مناورة عسكرية لحزب الله بطريقة مختلفة عن سابقاتها.. ما الرسائل السياسية والعسكرية وراءها؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/24 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/24 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
حزب الله (رويترز)

أُجريت مناورة حزب الله اللبناني العسكرية تحت اسم "سنعبر" الأحد 21 مايو/أيار 2023، على بعد 20 كيلومتراً فقط من "الخط الأزرق" الفاصل بين لبنان والأراضي المحتلة، وبحضور وسائل إعلام محلية ودولية في بلدة "عرمتي". 

تأتي المناورة في ذكرى الـ23 عاماً لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، حيث قرّر حزب الله أن يحتفل بذكرى "عيد التحرير" بطريقة مختلفة عن سابقاتها، حيث دعا وسائل الإعلام إلى جولة في أحد معسكراته في منطقة "عرمتى" الجنوبية، لحضور مناورة عسكرية لمقاتليه في معسكر "المروج"، بغية إظهار "جاهزيتهم لأي معركة مع الجانب الإسرائيلي"، وفق ما أعلنه.

قام حزب الله في هذه المرة بتوسيع نطاق الدعوة، فلم يحصرها بوسائله الإعلامية والموالية له، بل طالت مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية دون استثناء، بما يدل على رغبته في إيصال رسائله السياسية والعسكرية على نحو واضح.

تفاصيل عن المناورة

انضمت المئات من وسائل الإعلام المحلية، والعشرات من المراسلين الأجانب إلى الجولة الإعلامية نحو معسكر الحزب، لمتابعة تفاصيل الاستعراض والمناورة. وطوال الأسبوع الماضي تكفّل المسؤول الإعلامي لحزب الله محمد عفيف بالتواصل مع جميع وسائل الإعلام، بشأن المناورة العسكرية. 

يقع "معسكر المروج" الذي يبعد حوالي 15 دقيقة عن منطقة عرمتي، في منطقة خالية من السكان، مليئة بالحفريات وطريقها وعر، ومليئة بالأشجار العالية.

بحسب مصدر أمني مطلع تحدث لـ"عربي بوست"، فإن هذا المعسكر كان لسنوات عدة موقعاً تدريبياً لكل المقاتلين الأجانب من دول: أفغانستان، اليمن، العراق، البحرين، سوريا، إندونيسيا، نيجيريا، كينيا، لكنه تحول منذ سنة لموقع أمني محاط بعناصر الحزب فقط.

بدأ العرض العسكري بمجموعة من المركبات القتالية والآليات العسكرية، وتوزعت العناصر المسلحة داخل الآليات العسكرية، وأخفى المقاتلون وجوههم بالأقنعة والنظارات الشمسية كما هي العادة، وبدأ العرض العسكري الأول على الدراجات النارية. 

حزب الله اللبناني يقول إنه يتواجد في سوريا بطلب من
حزب الله اللبناني يقول إنه يتواجد في سوريا بطلب من "القيادة السورية" – رويترز

شارك بعدها حوالي 250 مقاتلاً في "استعراض المهارات"، حيث تنتظم العناصر المسلحة بتشكيل قتالي استعداداً للهجوم، إلى جانب استعراض يُظهر وحدات الحزب شبيهة بجيش نظامي.

أُجريت المناورة بالذخيرة الحية، فاستخدم عناصر الحزب الرصاص الحي، والقنابل الصوتية والدخانية، والقذائف الصاروخية، وعرض حزب الله قدرة مقاتليه على انتزاع بندقية "العدو"، وقدرتهم البدنية في تحطيم الفخاريات. 

بعد ذلك، وأمام كاميرات وسائل الإعلام العالمية، صوّب المقاتلون قناصاتهم على هدف يبعد مسافة 600 متر، للتباهي بقدرتهم على إصابة الأهداف بدقة وسرعة.

تحت عنوان "عملية عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية"، أطلقت القذائف الصاروخية وفجرت بعض "المواقع الإسرائيلية" عن طريق مسيرة مفخخة تابعة لحزب الله، كذلك استخدم حزب الله أكثر من 8 طائرات "drone" لعرض مهاراته في استخدامها.

رسائل إلى إسرائيل 

أشار مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست"، إلى أن هدف المناورة الأول هو "إرسال رسالة لإسرائيل من خلال المناورة العسكرية، وهو استعراض القوة العسكرية والجاهزية للدخول في أي مواجهة قد يلجأ إليها الجانب الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، التي تشهد صراعاً سياسياً وفكرياً بين مكوناتها، في ظل الأزمات الكبرى التي تعيشها إسرائيل على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية".

بحسب المصدر فإن المناورة هي "رسالة تحذير لأي محاولة عسكرية قد يلجأ إليها الإسرائيليون للهروب من أزماتهم الداخلية، من خلال تأكيد حزب الله أنه جاهز لأي معركة محتملة".

قال أيضاً إن "المناورة اتخذت سمة هجومية، ولم تبقَ فقط في الإطار الدفاعي، وهذا يتضح من خلال السلاح الذي جرى استعراضه، واستعراض العمليات النوعية داخل إسرائيل، إضافة لسلاح المسيّرات التي قامت بها فرق الحزب، وخاصةً أن شعار المناورة اتخذ عنواناً هجومياً وهو "العبور"، أي اقتحام مدن الشمال الإسرائيلي".

صورة من مناورة حزب الله اللبناني تحاكي هجوما على إسرائيل - حسابات الحزب على تويتر
صورة من مناورة حزب الله اللبناني تحاكي هجوما على إسرائيل – حسابات الحزب على تويتر

رسائل إقليمية

في إطار متصل، قال مصدر حكومي لبناني رفيع مقرب من حزب الله، لـ"عربي بوست"، إن المناورة العسكرية "لها سياقات إقليمية ومحلية لا يمكن تجاوزها، خاصة لجهة توقيتها، أي عقب القمة العربية وبعد الاتفاق السعودي الإيراني، والتقارب بين النظام السوري والسعودية".

أضاف أن حزب الله يريد أن يوصل رسالة مفادها أنه "لا يزال متفوقاً على كل الأطراف في لبنان وسوريا، ليحدّث الداخل اللبناني وكل القوى السياسية بأن صراعه الأساسي لا يزال مع إسرائيل، وأن السلاح سيبقى حاضراً، ولا مساومة داخلية عليه لا من الحلفاء ولا من الخصوم، وتحديداً في ظل الذهاب لتسوية رئاسية محتملة".

بحسب المصدر، فإن "الحزب اعتاد في السنوات الماضية إجراء مناورات في مناطق سورية، مع تسريب مقاطع لها، لكن مع التفاهمات العربية-الإيرانية والخليجية-السورية، لم يعد الحزب بحاجة إلى القيام بمناورات عسكرية في سوريا"، معتبراً أن "هذا المشهد ينطوي أيضاً على رسائل متعددة، ترتبط بمسار التهدئة والتوافقات في المنطقة، وهي نقيض لما يجري الحديث عنه بشكل شعبوي من المعارضين له في لبنان".

اعتبر مصدر دبلوماسي عربي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن رسالة المناورة من حزب الله "موجهة أيضاً للدول العربية، للقول إنه أخرج العدد الأكبر من كتائبه وألويته العسكرية من سوريا، ولم يعد يحتفظ هناك إلا ببعض النقاط والمواقع الاستراتيجية لحماية النظام، ولم يعد بحاجة إلى جحافل المقاتلين والآليات والدبابات، التي كانت تظهر سابقاً في العروض العسكرية في منطقة القصير ويبرود".

وقال إن التطورات بما يتعلق بسلوك حزب الله تأتي "في إطار الاتفاقات الجارية بين إيران والسعودية وسوريا والأردن، وتشارك به دول أخرى في صياغة تفاهماتها، على رأسها مصر، عبر الخارجية والاستخبارات"، موضحاً أن "مسؤولين في الاستخبارات المصرية جلسوا مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا".

واعتبر الدبلوماسي العربي أن الحزب يقول لكل الأطراف الناشطة على الخط اللبناني، وتحديداً الأمريكيين والسعوديين والقطريين، إنه هو الرقم الأول في لبنان، والتسوية تكون معه حصراً، قبل أي طرف آخر.

داخليا في لبنان

من جانبه، يعتبر المحلل السياسي ربيع دندشلي، أن "الاستعراض والمناورة سيسعى الحزب للاستفادة منهما داخلياً، وذلك في إظهار القوة والجاهزية"، مضيفاً أنه "بهذا النشاط المعلن يستدعي السجالات الداخلية، التي تزيد وتعمّق الانقسام بين الأطراف الداخلية، بين قوى سياسية ستزيد من مطالبته بضرورة سحب سلاحه، فيما الحزب سيؤكد أن هذا المسار غير مطروح في هذه المرحلة".

وقال إن "الحزب سيستفيد من كل الوقائع الإقليمية والدولية ومسار تحسن العلاقات السعودية الإيرانية لترجمتها لبنانياً، ليس بالمعطى العسكري، إنما بالانعكاس السياسي، وذلك من خلال تمسكه بترشيح سليمان فرنجية، وسط محاولات متجددة من قبله ومن المسؤولين الفرنسيين في إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالذهاب بهذا الاتجاه، ولو على سبيل تأمين النصاب وليس من خلال التصويت الكامل لفرنجية". 

رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشح حزب الله للرئاسة
رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشح حزب الله للرئاسة

لا سيما أن "الحزب يحاول الإشارة إلى أن المسارات الإقليمية كلها تصب في صالحه، ويتعاطى مع الاستحقاقات من خلال الدفع باتجاه إيصال مرشحه، أو الذهاب لتسوية تضمن له بقاءً مهماً في الدولة والمؤسسات، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت"، بحسب دندشلي.

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد