قوات الدعم السريع شبه العسكرية في حي المنصورة، والإصلاح، والسبيل في أم درمان.
وامتنع الناطق الرسمي للجيش عن التعليق لـ"عربي بوست" حول تصاعد الاشتباكات على الرغم من إعلان الطرفين الالتزام بالهدنة، ووقف إطلاق النار لمدة أسبوع.
أعمال النهب تزداد مع كل هدنة
قالت مصادر أمنية إن مظاهر أعمال النهب والسطو المسلح في الخرطوم ازدادت حوادثها بصورة كبيرة خلال اليومين الماضيين، مع دخول الهدنة حيز التنفيذ، وسط خروقات بسبب غياب الدور الأمني.
وأكد مواطنون في السوق الشعبي في أم درمان لـ"عربي بوست"، تعرضهم للاعتداء والضرب والنهب من عناصر مسلحة تابعة لقوات الدعم السريع، دخلت إلى السوق ليل الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وأطلقوا وابلاً من الرصاص وسط السوق، ونهبوا أموالاً طائلة تم وضعها في سيارات بوكس دبل كاب خالية من اللوحات المرورية.
مصادر أمنية أخرى أرجعت أسباب انتشار أعمال النهب المسلح بصورة واسعة في الخرطوم نتيجة لغياب الشرطة بصورة تامة، وخلو أقسامها من أية مظاهر شرطية لحراسة الأسواق والمرافق العامة والخاصة.
يحكيِ المواطن سيف الدين إبراهيم (25 عاماً) لـ"عربي بوست" حادثة ابن عمه "أبو بكر" آدم عثمان (23 عاماً) الذي قُتل بعد تعرضه لإطلاق نار من مسلحين تابعين للدعم السريع ليلة الإثنين 22 مايو/أيار، وقاموا بنهب هاتفه ومحفظته، وتركوه غارقاً في دمائه، وتم نقله للمستشفى على إثر ذلك لكنه فارق الحياة.
توسع دائرة الانسحابات
كان ملاحظاً بحسب مراسل "عربي بوست"، انخفاض أعداد مقاتلي الدعم السريع في أم درمان، بعد فرار المئات منهم إلى دارفور، الأمر الذي انعكس إيجاباً على حركة المواطنين في الأسواق والمواصلات العامة.
رغم عودة مئات من الدعم السريع إلى الخرطوم، إلا أن أعداداً أخرى لا تزال تنسحب إلى ولاية دارفور، بحسب ما أكدته مصادر مدنية في كردفان وشهود عيان فيها.
وكشفت عن توسع انسحابات الدعم السريع غرباً نحو دارفور، إذ قال شهود عيان في قرى بولاية شمال كردفان لـ"عربي بوست" إنهم شاهدوا أرتالًا من السيارات المنسحبة من الخرطوم باتجاه "دارفور"، معظمها عربات تابعة لقوات الدعم السريع.
وقالوا إنه "خلال الأيام الثلاثة الماضية، يقدر عدد السيارات التي انسحبت من الخرطوم ووصلت إلى كردفان بـ"ألف سيارة" تحركت من الخرطوم عن طريق الأربعين الغربي، وهذه المرة تحركت جنوباً عبر الطُرق الداخلية في شكل دفعات وصلت الى منطقة (أم بادر) شمال كردفان في ثلاث دفعات من قوات الدعم السريع.
وأكدت مصادر أخرى، أن التحركات هذه تهدف إلى العودة إلى دارفور لإعادة التموين ونقل المزيد من الإمدادات من السلاح، ونقل المقاتلين والعودة بهم مجدداً إلى الخرطوم، قبل انتهاء الهدنة المحددة.
حاول "عربي بوست" الوصول إلى معلومات متعلقة بأماكن تزود هذه القوات بالإمدادات العسكرية، وكيفية الحصول عليها، إلا أنه تعذر ذلك لأسباب أمنية.
في حين نفى مصدر في الدعم السريع وجود انشقاقات وسط قواتها، لكنه أبدى تخوفاً من عدم عودة الكثير من الفارين إلى جبهات القتال بسبب عدم صرف الرواتب ونقص إمدادات البعض، لكنه أكد بدء عودة مئات من الدعم السريع إلى الخرطوم.
ومع استمرار الاشتباكات، يتعذر وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين في العاصمة والولايات المحيطة، بحسب مراسل "عربي بوست"، الذي أكد استمرار الاشتباكات والمعارك العنيفة لا سيما في العاصمة.
في 17 مايو/أيار 2023، ذكرت الأمم المتحدة أن "نحو 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان السودان بحاجة للمساعدات الإنسانية"، محذرة من أن "الوضع في السودان يتحوّل إلى أزمة إقليمية بوتيرة سريعة"، متوقعة أن "يبلغ عدد الفارين من السودان مليون لاجئ هذا العام".
كانت آخر حصيلة أعلنتها نقابة الأطباء في السودان، سجلت 863 قتيلاً و3 آلاف و531 مصاباً بين المدنيين.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.