علم "عربي بوست"، من مصادر عراقية وإيرانية مطلعة، إجراء رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي اتصالات مع المسؤولين الإيرانيين، لمناقشة أمور عديدة، بينها الاستمرار في لعب دور الوسيط بين إيران والدول العربية، وخاصة السعودية.
وكان "عربي بوست" كشف في تقرير سابق زيارات مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية طهران، واستقبال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي له، ولقاءه بوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، واجتماعه بسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الذي يقود الدبلوماسية الإيرانية حالياً مع عدد من الدول العربية في المنطقة.
هل يستمر الكاظمي في لعب دور تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية؟
في زياراته الأخيرة المتكررة إلى العاصمة الإيرانية طهران، قالت مصادر عراقية وإيرانية مطلعة على سير اجتماعات رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفي الكاظمي بكبار المسؤولين الإيرانيين، لـ"عربي بوست"، إن الكاظمي كان يجدد رغبته في مساعدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي استكمال حوارها مع المملكة العربية السعودية، وبلاد عربية أخرى مثل الأردن ومصر.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن هناك خمس جولات من الحوار بين طهران والرياض، تمت في مطار بغداد الدولي، برعاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. يقول دبلوماسي عراقي كان من ضمن وفد الكاظمي المشرف على الحوار الإيراني السعودي في الفترة ما بين عامي 2021 و2022، لـ"عربي بوست": "لولا الكاظمي وعلاقاته القوية بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لما كنا سمعنا عن مسألة جلوس الإيرانيين والسعوديين على طاولة المفاوضات".
لكن بعد خمس جولات من الحوار بين السعودية وإيران، في العاصمة العراقية بغداد، تم تجميد المفاوضات بين الطرفين، نظراً لما كان يمر به العراق حينها من جمود سياسي عقب الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وعدم توصل الأحزاب السياسية العراقية الرئيسية، إلى حل لتشكيل حكومة جديدة.
لكن، في 10 مارس/آذار 2023، وبشكل مباغت، فوجئ الجميع بإعلان الاتفاق بين الرياض وطهران في بكين، وتم إصدار بيان ثلاثي مشترك، يتضمن الخطوات التي سيتخذها كل من الجانب الإيراني والسعودي، لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي انقطعت منذ يناير/كانون الثاني 2016، بسبب مهاجمة متظاهرين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران، اعتراضاً على إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي السعودي المعارض، نمر النمر.
إلى هنا، يبدو أن دور رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي قد انتهى، لكن ليس هذا ما حدث. يقول مسؤول عراقي رفيع المستوى على دراية بجولات الحوار السعودي الإيراني الخمس في بغداد، لـ"عربي بوست"، إن كل ما جاء في الاتفاق الإيراني السعودي المعلن من الصين، تمت مناقشته في بغداد أثناء جولات الحوار الخمس، وبرعاية الكاظمي، بل وتمت مناقشة مسائل أمنية إقليمية أوسع من التي جاءت في بنود الاتفاق الإيراني السعودي المعلن من الصين.
لكن ما علاقة ذلك باتصالات وزيارات مصطفى الكاظمي إلى إيران؟ يجيب عن هذا التساؤل مصدر مقرب من مصطفى الكاظمي، قائلاً لـ"عربي بوست"، إنه على الرغم من أن الجميع يعلم أن الصين ستكون الضامن في الاتفاق الإيراني السعودي، لكن الإيرانيين طلبوا من الكاظمي الاستمرار في لعب دور الوسيط بين إيران والدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وأوضح المصدر: "الإيرانيون يثقون في العلاقة القوية بين الكاظمي والأمير محمد بن سلمان، ولا ينظرون لهذه العلاقة بعين الشك، بل يحاولون استخدامها لضمان استمرار الاتفاق الإيراني السعودي.
الكاظمي والتطبيع الإيراني مع مصر والأردن
بعد الرحلات الدبلوماسية التي قام بها سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني في الفترة الأخيرة، من الصين إلى الإمارات العربية المتحدة، كثرت التكهنات بأن مصر والأردن هما المحطتان التاليتان في رحلة إيران الدبلوماسية الجديدة لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية.
في هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست": "عندما كان الكاظمي في منصبه، نسّق حوالي جلستين من الحوار بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم في الأردن ومصر"، وبحسب المصدر ذاته فإن هذه المحادثات تمت ما بين بغداد وعمان.
من طهران، يقول دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام: "لا أحد ينكر الدور الكبير الذي لعبه الكاظمي في تمهيد الأرضية للحوار السعودي الإيراني، والمباحثات الإيرانية مع كل من مصر والأردن، وبالتأكيد المسؤولون في إيران يرحبون باستمرار الكاظمي في هذا الدور".
وأضاف المصدر ذاته مؤكداً مسألة استمرار مصطفى الكاظمي في لعب دور الوسيط بين إيران والبلاد العربية، قائلاً: "لديّ علم بهذا الأمر، الكاظمي قناة اتصال بين طهران والرياض، والآن لديه دور في تطبيع العلاقات الإيرانية مع الأردن وتحديداً مصر".
كما أشار الدبلوماسي الإيراني إلى اقتراب موعد تطبيع العلاقات الإيرانية مع كل من مصر والأردن، قائلاً لـ"عربي بوست": "في القريب العاجل ستكون هناك أخبار سعيدة بشأن هذه المسألة، التي يتم التحضير لها من بعد إعلان الاتفاق الإيراني السعودي، وبالتأكيد سيكون للحكومة العراقية دور بها".
الاستفادة الإيرانية من الكاظمي
أكدت المصادر الإيرانية الخاصة بـ"عربي بوست"، حديث المصادر والمسؤولين العراقيين عن التواصل القوي بين طهران ورئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، والرغبة الإيرانية في استمرار الكاظمي في لعب دور الوسيط بين إيران وجيرانها في المنطقة والبلاد العربية.
في هذا الصدد، يقول محلل السياسية الخارجية المقيم في طهران، والمقرب من دوائر صنع القرار في البلاد، لـ"عربي بوست"، إن علاقة الكاظمي بالسياسيين العراقيين المقربين من إيران ليست في أفضل حال، لكن هذا لا يؤثر على علاقته بالمسؤولين الإيرانيين، ودوره كوسيط بين طهران والرياض، وأيضاً القاهرة وعمان.
وأضاف الخبير السياسي الإيراني قائلاً لـ"عربي بوست": "طهران لا تنظر إلى الكاظمي بشك أو ريبة، بالعكس فقد دعمته خلال فترة توليه منصبه كرئيس للوزراء، ومنعت الكثير من الاشتباكات التي كانت من الممكن أن تقع بينه وبين خصومه السياسيين، كما أن المرشد الأعلى لا يرفض فكرة استمرار الكاظمي في لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية، بالعكس فهو يرحب بهذه الفكرة بشكل كبير".
في السياق نفسه، يقول دبلوماسي إيراني لـ"عربي بوست": "الحكومة الإيرانية مستعدة لاستمرار تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، وترحب بوجود الكاظمي كوسيط، الرجل يتمتع بعلاقات قوية مع أغلب الأطراف".
لكن، ماذا عن غضب حلفاء إيران في بغداد؟
كان لزيارات رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، المتكررة لطهران في أواخر شهر فبراير/شباط وبداية شهر مارس/آذار، ومواصلة الاتصال بالمسؤولين الإيرانيين، آثار سلبية على حلفاء إيران في العراق، في الإطار التنسيقي الشيعي (مظلة تضم أغلب الأحزاب السياسية الشيعية بأجنحتها المسلحة، المعتدلة والمقربة من إيران).
العلاقة بين مصطفى الكاظمي، وحلفاء إيران العراقيين، دائماً ما كانت متوترة منذ اليوم الأول له في منصبه، ووصلت إلى حد اتهامه بالتورط في مقتل نائب وحدات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، والقائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
قتل الرجلان بالقرب من مطار بغداد بواسطة هجوم بطائرة دون طيار أمريكية في مطلع عام 2020. كان الكاظمي حينها يشغل منصب رئيس المخابرات العراقية الوطنية، وقد اتهمته الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران والتي تعتبر جزءاً من قوات الحشد الشعبي العراقي، مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بالتورط في قتل الرجلين، وتسهيل إمداد معلومات استخباراتيه خاصة بتحركات سليماني وأبو مهدي المهندس إلى الولايات المتحدة.
في هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست": "لا يمكن إنكار حقيقة أن الكاظمي قد تعرض لتهديدات بالقتل، من قبل بعض الفصائل العراقية، وقد أبلغ الإيرانيين بذلك، وقالوا له إنهم يهتمون بهذه المسألة".
لكن بعيداً عن هذه المزاعم، فإن اتصالات وزيارات الكاظمي لإيران أثارت غضب رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شياع السوداني، الذي تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، بدعم من الإطار التنسيقي الشيعي (حلفاء إيران في العراق).
فبعد آخر زيارة للكاظمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أعلن رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شياع السوداني، تورط عدد من المقربين من الكاظمي في قضية فساد كبيرة عُرفت باسم "سرقة القرن"، حيث تم اختلاس 2.5 مليار دولار أمريكي من هيئة الضرائب العراقية في وقت تولي مصطفى الكاظمي لمنصبه.
وأصدر القضاء العراقي مذكرات توقيف بحق كل من رائد جوحي رئيس جهاز المخابرات، وأحمد نجاتي، سكرتير مكتب الكاظمي، بالإضافة إلى علي علاوي وزير المالية في حكومة الكاظمي السابقة.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن محمد شياع السوداني، أن هناك أسماءً كبيرة أخرى سيتم الإعلان عنها لتورطها في قضايا فساد. في هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي عراقي حالي، لـ"عربي بوست"، إن الأسماء الكبرى الأخرى من المحتمل أنها كانت تتضمن اسم مصطفى الكاظمي، "خصوم الكاظمي يريدون إنهاء مستقبله السياسي في العراق، والبداية كانت توجيه الاتهامات للمسؤولين المقربين منه وفريقه". على حد قوله.
لكن هل للأمر الذي ذكره المسؤول الحكومي العراقي، علاقة باتصالات الكاظمي مع المسؤولين الإيرانيين؟ يجيب عن هذا التساؤل، مسؤول حكومي عراقي سابق، ومقرب من الكاظمي، قائلاً لـ"عربي بوست": "زيارات الكاظمي لطهران جزء من اتهامات فريقه بالتأكيد، حلفاء إيران في العراق غاضبون من التواصل الإيراني مع الكاظمي، ولا يريدون وجوده في المستقبل".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "هناك نوايا لدى الكاظمي لتأسيس حزب سياسي والمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وهذا ما يرفضه الإطار التنسيقي بشكل كبير، كما أنهم يرفضون الدعم السياسي الإيراني المحتمل للكاظمي في المستقبل القريب".
الاتفاق الأمني بين بغداد وطهران.. جزء من التهدئة؟
بعد رحلة دبلوماسية مكثفة لسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، سافر إلى بغداد في 20 مارس/آذار 2023، لتوقيع اتفاقية أمنية بين طهران وبغداد، تهدف إلى تأمين الحدود العراقية الإيرانية، وخاصة حدود إقليم كردستان العراق مع إيران بهدف التصدي للجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، والتي تتخذ من إقليم كردستان العراق مقراً لها، بالإضافة إلى عدد من البنود لتأمين المعابر الحدودية.
لكن الاتفاق الأمني بين بغداد وطهران، يأتي أيضاً ضمن محاولة إيران لتهدئة حلفائها في العراق، بحسب مسؤولين عراقيين تحدثوا لـ"عربي بوست".
يقول مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى مطلع على هذا الأمر، لـ"عربي بوست": "الاتفاقية الأمنية بين طهران وبغداد، تعطي الجيش العراقي حق الانتشار المكثف على حدود إقليم كردستان العراق، وهذا بالضبط ما كان يطمح له السياسيون الشيعة في بغداد".
يوضح المسؤول الأمني العراقي، الأمر أكثر فيقول: "الإطار التنسيقي الشيعي لديه رغبة في إحكام سيطرته علي الأراضي الكردية، بالتزامن مع تحركاته للسيطرة على صادرات النفط والغاز المستقلة لإقليم كردستان العراق، لذلك طلب من الإيرانيين توقيع مثل هذه الاتفاقية كذريعة إعادة انتشار الجيش العراقي على حدود إقليم كردستان".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "كان الأمر بالنسبة للإيرانيين بمثابة صفقة لتهدئة حلفائها في العراق الغاضبين من اعتقادهم بتجنيب إيران لهم في اتفاقها مع السعودية، بالإضافة إلى تواصلها مع الكاظمي".
بالعودة إلى مسألة المستقبل السياسي لرئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي من عدمه، تحدثت المصادر العراقية الخاصة بـ"عربي بوست"، في هذا التقرير، عن صعوبة أن يكون للكاظمي مستقبل سياسي في العراق.
يقول سياسي عراقي شيعي مقرب من إيران لـ"عربي بوست": "الإطار التنسيقي لن يوافق على وجود أي مستقبل سياسي للكاظمي، وأنا أرى أن الإيرانيين لن يتدخلوا في هذا الأمر، لعدم إغضاب حلفائهم في الإطار التنسيقي، لذلك، فإن أقصى مستقبل للكاظمي يمكن أن يتلخص في كونه وسيطاً بين الإيرانيين والدول العربية".