كشفت وثائق أمريكية مسربة عن وجود خلاف عميق بين الجيش الروسي، وقائد مجموعة "فاغنر" الروسية للمرتزقة، والتي خرج قائدها يفغيني بريغوجين في مقطع فيديو مليء بالألفاظ النابية، وهاجم فيه قادة الجيش الروسي، وحمّلهم مسؤولية مقتل عشرات الآلاف من جنوده بأوكرانيا، مهدداً بسحب قواته من مدينة باخموت الأوكرانية.
صحيفة The Washington Post الأمريكية، قالت الجمعة 5 مايو/أيار 2023، إن الوثائق الأمريكية التي سربها طيار الحرس الوطني جاك تيكسيرا على منصة "ديسكورد"، تشير إلى أن القيادة العسكرية الروسية تواجه صعوبة في التعامل مع بريغوجين، وأن الأخير ناشد الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً التدخل.
تُشير الصحيفة أيضاً إلى أن تهديد بريغوجين بسحب قواته من باخموت هو مجرد فصل جديد في خلاف قائم منذ شهور بين شركة المرتزقة والقيادة العسكرية الروسية، بخصوص الحرب في أوكرانيا.
تتحدث الوثائق المسربة عن أن القيادة العسكرية الروسية مستاءة من تصريحات بريغوجين العدائية العلنية، وعن أنها ناقشت كيفية وقف انتقاداته.
تقول الوثائق إن مسؤولي وزارة الدفاع ناقشوا إطلاق حملة عامة لتشويه سمعة بريغوجين من خلال حليف لها، إذ ذكرت إحدى الوثائق أن "المسؤولين أشاروا في البداية إلى أن وزارة الدفاع في حال رغبت في الرد على تصريحات بريغوجين العلنية، فعليها إيجاد حلفاء لها يتبنون نفس الموقف، لمحاربة بريغوجين بدلاً من أن تفعل ذلك بنفسها".
مع ذلك، لم يكن مسؤولو وزارة الدفاع واثقين في النهاية من الكيفية التي يمكن بها لوزارة الدفاع أن تخوض حرباً إعلامية ناجحة مع بريغوجين، إذا لم تمنع الحكومة الروسية بريغوجين من إصدار تصريحات علنية.
أيضاً تشير الوثائق المسربة إلى أن المسؤولين العسكريين "لم يتمكنوا بشكل حاسم" من تحديد إن كانت "فاغنر" تتلقى ذخائر، لأنها لا تُوزَّع مباشرة من الوزارة، ولكن من خلال فريق عمل في باخموت، وهو إقرار بأن "مزاعم بريغوجين بحرمان قواته من الذخيرة قد تكون صحيحة".
تضيف الوثائق أن ضباطاً من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أو FSB، قالوا في وقت لاحق إن طلبات فاغنر قد تم تلبيتها- ولكن ليس بالكامل- خلال النصف الأول من فبراير/شباط 2023.
وتذكر إحدى الوثائق، في 12 فبراير/شباط 2023، أن فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي "أمر بوقف إمدادات الذخيرة… وكذلك طائرات عسكرية لنقل الذخائر" إلى مقر فاغنر في روستوف أون دون، وهي مدينة في جنوب روسيا قريبة من الحدود الأوكرانية.
من جانبها، قالت الصحيفة الأمريكية، إنه مع تصاعد خطاب بريغوجين، اقترح مسؤولو وزارة الدفاع "مضاعفة إمدادات الذخيرة إلى فاغنر"، وأرادوا "إصدار بيانات عامة" عن هذه الخطوة.
أضافت الصحيفة أنه في 21 فبراير/شباط 2023، قالت الوزارة إن مزاعم بريغوجين غير صحيحة، لكن بريغوجين رد على ذلك في صباح اليوم التالي بنشر صورة الجنود القتلى، ورسالة موجهة إلى غيراسيموف، يطلب فيها الذخيرة بتاريخ 17 فبراير/شباط 2023.
وفقاً للصحيفة أيضاً، يُعتقد أن بريغوجين استُدعي للاجتماع مع بوتين وشويغو، في أو قريباً من يوم 22 فبراير/شباط 2023، وهو اليوم الذي نشر فيه صورة الجنود القتلى، وفقاً للوثائق.
كذلك جاء في إحدى الوثائق أنه "من شبه المؤكد أن الاجتماع يتعلق، ولو جزئياً، باتهامات بريغوجين العلنية، والتوتر الناتج عنها مع شويغو"، وقالت الوثيقة إنه قبل ذلك الاجتماع زعم بريغوجين أنه ناشد بوتين، في منتصف فبراير/شباط 2023، السماح له بمواصلة الاستفادة من السجناء في روسيا، لتعزيز صفوف مقاتلي فاغنر، وشكا من أن الجيش النظامي يسرق مبادرته.
قيل أيضاً إن بريغوجين عرض على بوتين أن تتولى "فاغنر" تدريب الروس المنضمين حديثاً، وطلب "تسهيل تجنيد المقاتلين الأجانب، والأفغان تحديداً" للقتال في أوكرانيا.
تتابع الوثيقة التي استشهدت باعتراضات اتصالات جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أن بوتين أخبر بريغوجين بأن عليه مناقشة هذه القضايا مع وزارة الدفاع، في انحياز واضح إلى جنرالاته على حساب زعيم فاغنر.
تشتهر مجموعة "فاغنر" باستهانتها بأرواح جنودها، ويذهب خبراء إلى أن التكتيكات الوحشية والوسائل غير المحكومة بقوانين، التي تتبعها المجموعة، عادةً قد أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، فالمجندون الجدد يُرسلون إلى المعارك وهم لم يتلقوا إلا قليلاً من التدريب الرسمي، وهو تكتيك وصفه الجنرال الأمريكي مارك هيرتلينغ بأنه مثل "إطعام المفرمة باللحم".
لكن كلما ارتفعت مكانة بريغوجين، زادت اشتباكاته مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ورئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، ما دعا بعض الخبراء للزعم بأن هناك صراعاً دائراً بين القادة في موسكو، في ظل إخفاق الحملة العسكرية الروسية وعجزها عن التقدم في خططها.