لا تزال أزمة القوائم الانتخابية الخاصة بالبرلمان التركي التي قدمتها الأحزاب بصورة مؤقتة إلى اللجنة العليا للانتخابات في تركيا تشغل الرأي العام التركي والعربي؛ في ظل المفارقات الكبيرة التي تضمنتها تلك القوائم التي ستعلن بصورة نهائية يوم 14 أبريل/نيسان الجاري.
قوائم العدالة والتنمية
فحزب العدالة والتنمية، ورغم دخوله في تحالف الشعب مع كل من أحزاب الحركة القومية والوحدة الكبرى والرفاه الجديد؛ فإنه لم يدخل بقائمة مشتركة بين هذه الأحزاب، بل قدم قوائمه الانتخابية للبرلمان بشكل منفصل، وهو الأمر الذي قامت به الأحزاب الأخرى؛ باستثناء ترشيح زعيم حزب "الرفاه الجديد" فاتح أربكان على قوائم العدالة والتنمية في مدينة إسطنبول.
قوائم العدالة والتنمية لم تخلُ كذلك من ترشيح رموز كانت في يوم من الأيام رموزاً للمعارضة التركية؛ مثلما حدث مع النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض محمد تشلبي؛ الذي انشق عن حزب مؤسس الجمهورية التركية وانضم إلى حزب العدالة والتنمية، ورشحه الحزب عن الدائرة الأولى في مدينة إزمير معقل حزب الشعب الجمهوري.
إلى جانب ذلك شملت قائمة حزب العدالة والتنمية العديد من الأسماء الشهيرة في عالم السينما والموسيقى، مثل الممثل التركي بهادير يني شهير أوغلو المعروف بدور تحسين باشا في مسلسل "السلطان عبد الحميد" الذي رشحه الحزب عن الدائرة الأولى في مدينة مانيسا، وكذلك رشح الحزب الموسيقار التركي الشهير يوجال أرزان.
الوزراء في المدن الكبرى
المفاجأة الكبرى التي تضمنتها قوائم حزب العدالة والتنمية؛ كانت في ترشيح كل وزراء الحكومة باستثناء وزير الصحة فخر الدين قوجه ووزير الثقافة محمد نوري أرصوي؛ بناءً على طلبيهما كما قال الحزب في بيانه للتعريف بمرشحيه.
ورشح الحزب كلاً من فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي عن مدينة أنقرة، ومعه وزير العمل فيدات بليغين. فيما رشح عن مدينة إسكيشهير وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، وعن مدينة غازي عنتاب وزير العدل السابق عبد الحميد غول، وعن إسطنبول كلاً من وزيري البيئة والتوسع العمراني وتغير المناخ مراد كوروم ووزير الداخلية سليمان صويلو.
وعن مدينة بورصة وزير الصناعة مصطفى فارانك، وعن إزمير وزير الشباب والرياضة محمد قصاب أوغلو، وعن أوردو وزير التعليم محمود أوزر، وعن شانلي أورفه وزير العدل بكير بوزداغ، وعن مرسين وزير المالية نور الدين نباتي، وعن مدينة كهرمان مرعش وزير الزراعة وحيد كيريشتشي، وعن سامسون وزير التجارة محمد موش، وعن عثمانية وزيرة الأسرة داريا يانيك، وعن طرابزون وزير النقل عادل كارا إسماعيل أوغلو، وعن مدينة أنطاليا وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، وعن مدينة قيصرى وزير الدفاع التركي خلوص أقار.
الفوز هو الأهم
من جانبه يرى الدكتور أحمد أويصال رئيس مركز أورسام للدراسات في تركيا؛ أن حزب العدالة والتنمية دفع بكل الأسماء التي قد تضمن له الفوز في الانتخابات؛ نظراً للأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه الانتخابات في المرحلة القادمة.
وشدد أويصال في حديثه لـ"عربي بوست" أن دفع الحزب بكل الوزراء قد يحول مستقبلاً دون تعيينهم في الحكومة التركية، وبالتالي إقدام العدالة والتنمية على هذه الخطوة يمثل إلى أي مدى هم مهتمون بالانتخابات البرلمانية.
وأوضح رئيس مركز أورسام للدراسات في أنقرة؛ أن نجاح الوزراء كنواب في البرلمان يمنعهم بحسب الدستور التركي من شغل المناصب التنفيذية، وبالتالي وجود كل الوزراء على قوائم العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية؛ ينبئ بأن شكل الحكومة القادمة في حال فوز العدالة والتنمية سيتغير بشكل كبير؛ لكن كل ذلك جاء من أجل الفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة.
وأضاف الدكتور أحمد أويصال أن الشعار الأهم الذي اتخذه مرشح تحالف الطاولة السداسية "وعد لك" هو تغيير النظام الحاكم في تركيا، وبالتالي ستكون معركة الانتخابات القادمة كما يرى أويصال هي الانتخابات البرلمانية في ظل تقدم حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
قائمة المعارضة
الجدل الذي صاحب قائمة حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية لم يختلف عن القائمة التي نشرها حزب الشعب الجمهوري المعارض بقيادة كمال كليجدار أوغلو؛ خاصة في ظل احتوائها على أسماء بارزة كانت في يوم من الأيام قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم.
على قوائم حزب الشعب الجمهوري، قدم الحزب 25 مرشحاً للانتخابات البرلمانية من حزب الديمقراطية والتقدم برئاسة على باباجان، من بينهم سعد الدين أرجين وزير العدل التركي الأسبق وأحد المؤسسين القدامي لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
كما رشح حزب الشعب 24 مرشحاً عن حزب السعادة الإسلامي في مختلف الدوائر الانتخابية، إلى جانب 19 مرشحاً من حزب رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، و4 مرشحين عن الحزب الديمقراطي، فيما دخل حزب الشعب الجمهوري في قائمة مشتركة مع حليفه "حزب الجيد" في 6 ولايات تركية فقط.
وفي سبيل هذه الترشيحات تخلي حزب الشعب الجمهوري عن 66 نائباً يمثلونه في البرلمان الحالي من أصل 134 نائباً لإفساح المجال أمام ترشيح أسماء عن الأحزاب الصغيرة المشاركة فيما يعرف بتحالف الطاولة السداسية أو تحالف الأمة.
لكن هذه الترشيحات لم تمر دون عاصفة لا تزال أجواؤها تخيم على أروقة الحزب في العاصمة التركية أنقرة. وجاءت أبرز الانتقادات من الصحفي التركي الشهير وعضو حزب الشعب الجمهوري إسماعيل سايماز؛ الذي قال في تغريدة عبر حسابه على تويتر: "إن البرلمان القادم سيتشكل من حزبين فقط؛ الأول منهما هو العدالة والتنمية، والثاني هم النواب المنشقون عن العدالة والتنمية".
ورغم أن التغريدة تسببت في تقديم الصحفي الشهير استقالته من قناة "الشعب" الممثلة لحزب الشعب الجمهوري؛ فإنه لم يتراجع عنها، وظل متمسكاً بقوله حتى الآن، في أعنف انتقاد لقوائم الحزب للانتخابات البرلمانية المقررة في 14 مايو/أيار 2023.
هدف تغيير النظام
من جانبه تحدث عضو حزب الشعب الجمهوري وكبير محرري موقع T24 الإخباري المعارض في تركيا أوزغور زاران لـ"عربي بوست" موضحاً أن النقاشات والانتقادات لا تقتصر على قوائم المرشحين البرلمانية على هذه الانتخابات.
"شهدنا مواقف مماثلة في جميع الانتخابات السابقة، وكان معروفاً أن إدراج أسماء الأحزاب المنبثقة من العدالة والتنمية على القوائم البرلمانية لحزب الشعب كان جزءاً من الاستراتيجية الانتخابية لتحالف الأمة المعارض"، على حد قوله.
وأوضح زاران أنه قد سبق الحديث عن إمكانية إقالة المزيد من النواب بهذه الطريقة، ولا يمكن القول إن هناك العديد من الأسماء غير المتوقعة في قائمة النواب المعروضة على المجلس الأعلى للانتخابات.
وأضاف الكاتب التركي أن هناك أسماءً قليلة أثارت الجدل بعد وضعها على قوائم حزب الشعب الجمهوري؛ منها على سبيل المثال وزير العدل السابق سعد الله إرجين، الذي كان من بين مؤسسي حزب العدالة والتنمية، والذي تم إدراجه في قوائم حزب الشعب الجمهوري من المنطقة الأولى في أنقرة.
كان إرجين أحد أكثر الأسماء تعرضاً للانتقاد، نظراً لأنه نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، أحد الأحزاب الستة التي تشكل تحالف الأمة.
ومن غير المرجح بحسب زاران أن يحصل وزير اقتصاد أردوغان السابق على مقعد في البرلمان في العاصمة أنقرة، ولذلك تم وضعه على القائمة في المنطقة حيث جماهيرية حزب الشعب الجمهوري أقوى في العاصمة.
وتوقع الكاتب التركي أن يؤدي هذا الموقف إلى استياء أو حتى رفض من قبل بعض القيادات داخل حزب الشعب الجمهوري، وربما التردد في التصويت لهم بالمرحلة الأولى من قبل ناخبي حزب الشعب الجمهوري.
ورغم ذلك لا يتوقع أوزغور زاران في حديثه لـ"عربي بوست" أن يؤدي هذا الوضع إلى أزمة؛ لأن الانتخابات التي ستجرى في 14 مايو/آيار بحسب رأيه هي عبارة عن استمرار أو تغيير للنظام الرئاسي الذي تحكم به تركيا منذ تعديل الدستور في عام 2017.
ويضيف زاران أن الوعد الرئيسي لحزب الشعب الجمهوري، والذي تجمع عليه تحالف الأمة والطاولة السداسية حتى اليوم، هو تغيير النظام وإنشاء نظام برلماني معزز.
ويرى الكاتب التركي هذا الوعد ربما يعيد ناخبي حزب الشعب الجمهوري إلى حزبهم بعد انتهاء أزمة القوائم الانتخابية المشتعلة حالياً.
حزب الجيد
أزمة الترشح للانتخابات البرلمانية لم يسلم منها كذلك حزب الجيد الشريك في تحالف الأمة المعارضة بقيادة ميرال أكشنار، وذلك بعدما توقع عدد كبير من قيادات الحزب أن حزبهم لن يستطيع تجاوز العتبة الانتخابية المقدرة بـ7% بسبب الأزمة الأخيرة بين أعضاء الطاولة السداسية.
وقرر أيتون شيراي النائب عن حزب الجيد في الدورة الحالية وكبير مستشاري أكشنار عدم الترشح للانتخابات البرلمانية، بسبب ما سماه انخفاض نسبة ثقة المواطنين في الحزب القومي المنشق عن حزب الحركة القومية.
وكتب شيراي في حسابه على تويتر أنه لن يترشح للانتخابات القادمة، وسيتفرغ للترويج لحزبه والسعي لكسب المزيد من أصوات الناخبين لمرشحي حزب الجيد في الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد انخفاض نسبة تأييد الحزب إلى ما دون العتبة الانتخابية بسبب التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والخلافات التي عصفت من قبل بأعضاء الطاولة السداسية.