انتهت الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني إلى سوريا التي أجراها في وقت مبكر من مايو/أيار 2023، بجملة من النتائج التي تصبّ في صالح الجانبين، من بينها إعادة الإعمار وتأهيل جيش النظام السوري من خلال تقديم المساعدات الإيرانية له إلى جانب صادرات الأسلحة.
حظيت الزيارة بأهمية بالغة فهي تعد أول زيارة لمسؤول إيراني رفيع المستوى إلى دمشق منذ عام 2010، إلى جانب أنها جاءت قبل يوم واحد من استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، بعد طردها منذ أكثر من عقد من الزمن، بسبب قمع النظام السوري الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير النظام بشكل دموي، قبل ما يزيد على عشر سنوات.
فما هي الأهداف والرسائل التي تريد إيران تحقيقها وإيصالها من خلال زيارة إبراهيم رئيسي لدمشق؟
إعادة تأهيل جيش النظام السوري
علم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية مطلعة، أنه خلال زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق، قد تمت مناقشة مسألة "تقديم المساعدات الإيرانية للجيش السوري".
في هذا الصدد، قال مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى، مطلع على هذا الأمر، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "كان وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، ضمن الوفد المرافق لإبراهيم رئيسي في زيارته لدمشق، وقد ناقش مع نظيره ورئيس النظام السوري، أهم مسألة خلال هذه الزيارة، وهي تصدير الأسلحة الإيرانية الدفاعية والطائرات بدون طيار إلى دمشق، والمساعدة في إعادة تشكيل وتأهيل الجيش السوري".
أضاف المصدر أن "المرشد الإيراني علي خامنئي وافق على هذا الأمر الذي عرضه وزير الدفاع الإيراني على حكومة النظام السوري، وأبلغهم بأن إيران مستعدة لبيع أكثر الأسلحة الإيرانية المحلية تطوراً، ومستعدة لإنشاء خطوط إنتاج للدفاع الجوي ومصانع للمعدات الأرضية، وإنشاء أنظمة لتحديث نظام الحرب الإلكترونية في سوريا".
وصف المصدر أن هذا العرض الإيراني مدفوع "برغبة إيرانية في الحفاظ علي أمن سوريا وتقوية دفاعاتها، لمنع تكرار ما حدث قبل سنوات طويلة، ومن ناحية أخرى لضمان استمرار التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين".
جدير بالذكر هنا، أنه قد تم رفع قيود حظر تصدير واستيراد الأسلحة المفروض على إيران منذ سنوات طويلة، في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بموجب بنود الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي ضمن لإيران رفع حظر الأسلحة مقابل عدد من القيود على برنامجها النووي.
وبما أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية على كل من دمشق وطهران، فإن إتمام صفقات السلاح بين البلدين لن تكون بمثابة أزمة كبيرة.
أما فيما يخص مساعدة طهران في تأهيل جيش النظام السوري، يقول مصدر عسكري إيراني، كان ضمن الوفد المرافق للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في زيارته لدمشق، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "الجيش السوري تعرض لهزة كبيرة، ولضغوط أكبر، لسنوات طويلة، والآن سوريا في مرحلة انتعاش دبلوماسي وانتصار سياسي، ولابد أن يكون لديها جيش قوي".
تابع أن "إيران قادرة على منح سوريا الأدوات كافة لإعادة تشكيل وتأهيل جيشها، ويجب على المسؤولين السوريين انتهاز هذه الفرصة الذهبية، إذا أرادوا ضمان تقوية جيشها الدفاعي".
أما عن إجابة الجانب السوري على المساعدات العسكرية الإيرانية، فقال المصدر العسكري الإيراني المطلع، الذي كان ضمن الوفد المرافق للرئيس الإيراني: "من يقوم برفض مساعدة صديق وحليف وقف بجانبه لسنوات طويلة؟ بالطبع رحب الرئيس السوري بهذه المسألة، مؤكداً أهميتها. لكن لتنفيذ هذه المساعدات قال المسؤولون السوريون إن لديهم الآن العديد من العقبات على رأسها القدرة المالية لشراء الاسلحة الإيرانية".
وأضاف أنه "بالطبع سوريا تمر بأزمة اقتصادية، ولكن هذه الأمور سيتم حلها في المستقبل القريب، ومن المتوقع أن يقوم وزير الدفاع الإيراني بزيارة أخرى لنظيره السوري لبدء وضع الخطوات الجادة لتنفيذ مسألة تصدير الاسلحة الإيرانية لسوريا، ووضع خارطة طريق لاعادة تأهيل الجيش السوري بمساعدة إيرانية".
إعادة الإعمار والتطبيع العربي مع دمشق
تحدث الكثيرون عن أن توقيت زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لدمشق أي في ذروة التطبيع العربي مع سوريا، وقبل يوم واحد من إعادتها إلى جامعة الدول العربية، لم تكن من قبيل الصدفة، وأنها رسالة مقصودة من طهران للتأكيد على نفوذها في سوريا.
لكن محلل الشؤون الخارجية في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للبرلمان الإيراني، والمقرب من دوائر صنع القرار في طهران، قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية الموضوع: "يمكني القول إن إيران سعيدة وقلقة في الوقت ذاته من الخطوات الكبيرة التي اتخذتها الدول العربية الخليجية تجاه سوريا".
أضاف المصدر: "ترى طهران أن التطبيع العربي مع سوريا، رسالة مهمة لكل من رفض نظام بشار الأسد ونبذه في البداية، ومن ناحية أخرى، طهران قلقة من احتمالية ضغط الدول العربية على سوريا في المستقبل القريب لتقليل النفوذ الإيراني في دمشق، وهذا لن تقبل به إيران بأي شكل من الأشكال".
في السياق ذاته، يقول مسؤول حكومي إيراني مطلع علي الملف السوري في طهران، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "التطبيع العربي مع دمشق، أمر جيد بالنسبة لطهران، فإن قبول العرب لبشار الأسد، يعني نجاحاً كبيراً لطهران ومحور المقاومة، كما أن طهران تدرك أن الفوائد الاقتصادية العائدة من هذا التطبيع العربي مع دمشق، سيعود بالأثر الجيد على قدرة النظام السوري لإنجاز مشاريع إعادة الإعمار، وإيران جزء أساسي من هذه المشاريع".
تابع كذلك أنه "بالنسبة للمخاوف، فهي غير موجودة عند القيادة العليا في طهران من هذا التطبيع، خاصة مع دخول السعوديين مسار التطبيع مع بشار الأسد".
وقال: "صحيح أن احتمالية منافسة السعوديين للنفوذ الأمني والعسكري الإيراني في دمشق بعيدة الحدوث حتى في المستقبل البعيد، لكن هناك قلق من ممارسة الضغط على الحكومة السورية التي تعاني اقتصادياً لإعادة تشكيل النفوذ الإيراني في سوريا، من أجل الحصول على الاستثمارات الخليجية".
فصل جديد في العلاقات
أكدت المصادر الإيرانية المختلفة، التي تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا التقرير، على استطاعة "محور الممانعة" إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية مرة أخرى، وحصول نظام بشار الأسد على الاعتراف العربي مجدداً.
محور الممانعة هو تحالف تقوده إيران، مكون من الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لطهران في كل من لبنان، والعراق، واليمن، وسوريا، بالإضافة إلى الفصائل التي أنشأها الحرس الثوري الإيراني للقتال في سوريا، من مقاتلين شيعة من أفغانستان، وباكستان.
هذا التحالف، أو محور "المقاومة والممانعة"، كما تسميه طهران وحلفاؤها في المنطقة، قاتل لسنوات طويلة بجانب نظام بشار الأسد، ضد معارضيه، وقد أمدت إيران سوريا بالمستشارين العسكريين وآلاف المقاتلين والأسلحة، وكلفها هذا الدعم مليارات الدولارات.
تعليقاً على ذلك، قال مسؤول حكومي إيراني ثانٍ، مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، لـ"عربي بوست": "ساعدت طهران الأسد بكل ما احتاجه وأكثر على مدى أكثر من 10 سنوات، وتريد الآن إيران بدء فصل جديد في العلاقات بينها وبين سوريا، وبالطبع، فإن التطبيع العربي مع دمشق توقيت مناسب لهذا الفصل".
أوضح المصدر ذاته، في حديثه لـ"عربي بوست"، شكل ما أسماه "الفصل الجديد في العلاقات السورية الإيرانية"، قائلاً: "نحن الآن في مرحلة جني الثمار، بعد مساعدة الأسد لسنوات، فقد دفعت إيران الكثير والكثير من الأموال والأرواح من أجل الحفاظ على بقاء الأسد، وضمان استقرار سوريا، والآن حان وقت جني الثمار".
قصد المسؤول الحكومي الإيراني بجني الثمار، "مشاركة إيران في إعادة الإعمار في سوريا"، موضحاً لـ"عربي بوست": "كان هناك ضغط كبير من العديد من المسؤولين الإيرانيين لمضي إدارة إبراهيم رئيسي، لتأكيد نصيب إيران في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، كما رأت القيادة العليا أن هذا هو الوقت المناسب خاصة مع التطبيع العربي السوري، لضمان التواجد الإيراني في هذه المشاريع بعد أن قدمت طهران الكثير الأسد".
بحسب المصادر الإيرانية، فإنه خلال زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي لدمشق، في وقت سابق من هذا الشهر، كان مرافقاً له بعض المسؤولين الاقتصاديين التابعين للحكومة أو التابعين للشركات الاقتصادية التي يُديرها الحرس الثوري الإيراني.
في السياق ذاته، قال المسؤول الحكومي الإيراني لـ"عربي بوست": "في السابق، وقعت الحكومة السورية مع عدد من الشركات العقارية والاستثمارية الإيرانية الكثير من مذكرات التفاهم لإعادة بناء وتطوير الأضرحة والمدارس، والمباني الثقافية والحكومية وبناء المنازل والمستشفيات، لكن إلى الآن لم يتم تنفيذ الكثير من المشاريع المخطط لها، خلال زيارة إبراهيم رئيسي، وكان لابد من الحصول على موافقة نهائية لهذه المشاريع، وتم بالفعل الموافقة على الكثير منها، وليس جميعها".
ترى طهران أن الدول الخليجية من الممكن أن تكون غير قادرة على المشاركة في مشاريع ضخمة في إعادة إعمار سوريا، بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق، وأنه قد يتم اللجوء إلى نظام للتحايل على هذه العقوبات، لذلك فإنه في الوقت الحالي ترى إيران من ذلك فرصة كبيرة لها، لأنها ستحصل على أكبر عدد من العقود.
قال المصدر الحكومي الأول لـ"عربي بوست": "لا تهمنا العقوبات الامريكية بالتأكيد، كما أن هذه العقوبات ستُعطل أي استحواذ لدول الخليج في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وهذه فرصة هائلة وكبيرة لإيران، لجني مكاسبها بعد سنوات طويلة من تقديم الغالي والنفيس".
يشار إلى أن آخر زيارة لرئيس إيراني إلى دمشق قام بها الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد كانت عام 2010.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.