كشفت مصادر من داخل التيار الصدري لـ"عربي بوست" أن زعيم التيار مقتدى الصدر قد يعود عن قراره باعتزال السياسة، وأنه أمر بإعادة هيكلة تياره، بهدف "إزاحة العناصر الفاسدة" منه، متهمة خصومه بأنهم وراء انشقاقات في "سرايا السلام" التابعة له، وظهور مجموعة تدعى "أصحاب القضية" تدعي أنه المهدي المنتظر، الأمر الذي أثار غضب الصدر نفسه.
قيادي في التيار الصدري ومقرب من الصدر، أوضح لـ"عربي بوست": "مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة، إذ إن الصدر يرى أنه من الضروري إعادة هيكلة التيار الصدري وسرايا السلام وتشكيلهما، بعد إزاحة العناصر الفاسدة".
"الأحداث المؤسفة" التي يقصدها المصدر، تعود إلى 13 أبريل/نيسان 2023، حين انتشر مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر به رجل مُقنع يرتدي لباس رجال الدين الشيعة، يعلن فيه أن مقتدى الصدر هو الإمام المهدي، والإمام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة، مطالباً بمبايعته والتجمع خارج مسجد الكوفة الذي كان مقتدى الصدر يستعد للاعتكاف فيه خلال شهر رمضان، لإعلان الولاء الكامل له، مطلقاً على من معه ومن يؤمنون بأن مقتدى الصدر هو الإمام المهدي، اسم "أصحاب القضية".
هذا الأمر تبعه انشقاق قيادات من التيار الصدري، وهو ما وصفته مصادر من التيار الصدري في حديثها لـ"عربي بوست"، بأنها "محاولات لزعزعة استقرار التيار الصدري، وجره إلى صراع جديد".
كان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد أعلن في شهر أغسطس/آب 2022، اعتزاله للحياة السياسية، بعد أن أمر نوابه بتقديم استقالاتهم من البرلمان، بعد الفوز الكبير الذي حققه التيار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بحصوله على 73 مقعداً من أصل 329 في البرلمان العراقي.
لكن بعد فشله في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، على عكس المعتاد عليه في العراق من بعد عام 2003، بتشكيل حكومات ائتلافية تضمن لجميع الأحزاب السياسية الرئيسية الحصول على عدد من المناصب الوزارية، انسحب الصدر من المشهد السياسي بالكامل.
هل أن مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري يعني أن له عودة قريبة للحياة السياسية مرة أخرى؟ أوضح قيادي ثانٍ في التيار الصدري، مجيباً على تساؤل "عربي بوست" قائلاً: "إلى الآن لا يريد مقتدى الصدر العودة إلى الحياة السياسية، حتى وإن كان مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري، لكن الكثيرين من قادة التيار الصدري يحاولون إقناعه بمسألة العودة، والمشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية القادمة، حتى لا يتأثر أنصارنا بكل المحاولات الخبيثة التي يتم التخطيط لها من خصومنا"، على حد قوله.
أضاف المصدر ذاته أنه "على الرغم من أن مقتدى الصدر يرفض حتى الآن مطالب قادة التيار الصدري بالعودة والمشاركة في الانتخابات، إلا أنني أستطيع القول إن رفضه ليس قاطعاً، لأنه أصبح الآن مدركاً لخطورة تركه الحياة السياسية، وتأثير هذا الأمر على استقرار التيار الصدري، فعودته والمشاركة في الانتخابات ستقطع الطريق أمام كل من يحاول إنهاء التيار الصدري".
بحسب المصدرين من التيار الصدري، فإن مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري والجناح العسكري "سرايا السلام"، من أجل 3 نقاط رئيسية، هي:
- منع المزيد من الانشقاقات.
- منع دخول العناصر الفاسدة.
- حماية القاعدة الشعبية لمقتدى الصدر.
"أصحاب القضية"
وصف قيادي بارز في التيار الصدري ومقرب من مقتدى الصدر أحداث "أصحاب القضية" بأنه "أغضب مقتدى الصدر بشكل كبير للغاية"، وقال لـ"عربي بوست": "كان مقتدى الصدر يستعد للاعتكاف، وكان منعزلاً عن جميع الأخبار، وفور مشاهدتنا لفيديو أصحاب القضية، أسرعنا لإخباره، فهب غاضباً، وألغى اعتكافه، وكان يخشى من ردود الأفعال، خاصة بعد دعوة من ظهر في الفيديو إلى التجمع أمام مسجد الكوفة في مدينة النجف".
في السياق ذاته، قيادي ثانٍ في التيار الصدري ومقرب من مقتدى الصدر، وصف الأمر بأنه "محاولة خبيثة لإثارة الفتن"، قائلاً: "يحاولون ضرب مقتدى الصدر أيديولوجياً وشعبياً، ويعلمون أن ظهور أناس من التيار الصدري يقولون إن مقتدى الصدر هو الإمام المهدي، سيُثير غضب الكثيرين من الشيعة"، لكن القول إن مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري "في ذلك رد على هذه المحاولات".
أضاف: "كانت ردة فعل مقتدى الصدر سريعة وإيجابية، فقد ألغى اعتكافه بمسجد الكوفة، وأمر حراسه بإبعاد القادمين على إثر المقطع المصور المنتشر، وقام بإبلاغ الشرطة المحلية التي قامت باعتقال عدد منهم".
شدد كذلك على أنه "كان من الممكن أن يؤدي أي تأخير في مواجهة هؤلاء الناس إلى وقوع اشتباكات بينهم وبين مواطنين شيعة آخرين، ويصبح الأمر خارج السيطرة".
استقالة "الحائري".. والصدر غاضب
ظهور "أصحاب القضية" كان من أكثر الأشياء التي أغضبت مقتدى الصدر، بحسب المقربين منه الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، خاصة بعد المحاولة الأخيرة لنزع الشرعية الدينية عنه، بعد استقالة رجل الدين "آية الله العظمى" كاظم الحائري، الذي كان يُعد المرجعية الدينية للتيار الصدري بعد وفاة مؤسسي التيار الصدري، محمد باقر الصدر عم مقتدى الصدر، ووالده محمد محمد صادق الصدر.
يقول أحد نواب مقتدى الصدر المقربين منه لـ"عربي بوست": "استقالة الحائري كانت بداية المخطط لضرب شرعية مقتدى الصدر، فهم كانوا يخططون منذ فترة طويلة لإضعاف قوة الصدر الدينية والشعبية".
أعلن الحائري، المقيم في مدينة قُم الايرانية استقالته من منصب المرجعية للتيار الصدري، في نهاية شهر أغسطس/آب 2022، بعد أحداث العنف الواقعة بين أنصار التيار الصدري وخصومه الشيعة، بعد محاصرة أنصاره للبرلمان العراقي في شهر يوليو/تموز 2022، كما أمر الحائري أتباعه من التيار الصدري، باتباع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي كمرجعية دينية لهم.
يقول أحد نواب مقتدى الصدر، لـ"عربي بوست": "استقالة الحائري غير المعتادة في أوساط رجال الدين، كانت تهدف إلى عزل مقتدى الصدر عن أنصاره، وإحراجه بإعلان الحائري اتباع خامنئي، وجاءت قصة أصحاب القضية، لتزيد الأمور تعقيداً، فهم يحاولون أن يثيروا الشيعة ضد مقتدى الصدر، ليخسر قاعدته الجماهيرية".
تعهد موقع بالدم
بعد ظهور "أصحاب القضية"، ظهر مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري وبتجميد التيار كله لمدة عام كامل، وإغلاق كافة المكاتب والمراكز الاجتماعية والمدارس الدينية التابعة للتيار الصدري، كما طلب من أنصاره المخلصين تقديم تعهد مُوقع بالدم بعدم اتباعهم أي مرجعية أو رجل دين من خارج التيار الصدري، والتعهد بعدم الانضمام إلى أي جماعة مثل أصحاب القضية أو غيرها.
يقول القيادي في التيار الصدري والمقرب من مقتدى الصدر لـ"عربي بوست": "بصراحة قصة اصحاب القضية أمر غير متوقع، وصدم مقتدى الصدر بدرجة كبيرة، فظهورهم أقلقه بشكل كبير، خاصة أن هذا الظهور كان قادراً على إشعال حرب في أي وقت".
من يقف وراء "محاولات زعزعة" التيار الصدري؟
أخبرت المصادر من التيار الصدري التي تحدثت لـ"عربي بوست"، أن من يقف وراء المحاولات السابق ذكرها التي تهدف لزعزعة التيار الصدري كما وصفتها، "هم خصوم الصدر من الإطار التنسيقي الشيعي، بجانب أطراف إقليمية"، دون تسميتها.
وأكدت القول: "نعرف جيداً من يقف وراء أصحاب القضية، هم خصوم الصدر الشيعة ودولة إقليمية ترعاهم"، في إشارة غير مباشرة لإيران دون تسميتها.
في هذا الصدد، يقول قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي وهو المظلة التي ينضوي تحتها أغلب الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة المدعومة من إيران، والذي يعتبر أهم خصوم مقتدى الصدر، لـ"عربي بوست": "هناك الكثيرون ممن يريدون إنهاء التيار الصدري من داخل الإطار التنسيقي الشيعي، لكن فيما يخص محاولات الانشقاق ومسألة أصحاب القضية، فعصائب أهل الحق هم المستفيدون الأكبر من هذه المحاولات".
برر القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي اتهامه لعصائب أهل الحق، قائلاً: "عصائب أهل الحق في الفترة الأخيرة يحاولون السيطرة على أغلب المناصب في الدولة، بالإضافة إلى الدخول في أغلب المشاريع الحكومية، ويريدون أن يكونوا مكان التيار الصدري قبل اعتزال الصدر للسياسة، فهم كونهم المنافس الشرس للتيار الصدري في المحافظات الجنوبية، فإنهم أكبر المستفيدين بالطبع من محاولات ضرب التيار الصدري".
تواصل "عربي بوست"، مع اثنين من قادة عصائب أهل الحق للتعليق على هذا الاتهام، لكنهما رفضا التحدث بخصوصه.
انشقاقات لصالح عصائب أهل الحق
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن مكتب المسؤول العام في سرايا السلام، وهو الفصيل المسلح التابع لمقتدى الصدر، والجناح العسكري لتياره، عن طرد عدد من مقاتليه في محافظة ذي قار الجنوبية، والتي تتمتع بوجود عدد كبير من أنصار التيار الصدري.
سرايا السلام هو فصيل مسلح شيعي مسلح في العراق تابع للصدر، وهو ضمن تشكيلات قوات الحشد الشعبي، وعناصرها مقاتلون وقيادات سابقة في "جيش المهدي" أو "لواء اليوم الموعود"، وهي تنظيمات مسلحة تم تجميدها بقرار من الصدر في السنوات الماضية.
في البيان الصادر عن مكتب المسؤول العام في سرايا السلام، جاء سبب الطرد لعدد من المقاتلين، بأنه نتيجة احتجاجهم على القرارات العامة للفصيل، وهذه الحادثة تعد نادرة.
لكن قبل أيام قليلة من إعلان سرايا السلام طرد عدد من مقاتليه، كانت هناك حادثة أكبر، قد أثرت على الفصيل المسلح بشكل كبير، فقد أعلن أبو حسن الدراجي أحد كبار قادة سرايا السلام انشقاقه عن مقتدى الصدر، والذهاب إلى منافسه الشرس، عصائب أهل الحق، وهو فصيل مسلح شيعي قوي مدعوم من إيران، ويتزعمه قيس الخزعلي الذي كان في يوم من الأيام ضمن قادة فصيل "جيش المهدي"، الذي أسسه مقتدى الصدر عقب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 لمحاربة القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي العراقية.
منذ انشقاق قيس الخزعلي عن مقتدى الصدر، أصبح الرجلان منافسين لبعضهما البعض بشراسة.
في هذا الصدد، يقول قائد بارز في سرايا السلام لـ"عربي بوست": "ليس الدراجي فقط هو من انشق عن سرايا السلام، ولكن هناك عدد من كبار قادة سرايا السلام في الناصرية، وجميعهم تم طردهم بتهمة الخيانة".
أضاف المصدر ذاته أنه "بعد البحث والتحري، اكتشفنا أنهم قد باعوا أنفسهم لعصائب أهل الحق منذ أكثر من 6 أشهر، وظلوا في مناصبهم داخل سرايا السلام، وعندما تم افتضاح أمرهم تم طردهم بتهمة الخيانة، والآن الدراجي ومن انشق معه يعملون لدى عصائب أهل الحق".
أشار القيادي في سرايا السلام (الجناح العسكري للتيار الصدري) إلى أنهم اكتشفوا دفع عصائب أهل الحق ملايين الدولارات للقادة المنشقين من داخل سرايا السلام، مؤكداً: "تلقوا الكثير من الأموال من أجل خيانة أهلهم والذهاب، لكن المؤسف أنهم نجحوا في إقناع العديد من المقاتلين للانشقاق عن سرايا السلام"، لكنه أشاد بأن مقتدى الصدر يأمر بإعادة هيكلة التيار الصدري.
لكنه لم يوضح العدد الدقيق للمقاتلين المنشقين عن سرايا السلام، مكتفياً بالقول: "لا شك في أن ما حدث خسارة لسرايا السلام، لكننا كنا نتوقع الغدر في أي لحظة، وسنعمل على معالجة ما حدث بأسرع وقت".
على الجانب الآخر، برر قيادي بارز في عصائب أهل الحق ما حدث قائلاً لـ"عربي بوست": "لم نُجبر أحداً على الانشقاق من سرايا السلام، ولم ندفع الأموال لأحد مقابل الانشقاق. هم لا تعجبهم السياسة التي تُدار بها أعمالهم، فاختاروا مكاناً آخر".
وعلى الرغم من امتناع القيادي في سرايا السلام عن تحديد العدد المنشق عن فصيله، لكنه وصف الأمر بأنه "ضربة قوية لمعنويات المقاتلين الآخرين"، قائلاً: "بالطبع الأمر قد أثر على معنويات المقاتلين الآخرين، خاصة أن المنشقين كانوا في أماكن هامة داخل سرايا السلام، لكننا سنتجاوز هذه المحنة".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.