بعد الفشل الذي مُنيت به المعارضة التركية في الانتخابات البرلمانية التركية، بالإضافة لتراجع مرشحها كمال كليجدار أوغلو بفارق 2.5 مليون صوت عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أقر حزب الشعب الجمهوري استراتيجية جديدة لحملته الدعائية في انتخابات الإعادة تعتمد على تبنِّي لغة "أكثر خشونة".
وكان قادة تحالف الأمة المعارض، المعروف في تركيا بتحالف "الطاولة السداسية"، عقدوا اجتماعهم الأول منذ انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي فشل فيها تحالف المعارضة بتحقيق الأغلبية البرلمانية التي وعد بها أنصاره، لتغيير النظام السياسي في البلاد على مدار نحو عام ونصف.
واتفق قادة أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والديمقراطية والتقدم والسعادة والمستقبل والحزب الديمقراطي، خلال اجتماعهم الذي استمر 3 ساعات داخل مقر حزب الشعب الجمهوري بالعاصمة التركية أنقرة، على الاستراتيجية الجديدة لتحالف الأمة المعارض خلال الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 28 مايو/أيار الجاري.
وعلى الفور، قرر مرشح المعارضة التركية للانتخابات الرئاسية، كمال كليجدار أوغلو، إجراء العديد من التغييرات في قيادات حملته الانتخابية، وجاء في مقدمة تلك التغييرات إقالة نائبه لتكنولوجيا المعلومات في الحزب، أونورسال أديجوزال.
كما قرر كليجدار أوغلو تعيين كل من رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، ورئيس الفرع الإقليمي للحزب في المدينة جنان كفتانجي أوغلو مسؤولَين عن حملته الانتخابية، إلى جانب تعيين رئيس الحزب بمنطقة كاغيتهانة بإسطنبول، محمد علي يوكسيل، كمستشار رئيسي في "الشؤون السياسية والدعاية الانتخابية".
وبحسب المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، فائق أوزتورك، فإن كل دقيقة قبل يوم الاقتراع في الجولة الثانية هي بالنسبة للمعارضة دقيقة ذهبية يجب اغتنامها، لتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الحملة الانتخابية للمعارضة خلال الجولة الأولى من الانتخابات.
وأضاف أوزتورك، في مؤتمر صحفي، عقب اجتماع قادة تحالف الأمة المعارض، أن الحملة الانتخابية لمرشح التحالف ستركز على الوضع الاقتصادي في البلاد الذي وصل إلى مرحلة متدنية في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان.
ملامح خطة المعارضة التركية
وفي تصريحات لـ"عربي بوست"، قال سارب ساغكال، عضو الحملة الإعلامية لمرشح المعارضة التركية، إن زعيم حزب الشعب الجمهوري سيستمر في نشاطه المعتاد على مواقع التواصل الاجتماعي، مع زيادة مشاركته التلفزيونية للوصول إلى كل فئات الشعب التركي.
وأضافت ساغكال، في تصريحاته، أن كليجدار أوغلو عقد محادثات مستمرة مع موظفي حملته الانتخابية لمدة يومين بمقر حزب الشعب الجمهوري، من أجل الاستعداد للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وسيركز المرشح الرئاسي على نشر رسائله من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون، بدلاً من الجولات الميدانية والتجمعات خلال الفترة المقبلة.
ومع زيادة عدد أصوات الناخبين في الجولة الثانية من الانتخابات، يقول ساغكال إن كليجدار أوغلو سيتبنى خطاباً قومياً في مواجهة دعاية حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي، التي لا يتوقفون فيها عن محاولة ربط حزب الشعب الجمهوري بالتنظيمات الإرهابية، مثل "حزب العمال الكردستاني"، على حد قوله.
كما سيركز مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية خلال الفترة القادمة، بحسب عضو حملته الإعلامية، على زيارة مناطق الزلزال ومناطق شمال ووسط الأناضول، التي حصل فيها كليجدار أوغلو على أصوات منخفضة، فيما سيعتمد على بقية حلفائه في "الطاولة السداسية" ورؤساء البلديات والمقاطعات بالحزب للترويج لحملته الانتخابية في المدن الكبرى والمناطق التي حصل فيها على نسب تصويت مرتفعة.
وستركز الحملة الانتخابية لكليجدار أوغلو، بحسب ساغكال، على وقوف حزب الشعب الجمهوري ومرشحه للانتخابات الرئاسية ضد كل أشكال الإرهاب والعنف، مع تبنِّي خطاب يذكِّر الشعب التركي بأن حزب الشعب الجمهوري هو الذي شارك في تحرير وتأسيس الجمهورية التركية، وليس له أي روابط مع أي منظمة إرهابية.
اللاجئون والعرب
إلى جانب تصريحات المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، وعضو الحملة الانتخابية لمرشح المعارضة التركية، كشف الصحفي التركي إسماعيل سايماز، في مقال بصحيفة "سوزجو" المعارضة، عن تفاصيل أخرى للحملة الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري وتحالف المعارضة خلال الأيام المتبقية قبل الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وقال سايماز في مقاله إن الحملة الانتخابية لكليجدار أوغلو ستتبنى الخطاب ذاته الذي تبنته حملة مرشح تحالف "الأجداد"، سنان أوغان، الرافض للاجئين والعرب في البلاد، مع التركيز على الضرر الذي سيصيب البلاد جراء تزايد أعدادهم في تركيا.
وأضاف سايماز أنه قد تتم دعوة قيادات تحالف الأجداد للمشاركة في تحالف "الطاولة السداسية"، وإن لم يكن فيمكن الاجتماع معهم على الأقل لمناقشة طلباتهم من أجل دعم مرشح المعارضة كليجدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وبحسب سايماز، فإن مسؤولي حزب الشعب الجمهوري يرون أن المواطنين ينظرون من خلال النافذة الأمنية، ويقولون نحن جوعى وفقراء، لكن المعارضة تهاجم الحكومة التركية دون تقديم رؤية واضحة لحل مشكلات البلاد، ولذلك آمنوا برواية ودعاية حزب العدالة والتنمية؛ ما يعني أن المعارضة عليها إفساد تلك الخلطة.
كيف يمكن ذلك؟
وأضاف الكاتب التركي المعارض أن حملة كليجدار أوغلو ستركز على ربط العدالة والتنمية مع الأحزاب الرجعية والإرهابية -على حد وصفه- مثل حزبي "هدى بار" و"يني رفاه"، مع التركيز على أن الحزب الحاكم لا يمكن أن يقول على نفسه إنه ممثل الأتراك بعد إدخاله حزب "هدي بار" أو "حزب الله التركي" كما تسميه المعارضة التركية إلى البرلمان.
وستعمل المعارضة على صياغة رؤية أمنية جديدة في تعاملها مع التنظيمات الإرهابية، مع العمل على ربط حزب العدالة والتنمية بهذه التنظيمات، والتأكيد على على أن نشأة هذه التنظيمات ودخولها المجتمع التركي والسياسة التركية تمت في عهد العدالة والتنمية.
إلى جانب ذلك ستعمل المعارضة التركية ومرشحها للانتخابات الرئاسية على التأكيد على وحدة الأراضي التركية، وعدم التفريط في حصاة واحدة لصالح الأحزاب التي تتبنى رؤى انفصالية مثل "حزب العمال الكردستاني" وأنصاره وداعميه من الأحزاب التركية الأخرى.
ورغم أن تلك الشعارات والتغيرات في الحملة الانتخابية لمرشح المعارضة قد تؤثر على أصوات الأكراد له، يرى مسؤولو الحملة الانتخابية للمعارضة أن كليجدار أوغلو سيعمل في الوقت نفسه على استمرار دعم حزب "الشعوب الديمقراطي" وأنصاره، مع العمل على جذب القوميين الأتراك إلى صفوفه عبر خطابه القومي.
تطبيق سريع للخطة
وبحسب رصد لـ"عربي بوست"، فقد التزم قادة المعارضة التركية ومرشحهم للانتخابات الرئاسية إلى جانب وسائل الإعلام التابعة للمعارضة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، بتبنِّي السياسة الجديدة للحملة الانتخابية التي سيخوض بها كليجدار أوغلو الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وهاجم كليجدار أوغلو في أحدث مقاطعه المصورة على موقع تويتر الحكومةَ التركية بسبب جلبها 10 ملايين لاجئ إلى البلاد، وشدد في مقطعه المصور على أهمية الأراضي التركية وحدودها التي سماها بالشرف الذي يجب الدفاع عنه من هؤلاء اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
وأضاف كليجدار أوغلو أن هذه الملايين ستتزايد أعدادها حال بقاء أردوغان في السلطة، مطالباً الشعب والناخبين باتخاذ القرار المناسب للحفاظ على الدولة التركية من الإدارة السيئة لموارد البلاد، خاصة بعدما أدخلَ كارهي النساء ومعارضيهن البرلمان التركي، حسب قوله.
إلى جانب ذلك، شارك العديد من قيادات حزب الشعب الجمهوري في إيصال الرسائل الجديدة للحملة الانتخابية للمعارضة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، عبر محاولة ربط حزب العدالة والتنمية بالتنظيمات الإرهابية.
ومن بين هؤلاء كان رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، إنجين أوزكوتش، الذي نشر ورقة اقتراع تشمل صورة مرشح المعارضة في الجهة الأخرى ووضع اسم حزب "هدي بار" الكردي الداعم للرئيس أردوغان واصفاً إياه بالإرهابي.
هل تنجح خطة المعارضة؟
من جانبه، يرى حلمي داشديمير، رئيس شركة "أوبتيمار" لاستطلاعات الرأي في تركيا، أن تغيير كمال كليجدار أوغلو لاستراتيجيته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لن يسهم بتغيير كبير في حصة مرشح المعارضة.
وأضاف داشديمير لـ "عربي بوست" أن رسائل المعارضة التركية التي ستركز عليها خلال الحملة الانتخابية في جولة الإعادة لن تستطيع جلب أكثر من 2% من أصوات الناخبين، حال نجاحها في جذب ناخبي وأنصار الرؤية الخاصة بتحالف الأجداد وحزب الظفر بزعامة أوميت أوزداغ وسنان أوغان.
وعن توقعاته لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قال رئيس شركة أوبتيمار لاستطلاعات الرأي لـ "عربي بوست" إنه يتوقع أن يفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذه الجولة بفارق لن يقل بأي حال من الأحوال عن 3% من أصوات الناخبين، رغم تغيير الحملة الانتخابية للمعارضة لرسائلها وأهدافها.