على وقع الفقر والنزوح وتوالي الكوارث الطبيعية والعواصف المطرية وموجات الغلاء ونقص السلع الغذائية، يستقبل السوريون في المخيمات ومراكز الإيواء في مناطق الشمال السوري شهر رمضان المبارك هذا العام، بأجواء طغت عليها مشاعر الألم والخوف.
تستقبل أكثر من 7 آلاف عائلة الشهر الكريم بحزن عميق على فقدان أحبة وأقارب قضوا بالزلزال المدمر، ضمن مراكز إيواء خاصة بمنكوبي كارثة الزلزال في إدلب وريف حلب.
بكلمات غلب عليها الحزن، وبعيون تملؤها الدموع، تحدَّث أبو محمود (51 عاماً) لـ"عربي بوست"، عن حاله واستعداده لشهر رمضان هذا العام، قائلاً "نحن لسنا بخير، عائلة فقدت 5 من أبنائها وأحفادها بالزلزال لن تكون بخير".
"لن يكون لموائد الإفطار أي طعم، بعد أن غيّب الموت عنا من نحبهم، وكذلك مئات بل آلاف العائلات المنكوبة، لن تكون بخير في شهر رمضان هذا العام"، على حد تعبير أبو محمود الذي فقد 5 من أفراد أسرته بالزلزال المدمر في منطقة جنديرس بريف حلب، واضطر للعيش في خيمة بعد دمار منزله.
بسبب الحزن والألم على فراق الأحبة لن تتضمن موائد إفطار هذه الأسرة أي طعام يدعو للسرور والفرح، بل ستقتصر موائدهم على المأكولات البسيطة، بعيداً عن الشراب والعصائر التي اعتادوا على تناولها عند الإفطار في شهر رمضان سابقاً.
"حتى صلاة التراويح لن تكون كسابق عهدها، أنا حزين أيضاً على أصدقائي الذين قضوا بالزلزال وكانت صلاة التراويح تجمعني بهم كل يوم ونتبادل الأحاديث الجميلة فيما بيننا عند عودتنا إلى المنازل"، يقول أبو محمود.
فقدان الطعام
قبل أيام قليلة من قدوم شهر رمضان، ضربت عاصفة مطرية مناطق شمال غربي سوريا، وتسببت سيولها الجارفة بغرق أكثر من 1000 خيمة للنازحين في شمال إدلب وريف حلب، وخلفت أضراراً كبيرة في ممتلكاتهم البسيطة ضمن الخيام، بما فيها المواد الغذائية التي جرى تحضيرها لشهر رمضان المبارك.
تقول أم زيد (38 عاماً)، وهي نازحة من ريف حلب الجنوبي وتقيم في مخيمات "أطمة" وتعيل 4 أطفال بعد وفاة زوجها، إنها تعيش حالة من الحزن العميق والخيبة، بعد فقدانها كميات الطعام التي عملت على تحضيرها وجمعها منذ شهور استعداداً لشهر رمضان.
كانت الأطعمة المخزنة عبارة عن كميات قليلة من البرغل والزعتر وحبوب الحمص والسكر والشاي، لكن السيول التي ضربت خيمتها أضاعت كل هذه المواد الغذائية.
لا تملك أم زيد نقوداً كثيرة، فهي تملك ثمن طعام لا يكفي سوى أيام قليلة، وستكون وأطفالها على حافة الجوع، ما لم تبادر الجمعيات الإنسانية بتقديم الطعام والوجبات الرمضانية، ريثما تزول الكارثة التي ألمّت بها، وتعود للعمل مجدداً في أحد المعامل لصناعة الألبسة في منطقة أطمة شمال إدلب، لكسب ثمن قوت عائلتها ومستلزماتهم المعيشية اليومية.
مبادرات شخصية للمساعدة خلال شهر رمضان
يستقبل أبو خليل في مدينة سرمدا شمال إدلب شهر رمضان هذا العام على طريقته الخاصة، من خلال مطبخه الذي أنشأه مؤخراً من ماله الخاص. ومع أول يوم من أيام شهر رمضان سيبدأ أربعة عمال بطهي الطعام وتوزيع الوجبات الرمضانية بشكل يومي على العائلات الفقيرة بما فيها النازحة في منطقته.
"خطتنا في تقديم الوجبات الرمضانية للعائلات الفقيرة تقوم على توزيع ما يقارب 200 وجبة بشكل يومي، وكل وجبة تكفي 5 أفراد"، بحسب أبو خليل.
ستتكون هذه الوجبات من الأرز والبرغل والفريكية بشكل رئيسي طوال الشهر، وسيضاف إليها كمية من الفروج المطبوخ أو اللحوم، إضافة إلى المرقات بكل أنواعها، مع ربطة خبز.
وختم قائلاً "شهر رمضان شهر الخير، ونطلب من الله أن يحسب أعمالنا في ميزان حسناتنا، فالوقوف إلى جانب الفقراء في هذا الشهر الفضيل لا يُقدّر بثمن عند الله".
أما أحمد، ابن مدينة أريحا بريف إدلب، فقرر الوقوف إلى جانب أهله بعد الكوارث التي ألمت بهم، من خلال تخفيض أسعار (الحلويات والمشبك والقطايف)، وبيعها بسعر التكلفة، مع قدوم شهر رمضان كمبادرة شخصية لمساعدة المواطنين على شرائها وتناولها بعد الإفطار.
في دمشق.. النظر إلى البضائع دون شرائها
أما في العاصمة السورية دمشق، ومع قدوم شهر رمضان، فيعيش السوريون أنواعاً مختلفة من الألم، إنه ألم تأمل البضائع والسلع الرمضانية دون أن تستطيع أيديهم الوصول إليها.
إذ يكتفي المواطنون أثناء تجولهم في الأسواق بالنظر إلى البسطات وواجهات المحال التجارية المعروض فيها أصناف محدودة من المواد الغذائية والحلويات الرمضانية، ولا يجرؤ سوى أصحاب الدخل الميسور منهم على الاقتراب منها وشراء كميات قليلة، نظراً لأسعارها المرتفعة.
يقول أبو جهاد، أحد أبناء حي المرجة وسط العاصمة دمشق، "عندما يقبل شهر رمضان على المواطنين في دمشق وتكون أسعار المواد الغذائية واللحوم والسمن والزيوت وأيضاً التمور في الأسواق باهظة، وتفوق أسعارها قدرة المواطنين المادية على شرائها، حتماً لن تكون هناك أي مشاهد للبهجة والسرور مع قدوم شهر رمضان في الأسواق التي أيضاً غابت عنها الزينة والأضواء أمام المحال التجارية فرحاً بقدوم رمضان".
يكتفي الناس في كثير من الأحيان في الأيام التي تستبق شهر رمضان بالنظر فقط إلى المواد الغذائية من حلويات وحلاوة وتمور وزبدة، بسبب أسعارها التي تفوق قدرتهم الشرائية.
إذ يبلغ سعر كيلو التمر بين 15 إلى 40 ألف ليرة سورية، أما سعر كيلو الحلاوة فقد وصل إلى 100 ألف ليرة سورية، بينما وصل سعر الكيلوغرام الواحد من الفروج إلى 30 ألف ليرة. وقفز سعر كيلو لحم الخروف بسرعة إلى 100 ألف.
بينما أقل سعر للكيلو الواحد من الخضراوات كالفاصولياء والفول والبقدونس والخس على البسطات وصل إلى 7000 ليرة سورية.
وشكا أحمد، صاحب بقالة في حي العمارة بالقرب من المسجد الأموي، وسط العاصمة دمشق، حالة الركود وتراجع القوة الشرائية في الأسواق والبقالات، وفي أفضل الحالات يكون فيها بيع المواد الغذائية للمواطنين بكميات قليلة جداً، وقد لا تصل إلى الكيلوغرام الواحد، وكثيراً ما يكون البيع بالحبة.
على سبيل المثال، لدى أحمد زبائن من أبناء الحي، موظفون في دوائر حكومية ولا يتجاوز راتب الواحد منهم المئة ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 40 دولاراً أمريكياً تقريباً، وليس بوسعهم شراء مادة السمن إلا بالأوقية الواحدة، وكذلك الزيت النباتي، أما الخضراوات فبالحبة، وذلك حتى مع قدوم شهر رمضان.
ولفت "هناك عائلات في الحي ستلجأ إلى طهي الطعام على النار، لتوفير بعض النقود على حساب مادة الغاز، التي بلغ سعر الأسطوانة منها في السوق السوداء 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نصف راتب الموظف.
بينما ستلجأ عائلات أخرى للمشي على الأقدام إلى المزارع في القرى القريبة المحيطة بدمشق، كالغوطة الشرقية، خلال شهر رمضان، لشراء الخضراوات منها بشكل مباشر بأسعار أقل من أسعارها في أسواق العاصمة، لتوفير المال.