ردَّد كمال كليجدار أوغلو مرشح المعارضة التركية للانتخابات الرئاسية، طول أيام الحملة الانتخابية جملة "أنا رجل حسابات"، كونه عمل من قبل مديراً عاماً لهيئة الضمان الاجتماعي في تركيا. ومع ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ يبدو أن زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا أخطأ في حساباته.
وطالب محمد سيفغن النائب البرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري باستقالة كليجدار أوغلو من رئاسة الحزب، بعد الحسابات الخاطئة التي أدخلت الحزب في مرحلة لم يعشها من قبل.
وأضاف سيفغن في تصريحات تلفزيونية لقناة CNN TURK أن مطالبته تأتي بسبب الآمال الزائفة التي قدمها كليجدار أوغلو لحزبه بعد التعاون مع العديد من الأحزاب المنبثقة عن حزب العدالة والتنمية؛ على أمل إضافة المزيد من الأصوات إلى الحزب، لكنها في النهاية قلّصت حصة الحزب في البرلمان القادم.
الطاولة السداسية
ومنذ إنشاء ما يعرف بالطاولة السداسية في شهر فبراير/شباط 2022، برر زعيم حزب الشعب الجمهوري تحالفه مع أحزاب "السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم" بأنها قد تكون وسيلة لجذب أصوات المحافظين من أنصار حزب العدالة والتنمية.
ومع ظهور النتائج الانتخابية؛ كانت المفاجأة بحصول هذه الأحزاب على 37 مقعداً في البرلمان عن طريق قوائم حزب الشعب الجمهوري؛ بينما كانت نسب التصويت لكليجدار أوغلو في الولايات المحافظة وسط وشمال الأناضول على غير المتوقع من هذه الأحزاب.
ومع إعلان النتائج غير النهائية لانتخابات البرلمان حصد حزب الشعب الجمهوري 169 مقعداً، من بينها 14 مقعداً لحزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان، إلى جانب 10 مقاعد لحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، و10 مقاعد لحزب السعادة الذي يرأسه تمل كارا مولا أوغلو، و3 مقاعد للحزب الديمقراطي برئاسة غولتيكن أويصال.
وبهذه النتيجة تقلصت حصة حزب الشعب الجمهوري داخل البرلمان التركي القادم إلى 130 نائباً (لوجود مقعدين آخرين لحزبي التغيير والجيد على قوائم حزب الشعب)، حسب نتائج أولية، وعلى عكس انتخابات عام 2018 الذي حصد فيها الحزب منفرداً 146 مقعداً.
وتمكّن حزب الشعب الجمهوري، الذي كان يُنظر إليه على أنه سيحقق ما بين 28 و29% في الاستطلاعات، من الحصول على دعم بنسبة 25.3% بالانتخابات الحالية؛ في ظل وجود 5 أحزاب إلى جواره من أحزاب ما يعرف بالطاولة السداسية.
الأحزاب الصغيرة
من جانبه أشاد عضو الهيئة الإدارية العليا لحزب السعادة أوميت تشيبا بما سماه الحكمة الكبيرة لزعيم حزب السعادة تمل كارا مولا أوغلو، بعد تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، ما مكن الحزب من حصد 10 مقاعد في البرلمان القادم.
ووجه تشيبا الشكر في تغريدة عبر حسابه على تويتر إلى رئيس الحزب تمل كارامولا أوغلو، رئيس الحزب الحكيم؛ كما سماه في تغريدته؛ بسبب قراره الاستراتيجي الذي تم اتخاذه في أصعب وقت في تاريخ حركة الرؤية الوطنية أو "ميللي غروش"، على حد قوله.
وقال عضو الهيئة الإدارة العليا لحزب السعادة إنه رغم أن نسبة التصويت للحزب في البرلمان لم تتجاوز 1%، لكن حزب السعادة سيكون ممثلاً في البرلمان القادم بـ10 نواب للمرة الأولى في تاريخ الحزب منذ تأسيسه.
استقالات منتظرة
وبحسب نائب رئيس مجموعة حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي بولنت توران؛ فإن حزب الشعب الجمهوري تقلصت نسبته في البرلمان لحساب الأحزاب الصغيرة المشاركة في الطاولة السداسية.
وأضاف توران في لقاء تلفزيوني على قناة A Haber التركية أن حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليجدار أوغلو تعرض لأكبر خداع في تاريخ السياسية التركية من خلال أحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم.
وأضاف توران في تصريحاته أن نسبة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الماضية كانت 23%، ووصلت في هذه الانتخابات إلى 25% ضمن تحالف الطاولة السداسية، ما يعني أن الحزب زاد من حصته بنسبة 2% بعد المشاركة مع 5 أحزاب أخرى، مقابل خسارة حزبه لأكثر من 37 مقعداً لصالح الأحزاب الصغيرة.
خسارة كبرى في الطريق
لكن خسارة حزب الشعب الجمهوري لم تتوقف عند هذه الأرقام، بحسب رئيس تحرير موقع حرييت التركي أحمد هاكان، الذي يرى أن نواب الأحزاب الصغيرة التي دخلت البرلمان عبر قائمة حزب الشعب الجمهوري لن تبقى كما هي بنهاية الدورة البرلمانية القادمة.
وتوقع الكاتب الصحفي في مقاله بصحيفة حرييت أن ينضم هؤلاء النواب إلى حزب العدالة والتنمية في أقرب فرصة بعد الاستقالة من أحزابهم، وترك المعارضة باتجاه الحزب الحاكم.
وأضاف هاكان أن زعيم حزب المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو أخطأ حينما اعتقد أن هذه الأحزاب قد تكون نافذة أمل له للحصول على أصوات الناخبين المحافظين؛ خاصة في مناطق وسط الأناضول التي ظلت فيها نسب التصويت للمعارضة كما هي قبل وبعد إنشاء تحالف الطاولة السداسية بقيادة الشعب الجمهوري، إضافة إلى هذه الأحزاب الصغيرة المنبثقة عن حزب العدالة والتنمية.
مستقبل الطاولة السداسية
من جانبه يرى الدكتور عبد الوهاب أكينجي الباحث في الشأن التركي في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الأحزاب الأربعة المشاركة لحزب الشعب والحزب الجيد في الطاولة السداسية هي المستفيدة الوحيدة من جبهة المعارضة على عكس الحزبين الباقيين.
وأضاف أكينجي أن كل استطلاعات الرأي توقعت أن تحصل أحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم والحزب الديمقراطي مجتمعة على نسبة 1% من أصوات الناخبين؛ لكنها في النهاية حصلت على 37 نائباً دون أن يكون لها محل من الإعراب على الساحة السياسية التركية.
وتوقع أكينجي أن تتعرض الطاولة السداسية لهزات كبيرة، لكنها لن تظهر قبل جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن حزب الشعب الجمهوري وهذه الأحزاب تحالفت على مصلحة مشتركة، ولكن في النهاية لم يحصل مرشح المعارضة على حصته من هذه المصلحة مقابل ما حصلت عليه الأحزاب الصغيرة.
وأضاف أكينجي أنه لا مشكلة في الائتلافات والتحالفات السياسية؛ ما دام ذلك في صالح الشعب والأمة التركية، موضحاً أن التحالف على المصالح لن يدوم مهما كانت أهدافه، لأنه، وبمجرد أن يحصل كل طرف على ما يريد؛ سيكون حل التحالف هو السبيل الوحيد.