يمضي البرلمان العراقي بمناقشة تعديلات جديدة على قانون الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات، في جلسات غلبت عليها الفوضى والجدل، وسط ترجيحات بإقرارها في مطلع أبريل/نيسان 2023، أي بعد أيام فقط من الآن، بحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أشارت كذلك إلى أن هذا الأمر يثير غضب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
عُقدت 3 جلسات حتى الآن، كان آخرها في 27 مارس/آذار 2023، رغم التوترات والمشادات الكلامية بين النواب المؤيدين والمعارضين للتعديلات الجديدة لقانون الانتخابات البرلمانية، الذي كان آخر تعديل عليه في عام 2020 فقط.
الرفض للتعديلات الجديدة، عبر عنه خروج عدد من المتظاهرين مؤخراً، الذين قال عنهم بعض المسؤولين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست" إنهم من أنصار التيار الصدري، وذلك بهدف محاصرة البرلمان، وقطع الطرق المؤدية إلى جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة العراقية بغداد، التي يوجد بها مقر مجلس النواب العراقي.
قانون سانت ليغو.. وتوسيع هيمنة الإطار التنسيقي
275 نائباً من أصل 329 نائباً في البرلمان العراقي يؤيدون تعديل قانون الانتخابات البرلمانية الحالي، الذي تم العمل عليه من كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية، برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق (2006:2014)، وسط غضب من أنصار التيار الصدري، والسياسيين المستقلين والمعارضين الذين انضموا إلى البرلمان العراقي في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
لكن لماذا تثير التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات البرلمانية الجدل في العراق؟
قرر الإطار التنسيقي الذي يحظى بأغلبية في البرلمان الحالي، إعادة قانون الانتخابات البرلمانية العراقي إلى سابق عهده، والاعتماد على نظام انتخابي يُعرف باسم "سانت ليغو"، من شأنه وقانون الانتخابات الجديد أن يُعيدا العراق إلى دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة من محافظات البلاد، البالغ عددها 18 محافظة.
يعتمد نظام "سانت ليغو" على توزيع المقاعد بين الأحزاب السياسية على أساس نظام يعرف بالتمثيل النسبي للحزب، ما يعني أنه سيتم توزيع المقاعد البرلمانية عن طريق تقسيم الأصوات التي حصل عليها الحزب على عدد المقاعد البرلمانية، زائد مقعد واحد آخر.
في هذا الصدد، يقول سياسي عراقي شيعي مستقل، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "نظام سانت ليغو نظام فاسد، يمكّن الأحزاب الكبيرة الرئيسية من السيطرة والهيمنة على الانتخابات، مقابل سحق الأحزاب الصغيرة والمستقلين".
أضاف أيضاً أن "التعديلات الجديدة هي نتيجة لسيطرة الإطار التنسيقي على البرلمان، وأنها تهدف إلى توسيع هذه السيطرة ومد هيمنته على مجالس المحافظات أيضاً"، في إشارة إلى اعتماد نظام "سانت ليغو" الانتخابي على قانون انتخابات مجالس المحافظات أيضاً.
من المزمع أن تجري انتخابات مجالس المحافظات في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد توقف استمر منذ عام 2013، بسبب الأزمات الأمنية التي مر بها العراق.
الانتخابات السابقة
يعد الإطار التنسيقي مظلة تنضوي تحتها أغلب الأحزاب الشيعية بأجنحتها المسلحة، سواء المعتدلة أو المقربة من إيران، وخاض معركة سياسية كبيرة مع التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي والسياسي، مقتدى الصدر، منذ الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما أدى إلى انسداد سياسي، انتهى باستقالة نواب التيار الصدري من البرلمان، وسيطرة نواب الإطار التنسيقي الشيعي على مجلس النواب.
انتخابات 2021 جاءت بعد حركة احتجاجية واسعة النطاق في جميع أنحاء العراق، عُرفت باسم "حركة تشرين" التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتم تعديل قانون الانتخابات البرلمانية عام 2020، إذ كان مطلباً رئيسياً للمحتجين، بعد المطلب الأول بإقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
جاءت تعديلات عام 2020 ليعتمد العراق على عدد دوائر انتخابية أكبر، تمكن الكثير من الأحزاب السياسية الصغيرة والمستقلة من خوض المنافسة أمام الأحزاب السياسية الرئيسية المسيطرة على المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، بعد الغزو الأمريكي للعراق، بالإضافة إلى حساب الأصوات للمرشحين الفرديين وليس للأحزاب.
كان من بين أهم النتائج أيضاً، تمكن السياسيين المستقلين والأحزاب السياسية المنبثقة من الحركة الاحتجاجية من الوصول إلى البرلمان، فاحتلوا معاً حوالي 40 مقعداً من أصل 329 مقعداً في مجلس النواب العراقي، ما مكنهم من تشكيل جبهة معارضة ضد الأحزاب السياسية المسيطرة.
غضب التيار الصدري من التعديلات الجديدة
أثارت التعديلات الجديدة المقدمة لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات، غضب التيار الصدري، الذي كان نوابه في البرلمان السابق لعام 2018 قد بذلوا جهوداً لتمرير قانون الانتخابات الجديد لعام 2020، الذي مكنهم من الفوز الكبير في الانتخابات البرلمانية لعام 2021.
حصل حينها التيار الصدري على 73 مقعداً، وهو الرقم الأكبر له منذ عام 2003، ليصبح التيار الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان العراقي، التي يحق لها تشكيل الحكومة الجديدة.
لكن بعد انسحابهم من البرلمان في يونيو/حزيران 2022، بعد فشل مقتدى الصدر في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، لم تعد لديهم القدرة الآن على الاعتراض على التعديلات الجديدة.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي عراقي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات البرلمانية سيؤذي التيار الصدري، لأن اعتماد جعل لكل محافظة دائرة انتخابية واحدة لن يمكّن التيار الصدري من حصد الكثير من الأصوات في المناطق التي لا يتمتع فيها بقاعدة جماهيرية".
وأضاف: "في المقابل، سيمكن ذلك الإطار التنسيقي من الفوز بالكثير من الأصوات، لانتشار قاعدته الجماهيرية في مناطق أكثر من مناطق النفوذ الصدري".
أما عن التيار الصدري، فقال أحد قادته لـ"عربي بوست": "لن تمر هذه التعديلات بسلام، وسنقاطع الانتخابات البرلمانية القادمة، ولن يتمكن الآخرون من استكمال العملية السياسية".
وأكد أن "التعديلات الجديدة تعود بالعراق إلى نظام الفساد والتزوير"، وفق وصفه.
يشار إلى أن التعديلات على قانون الانتخابات البرلمانية التي من المحتمل أن يوافق عليها البرلمان العراقي في أوائل شهر أبريل/نيسان المقبل، تعتمد على الفرز اليدوي بدلاً من الفرز الإلكتروني الذي كان معمولاً به في قانون الانتخابات الجديد في عام 2020.
ولطالما اتهم الإطار التنسيقي الشيعي وأنصاره نظام الفرز الإلكتروني بأنه السبب في خسارتهم للكثير من الأصوات، في الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.
في السياق ذاته، وفي حديثه لـ"عربي بوست"، قال القيادي في التيار الصدري إن "الفرز اليدوي للأصوات، أكبر باب للتزوير، وهذا ما يريده البعض من أجل تعويض خسارتهم السابقة في الانتخابات".
أوامر الصدر لقادة تياره بعدم مغادرة البلاد
"بالطبع لن يقف مقتدى الصدر مكتوف الأيدي، ونتوقع الأسوأ"، جملة لخصت الموقف الحالي للتيار الصدري، التي عبَّر عنها مسؤول حكومي عراقي مقرب من التيار الصدري، تعليقاً على رفض زعيم الحركة، مقتدى الصدر للتعديلات الجديدة لقانون الانتخابات البرلمانية التي عمل عليها خصومه في الإطار التنسيقي.
كشف مصدر آخر مقرب من التيار الصدري لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم نشر هويته: "مقتدى الصدر أصدر أوامر لعدد من أبرز قادة التيار الصدري بعدم مغادرة العراق، من الآن وحتى انتهاء عيد الفطر".
أضاف أيضاً أنه "من المتوقع أن يلجأ مقتدى الصدر إلى الضغط على الإطار التنسيقي والحكومة عبر الاحتجاجات الشعبية، فهي سلاحه الوحيد الآن".
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، جاءت بعد ترشيح اسمه من الإطار التنسيقي الشيعي، بعد أن ظل العراق بدون حكومة لمدة تزيد عن العام، بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ليتولى السوداني منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
لجأ كذلك مقتدى الصدر إلى الشارع، في عام 2022، عندما قام أنصاره بمحاصرة مبنى البرلمان والقصر الرئاسي، واشتبكوا مع خصومهم في الإطار التنسيقي، من أجل تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بدلاً من تشكيل حكومة ائتلافية كما جرت العادة في العراق منذ عام 2003.
حلفاء سابقون للصدر ينضمون إلى التعديلات الجديدة
قبل أن يأمر الصدر نوابه بتقديم استقالاتهم من مجلس النواب في يونيو/حزيران 2022، كان قد دخل في تحالف ثلاثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر حزب كردي في إقليم كردستان العراق شبه المستقل، وصاحب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية الكردية في مجلس النواب العراقي، بالإضافة إلى التحالف السني بقيادة رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي.
لكن بعد أشهر طويلة من ضغط الإطار التنسيقي على حلفاء الصدر، السنة والأكراد، من جهة، ومن جهة أخرى عدم ثقة هؤلاء الحلفاء بالصدر نفسه، قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني وجبهة تقدم السنية بالتخلي عن دعمهم لمقتدى الصدر، والتحالف مع الإطار التنسيقي وفق تصريحات لهم أدلوا بها في حينها.
وصل هذا التحالف إلى ذروته، بعد موافقة الأكراد والسنة على التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات البرلمانية التي يدعمها الإطار التنسيقي.
تعليقاً على ذلك، أكد المصدر المستقل لـ"عربي بوست"، أن "الإطار التنسيقي وبالتحديد نوري المالكي، عقدوا الكثير من الصفقات مع الأكراد والسنة".
أوضح المصدر ذاته أن "وفداً من الإطار التنسيقي ذهب إلى أربيل، لعقد الاجتماعات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، للتفاوض معهم للحصول على موافقتهم على تعديلات قانون الانتخابات، وقد حققوا هدفهم، لا سيما أن ذلك يتوافق مع زيادة حصتهم في الموازنة المركزية".
أما بالنسبة إلى تحالف "تقدم" السني، بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، ومسألة موافقة نوابه على تعديلات قانون الانتخابات البرلمانية، فيقول سياسي سني عراقي لـ"عربي بوست"، إن "الإطار التنسيقي مارس ضغوطاً على الحلبوسي لتمرير التعديلات الجديدة، ووصل الأمر إلى محاولة الانقلاب عليه وعزله من منصب رئيس البرلمان، لكن في النهاية كلا الطرفين يستطيع التوصل إلى تسوية مناسبة".
قلق السيستاني ورفضه للتعديلات الجديدة
لم يتوقف رفض التعديلات الجديدة لقانون الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات على المستقلين والتيار الصدري فقط، بل وصل إلى أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق، علي السيستاني.
في خطبة الجمعة الماضي 24 مارس/آذار 2023، اعترض ممثل السيستاني، عبد المهدي الكربلائي على التعديلات التي تمت مناقشتها في البرلمان بخصوص قانون الانتخابات، قائلاً: "لا للقائمة المغلقة، ولا للدائرة الواضحة"، في إشارة إلى اقتراح حل الدوائر الانتخابية الحالية في العراق، الذي يقسم العراق إلى 88 دائرة انتخابية، وجعلها 18 دائرة فقط لكل محافظة من المحافظات الـ18.
مصدر مقرب من عبد المهدي الكربلائي، الذي يعد ممثلاً عن السيستاني، قال في حديثه لـ"عربي بوست": "السيد السيستاني يرفض التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات، ويرى أنها تفتح الأبواب مرة أخرى لدخول العراق في دائرة من المشاكل والاشتباكات بين أنصار كل جماعة".
أضاف كذلك أن "المرجعية أيدت في السابق قانون الانتخابات في عام 2020، باعتباره خطوة أولى لتعديل النظام السياسي الذي رفضه الشباب العراقيون، لكن بالعودة إلى القانون القديم، ستدخل البلاد في الأزمة القديمة ذاتها، وهذا ما يخشاه السيستاني".
مخاوف من عودة الاحتجاجات
كان من المقرر أن يقوم رئيس الوزراء "السوداني" بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، من أجل حل الخلاف بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وكان قد وعد بذلك عقب توليه منصبه.
لكن مصادر مقربة من الإطار التنسيقي قالت لـ"عربي بوست"، إن كبار قادة الإطار يرفضون هذا الإجراء، وضغطوا على السوداني للعدول عن تنفيذ وعده.
في المقابل، ومع احتمالية موافقة البرلمان على التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات، فإن المخاوف من زيادة هيمنة الإطار التنسيقي الشيعي على الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات القادمتين، تزداد.
الأمر ذاته عبر عنه أحمد منتظر، الباحث السياسي العراقي، في حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "خسر الإطار التنسيقي انتخابات عام 2021 بسبب قانون الانتخابات الجديد في عام 2020، وكان أول هدف له بعد إعادة إحكام سيطرته على البرلمان هو التخلص من هذا القانون والعودة إلى القانون القديم، ليتمكن من الاستمرار في نفوذه بعد تهديد الصدر بإقصائه".
أما عن الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى في البرلمان، فقال إن "التعديلات الجديدة هي طوق نجاة لها، لضمان استمرار سيطرتها على السلطة، كما أنها ستمكنها من إقصاء خصومها من المستقلين والمعارضين، لكن في الوقت ذاته تمرير هذه التعديلات يحمل الكثير من المخاطر، على رأسها لجوء الصدر إلى سياسية احتجاجات الشوارع".
يأتي ذلك في وقت يمر فيه العراق بواحدة من أكبر أزماته الاقتصادية بسبب الإجراءات المشددة التي فرضها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على عمليات التحويلات الدولارية في العراق بهدف منع تهريب الدولار الأمريكي من العراق إلى إيران، ولمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومحاولة من واشنطن للسيطرة على طهران في طرقها للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
على ضوء ذلك، يخشى العديد من الخبراء السياسيين في العراق، من أن تُثير التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات البرلمانية غضب الكثير من العراقيين بالإضافة إلى أنصار التيار الصدري، في وقت يتعرض فيه الشعب العراقي لأزمة اقتصادية، ما قد يدفعهم إلى النزول إلى الشوارع مرة أخرى، وهذه المرة ضد الحكومة الحالية، ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”