مع انزلاق السودان إلى أتون القتال في الأيام القليلة الماضية ومحاصرة المدنيين في أحياء مدنهم ونقص المياه والغذاء والرعاية الصحية، ظهرت جهود مجتمعية ومواقع إلكترونية وتطبيقات لحشد المساعدة الطبية وتوفير الإمدادات الأساسية للمواطنين الذين باتوا يواجهون الموت، في ظل انهيار الخدمات الأساسية في البلاد، وذلك الأحد 23 أبريل/نيسان 2023.
حيث أودى الصراع العنيف على السلطة بين قائدي الجيش وقوة شبه عسكرية كبيرة، بعد أن كانا يحكمان البلاد معاً، بحياة مئات المدنيين وتسبب في أزمة إنسانية بالسودان، وجلب الحرب إلى العاصمة الخرطوم التي لم تعتد على مثل هذا العنف.
مساعٍ لتوفير الخدمات للسودانيين
تحولت إحدى هذه المجموعات، وهي لجنة احتجاج نظمت مظاهرات ضد المجلس العسكري، إلى تقديم نوع من الخدمات الصحية الشعبية.
في حين استخدم أفراد في أماكن أخرى التكنولوجيا لتوفير مخزونات محلية من الغذاء والمياه العذبة والأدوية للأحياء المحتاجة. وقالت عزة سوركتي وهي عضو في لجان مقاومة المعمورة التي تشكلت خلال انتفاضة حاشدة في عام 2019 وساعدت في تنظيم الإغاثة في حي المعمورة بالعاصمة خلال فترة وباء كوفيد والفيضانات: "بمجرد بدء الحرب، في نفس المساء اجتمعنا لبدء بحث كيفية التطوع".
في حين حشدت لجان مقاومة المعمورة فريقاً من الجراحين والمسعفين الآخرين، وأعادت فتح مركز صحي محلي للحالات الطارئة وأنشأت خطاً ساخناً للحالات الأقل إلحاحاً. وقالت عزة إن المركز عالج 25 حالة على الأقل منذ بدء القتال.
أضافت: "الأطباء يساعدوننا في علاج كثير من الحالات بما في ذلك المصابون بطلقات نارية. لكن الأمر يصبح صعباً عندما يعاني المريض من نزيف شديد، وهو ما يحتاج إلى مستشفى". موضحة أن مصابين فارقا الحياة بسبب نقص الإمدادات الكافية.
منصات لطلب المساعدات
من منزله في وسط السعودية، قام مطور مواقع الإنترنت فريد عادل (30 عاماً) بتحويل موقعه الإلكتروني الشخصي إلى منصة يمكن للناس من خلالها إما طلب المساعدة أو تقديمها بناء على موقعهم.
قال عادل: "كان فيه عدد من الحوجات (الاحتياجات) بيتم مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفيه ناس تانيين بيكون عندهم حاجات متوفرة برضه بيعلنوا عنها بيقولوا متوفر عندهم كذا، مويا (مياه)، كهربا وكذا. فأنا جاءتني فكرة يعني أنه ممكن الحالات دي كلها تتجمع في مكان واحد". وساعد موقعه في الغالب أناساً في الخرطوم، حيث اندلع الكثير من أشرس المعارك.
كما قال عادل: "أغلب الحوجات بتكون إما طبية بسبب إنه فيه نقص في المستشفيات، في الكادر الطبي، الناس ما قادرة تتحرك ع المستشفيات".
لجنة من المتطوعين في الخرطوم
في مكان آخر بالخرطوم، أنشأ الطبيب مكرم وليد (25 عاماً) مجتمعاً على تطبيق واتساب يضم 1200 فرد من مناطق مختلفة في الخرطوم لتبادل المعلومات حول توافر المواد الأساسية.
قال وليد: "كلما وقعت عيناي على منطقة معينة، أجد الناس يتواصلون بالفعل وتمكنا من توفير الدواء والطعام للبعض". وأضاف أن المطلب الأساسي لمعظم الأفراد يتمثل في توفير مياه الشرب، مشيراً إلى وجود طلبات أخرى تتعلق بتوفير الأدوية خاصة لمرضى السكري وضغط الدم. وتابع قائلاً: "ليس لدينا أموال أو مساعدات مالية. نحاول فقط تسهيل التواصل بين الأفراد".
في حين زاد الطلب على الخدمات الطبية مع إغلاق معظم مستشفيات الخرطوم التي لا يزال القليل منها مفتوحاً، لكنه لا يقدم سوى خدمات محدودة.
كما تحول تطبيق (دكتور بيز)، وهو تطبيق صحي يديره أحمد مجتبى وكان يضم في السابق 30 طبيباً، من مساعدة السودانيين على التعامل مع المشكلات القائمة المرتبطة بالفقر إلى مساعدة المتضررين من العنف.
قال مجتبى الذي يعيش في كندا إن عشرات الأطباء من أنحاء متفرقة من العالم سجلوا أسماءهم منذ اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان كمتطوعين لتقديم المشورة للسودانيين الذين هم بحاجة ماسة إلى مساعدة طبية باستخدام التطبيق.
كما أضاف مجتبى: "لسوء الحظ، رصدنا في اليومين الماضيين بضع حالات عاجلة. لم يكن من الممكن علاجها من خلال الرعاية الصحية عن بعد وإنما احتاجت في الواقع للذهاب إلى المستشفى".
اشتباكات في السودان بين الجيش وقوات الدعم
يذكر أنه ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوماً على مقار تابعة للآخر، بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلاً منهما.
في حين أنه في عام 2013 جرى تشكيل "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية على الحدود وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.
كانت منظمات دولية قد دقت ناقوس الخطر بشأن بداية كارثة إنسانية، في ظل استهداف مناطق المدنيين ونقص المواد الأساسية، وتوقعات بموجة لجوء كبيرة إلى الدول المجاورة، بينما تواصل دول العالم إجلاء رعاياها من السودان، وفق ما ذكرته تقارير، السبت 22 أبريل/نيسان 2023.
حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن القتال الذي اندلع في مطلع الأسبوع الماضي بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، أسفر عن مقتل أكثر 400 شخص وإصابة نحو 3551 آخرين.
ملايين المدنيين محاصرون
فقد حذر الصليب الأحمر الدولي من نفاد الماء والغذاء لدى المدنيين السودانيين المحاصرين في بيوتهم، جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع، وقالت منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" غير الحكومية إن "ملايين المدنيين محاصرون في القتال، وتنفد لديهم بسرعة المواد الأساسية".
أضافت المنظمة في بيان لها أن "النزاع يمكن أن ينزلق بسرعة إلى حرب حقيقية دائمة"، تشمل الولايات المضطربة في السودان ثم بعض دول الجوار.
كما جاء في البيان: "تفاقمت المعاناة بسبب حقيقة أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تتمكن من إيصال المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، حيث لم يقدم لنا الطرفان الضمانات الأمنية اللازمة".
بينما قالت جمعية الهلال الأحمر السوداني إن مخازنها تعرضت للسطو من قبل أفراد مسلحين (لم تحدد هويتهم)، وأضافت أن المسلحين نهبوا 8 سيارات دفع رباعي وشاحنة تابعة للجمعية.
فيما دانت الجمعية الاعتداء على مرافقها، وحذرت من استخدام سياراتها لأغراض تجارية أو إجرامية، مشيرة إلى أن المخاطر الناجمة عن سوء استخدام شارة الهلال الأحمر ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.
كما قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن نحو 16 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات خلال العام الجاري.
موجات لجوء من السودان
من جهته، قال مدير برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة في تشاد، إن البرنامج يتوقع وصول مزيد من اللاجئين من السودان عبر الحدود، هرباً من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
حيث عبر ما بين عشرة آلاف و20 ألف سوداني الحدود إلى تشاد بالفعل، بعد أسبوع من بدء القتال في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في البلاد، وفق ما ذكرته وكالة رويترز السبت.
كما قال بيير أونورا مدير البرنامج في تشاد: "نتوقع مزيداً من الموجات، ذلك أكيد. على الفور، حين يسمح الموقف الأمني لهم بالقدوم. توجد بلدات كبيرة بالقرب من الحدود، والموجودون فيها لم يتمكنوا من التحرك".
بينما قال أونورا إن 400 ألف لاجئ سوداني فروا خلال صراعات سابقة منتشرون في 14 مخيماً بمنطقة الحدود في تشاد. ولا يستطيع سكان العاصمة السودانية الخرطوم مغادرة منازلهم بسبب القصف ومع تجول الجنود في الشوارع.
كما أن الآلاف من الأجانب عالقون بسبب القتال في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان، ومن بينهم موظفو السفارات وعمال المساعدات وطلبة. وقال الجيش السوداني السبت إنه سيساعد في إجلاء الرعايا الأجانب بعد أن تسبب الصراع على مدى أسبوع في مقتل مئات المدنيين.
فيما قال أونورا: "برنامج الأغذية العالمي سيستعد لاستقبال 100 ألف على الأقل. من المرجح أن يكون هناك المزيد، لذلك علينا أن نكون مستعدين". وأضاف أن أغلب من وصلوا في الأيام القليلة الماضية كانوا من النساء والأطفال من قرى على الحدود.
كما أردف "عدد الأطفال مدهش. فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من الأطفال يعبرون الحدود. فُطرت قلوبنا لرؤية النساء والأطفال تحت الأشجار. عانى بعضهم من العنف واحترقت منازلهم ودُمرت قراهم ونُهبت أحياؤهم تماماً".