تتقاطع المصالح المشتركة بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو "حميدتي" وقوات الشرق الليبي التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بشكل يؤثر على الصراع في البلدين السودان وليبيا، لصالح حميدتي وحفتر.
المصالح بين الجانبين ظهرت علناً منذ القتال بين الشرق والغرب في ليبيا، حيث أكدت الأمم المتحدة عام 2019 أن حميدتي قام بتزويد قوات حفتر بعناصر من الجنجويد للقتال إلى جانبه، وهو مسمى القوات المقاتلة التابعة له في السودان، وفي مقابل ذلك، ومنذ بدء الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع، قام اللواء الليبي المتقاعد برد الجميل على ما يبدو، بفتح خط للإمداد العسكري لصالح قوات حميدتي خلال العام الجاري 2023.
الإمداد العسكري
تعود أهمية الدعم الذي يتلقاه حميدتي من حفتر، إلى أن قوات الدعم السريع غير قادرة على الاستمرار في القتال دون خط للإمداد العسكري.
هذا ما أكده الخبير العسكري واللواء المتقاعد مأمون أبو نوار في حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "لا تستطيع قوات الدعم السريع الاستمرار في القتال دون عمليات التزويد الحاصلة من حفتر بدعم من إحدى دول الخليج".
أضاف أن "عمليات تزويد قوات حميدتي تعتمد بالأساس على تهريب السلاح والإمدادات اللازمة لاستمرار القتال مع الجيش السوداني عبر الحدود، لا سيما من جهة دارفور المحاطة بأكثر من دولة إفريقية، ما يجعلها واهنة بالنسبة لعمليات التهريب المختلفة".
ما يجعل الدعم السريع يقاوم حتى الآن، وخصوصاً في الخرطوم، هي "الموارد التي لا تزال تأتيه، وإذا تم قطع طرق الإمداد سيخسر حميدتي الحرب بسرعة".
حين كان الصراع في ليبيا بين الشرق والغرب، كان خط الجفرة وسرت خطاً أحمر، وعلاقة مصر قوية بحفتر، لذلك تستطيع الضغط عليه لوقف عمليات الإمداد لحميدتي.
يعد حفتر داعماً رئيسياً لحميدتي فيما يتعلق بالإمداد العسكري، بحسب أبو نوار، الذي أوضح أن مصر بإمكانها أن تلعب دوراً بدفع قائد قوات الشرق الليبي إلى وقف عمليات تزويد قوات الدعم السريع بالسلاح.
أوضح أن "مصر حذرت حفتر بالفعل من دعم حميدتي، لأن السودان مهم جداً لها، وصمام أمان لجميع إفريقيا، وهي لا تريد أن يتفتت السودان، لا سيما عسكرياً، لأن هناك تداعيات كبيرة على مستوى المهاجرين والنفط وغيرهما".
لكن حفتر يقول بعد التحذيرات المصرية إنه لا يقوم بإرسال إمدادات عسكرية إلى السودان، "إلا أن الصور الفضائية تؤكد عدم صحة كلامه، بل إنه مستمر في ذلك حتى الآن، وهذا ما يساعد حميدتي على الصمود حتى الآن أمام الجيش السوداني"، وفق أبو نوار.
ملاذ آمن
إلى جانب خطوط الإمداد، أشار الخبير العسكري أبو نوار لـ"عربي بوست"، إلى أن الشرق الليبي، بقيادة حفتر، يوفر "ملاذاً آمناً لقوات حميدتي، في حال تعرضت للخسارة".
وأكد أن حفتر بإمكانه أن يقوم باستقبال هذه القوات في الجنوب الليبي تحديداً بالقرب من الحدود مع السودان.
أما في مقابل ذلك، إذا ما نجحت قوات الدعم السريع في تحقيق انتصارات فإن ذلك يعزز موقف حفتر، ويدفعه لمزيد من التصعيد تجاه خصومه في الغرب الليبي.
أضاف إلى ذلك أن أطرافاً خليجية قد تقوم بالمهمة ذاتها إذا ما خسر حميدتي، بتوفير ملاذ آمن له، لكي تستفيد منه، خصوصاً فيما يتعلق بالذهب والمناطق التي تنشط فيها قواته للتنقيب عنه، بالإضافة إلى إمكانية أن تقوم روسيا أيضاً بالمساعدة في توفر الحماية له أيضاً.
الذهب والنفط
إلى جانب الإمدادات العسكرية، هناك خطوط بين قوات حميدتي وحفتر لتهريب الذهب والنفط، وفق ما أكدته وسائل إعلامية عدة من بينها "الغارديان"، في حين أشار أبو نوار إلى أن هذا الخط يساعد قوات الدعم السريع على تمويل نفسها، لا سيما في الوقت الحاضر، وسط حاجاتها للحصول على الإمدادات بشكل مستمر بسبب القتال مع الجيش السوداني، مشيراً إلى أن الوقود الذي يصل إلى حميدتي من حفتر يكون مكرراً وجاهزاً للاستخدام.
اكتُشف الذهب لأول مرة في السودان في جبل عامر في ولاية شمال دارفور، في عام 2012، وسيطرت عليه قوات الجنجويد بقيادة موسى هلال، قبل أن يتسلم قيادتها حميدتي.
بِيع بعض الذهب للحكومة السودانية، التي دفعت أعلى من سعر السوق بالأموال السودانية، لأنها كانت متلهفة للحصول على الذهب الذي يمكن بيعه في دبي مقابل العملة الصعبة.
بحسب تقرير لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية "بي بي سي"، فإنه تم تهريب بعض الذهب عبر الحدود إلى تشاد، وتبادلها بشكل مربح بطريقة تنطوي على شراء سيارات مسروقة وتهريبها إلى السودان.
لاحقاً، اختلف حميدتي مع سيده السابق موسى هلال، وفي عام 2013 تم تشكيل قوة شبه عسكرية جديدة تحت قيادة حميدتي، وسُميت قوات الدعم السريع، وعناصرها كانوا من الجنجويد.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتقلت قوات حميدتي هلال، واستولت قوات الدعم السريع على مناجم الذهب الأكثر ربحية في السودان. وفي هذا العام بلغت مبيعات الذهب 40% من صادرات السودان، وكان حميدتي حريصاً على السيطرة عليها.
عندما تحدى هلال الرئيس عمر البشير، ومنع الحكومة من الوصول إلى مناجم جبل عامر، قامت قوات حميدتي بشنّ هجوم مضاد، وتمكنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، من اعتقال هلال، واستولت قوات الدعم السريع على مناجم الذهب.
أصبح حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد، ومن خلال السيطرة على الحدود مع تشاد وليبيا، وكان يمتلك بالفعل بعض المناجم وأنشأ شركة تجارية تعرف باسم الجُنيد.
بحسب الخبير العسكري أبو نوار، فإن الذهب من المصالح المشتركة الهامة بين حفتر وحميدتي، إذ يقومان بتهريبه عبر الحدود السودانية إلى الجنوب الليبي.
خطوط التهريب وحدود هشة
أرجع أبو نوار كون الحدود هشة أمام عمليات التهريب، إلى أنها غير مسيطر عليها تماماً، وهناك عصابات للتهريب وميليشيات وقبائل تخترق الحدود الطويلة.
وأشار إلى أن هذه الحدود قرب دارفور من الصعب أن يسيطر الجيش السوداني عليها.
أوضح أن الحدود مع الجنوب الليبي لا يوجد عليها أسوار إلكترونية لكشف عمليات التهريب بشكل مبكر، ولا توجد أصلاً قوات كافية لتقدر على منع عمليات التهريب، ولا توجد حتى نية أيضاً لمنعها بسبب مصالح مشتركة لكل الجهات القائمة على الحدود.
تمتد الحدود السودانية الليبية لمسافة 382 كم من مصر في الشمال إلى تشاد في الجنوب.
"ثالوث فاغنر حميدتي حفتر"
في معرض حديثه مع "عربي بوست"، أشار أبو نوار إلى أن هناك شبه ثالوث هو فاغنر وحميدتي وحفتر، قريبون من بعضهم، ويستغلون أن الحدود الليبية مفتوحة لهم.
وقال إن هناك شاحنات نفط تهريب بينهم من ليبيا إلى جماعة حميدتي في السودان، وأسلحة وطائرات تنزل في قاعدة الخادم في ليبيا، ثم تهبط في الجفرة في الجنوب الليبي، وهناك يحدث التهريب إلى داخل السودان.
لفت كذلك إلى أن موقع البحر الأحمر مهم جداً للروس، فهناك تنافس مصالح في السودان مهم جداً بين روسيا والصين ودول خليجية ومصر.
المقاتلون الأجانب
أكدت كلوديا غازيني، الخبيرة في الشأن الليبي بمجموعة الأزمات الدولية، لـ"بي بي سي"، أن المستجدات الميدانية على الساحة السودانية قد تجعل من فكرة التخلص من المقاتلين الأجانب في ليبيا أكثر صعوبة، خاصة إذا تدفق مقاتلون من الدعم السريع إلى ليبيا.
وأضافت أن معارك السودان تأتي "لتضفي مزيداً من التعقيد على وضع مستعصٍ حقاً. فالأراضي الليبية تمتلئ بالفعل بالوجود العسكري الأجنبي".
ولم تنجح كل جهود الأمم المتحدة حتى الآن في إقناع الأطراف المتصارعة بالاستغناء عن الدعم العسكري الأجنبي.
ويقول الجيش السوداني إن مرتزقة جاؤوا من "تشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر" يقاتلون مع قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى تأكيده وجود عناصر من مرتزقة فاغنر تقاتل إلى جانب "المتمردين" حسب وصفه لقوات حميدتي.
إطالة أمد الصراع
عن المصالح المشتركة أيضاً بين حفتر وحميدتي، أشار الخبير العسكري أبو نوار، إلى أن تعاونهما يطيل أمد الصراع الليبي والحرب في السودان.
وقال إن "حميدتي دعم حفتر بقوات الجنجويد من الجنوب إلى الداخل لصالح الشرق الليبي، وبعضهم اشترك في القتال ضد الغرب الليبي في محاولات اللواء المتقاعد المتكررة ضد طرابلس والغرب الليبي، للسيطرة على العاصمة، ولكنه فشل فيها".
حول الحرب في السودان، قال إن استمرار الإمدادات إلى الدعم السريع يطيل من أمد هذه الحرب، لذلك لا يوجد فيها حسم سريع، بسبب ضغوط من الخارج، ومصالح متضاربة.
وأضاف أنه "لا بد من صفقة معينة بتوافق دولي وإقليمي أو فرض السلام بالقوة من قرار مجلس الأمن، ولكنه أيضاً صعب بمكان بسبب الفيتو الروسي المتوقع".
واعتقد أبو نوار أن "الحلول يجب أن تكون من الخارج فيما يتعلق بمسألة الحدود ونزع السلاح، وبدء عملية سياسية من جديد، وإلا فإن الوضع صعب ولا يمكن حسمه عسكرياً، فلن يستطيع أي جانب أن يفرض حسماً عسكرياً سريعاً".
ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إثر خلافات بينهما، ما أسفر عن وقوع العديد من القتلى والجرحى، وتسبب بأزمة إنسانية حادة.
في 13 مايو/أيار 2023، أعلنت السعودية عن اتفاق أوّلي بين طرفي النزاع في السودان، يحمل اسم "إعلان جدة"، بهدف التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بينهما لقرابة 10 أيام، بمراقبة أمريكية سعودية دولية، ثم مشاورات أخرى لوقف دائم، إلا أن الاقتتال لا يزال مستمراً حتى الآن.