أصبح إصلاح نظام التقاعد معتمداً بعدم تمكُّن المعارضة الفرنسية، الإثنين 20 مارس/آذار 2023، من إسقاط الحكومة، بموجب مقترح حجب الثقة الذي وضعته الجمعة، على خلفية تمرير الجهاز التنفيذي بالقوة مشروع قانون إصلاح التقاعد، بدون عرضه على مجلس النواب، وبالاعتماد على بند 49.3 من الدستور.
حيث شهدت الجمعية الوطنية نقاشاً حاداً بين المعارضة والأغلبية المؤيدة للحكومة، ساد فيه تبادل الاتهامات بين الطرفين، في وقت تؤكد فيه النقابات مواصلة نضالها في الشارع؛ للتعبير عن رفضها للإصلاح المذكور، وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس الإثنين 20 مارس/آذار 2023.
قلق بسبب قانون التقاعد
من جانبها انتقدت إليزابيث بورن بحدةٍ طريقة تعامل المعارضة، حسب تعبيرها، مع الحكومة على خلفية الإصلاح، فيما انسحب جزء منها، المحسوب على حزب "فرنسا الأبية"، من البرلمان في أثناء عرض كلمتها قبل أن يفسح المجال للتصويت. وعبَّرت بورن عن تفهمها للقلق الذي ولَّده الإصلاح، مشيرة إلى الفئات المستفيدة منه، كما أكدت أن الحكومة أخذت الوقت الكافي للنظر في جميع المقترحات الصادرة عن الكتل النيابية المكونة لمجلس النواب. واعتبرت أنها ذهبت بعيداً في توافقات، في خطوة غير مسبوقة.
في حين اتهمت رئيسة المجموعة النيابية لحزب "النهضة" الذي يقود الأغلبية الحاكمة، المعارضة بمحاولة "وقف البلد" عبر مقترح حجب الثقة. واستهجنت ما سمته "التحالفات الظرفية" بين مكونات المعارضة ضد الإصلاح المثير للجدل. فيما وجَّه رئيس المجموعة النيابية للحزب الجمهوري، أوليفييه مارليكس، الاتهام للمعارضة بأنها "بصدد جر البلد نحو الأسفل".
على الجهة المعارضة، اعتبرت رئيسة المجموعة النيابية لحزب "فرنسا الأبية" اليساري، ماتيلد بانو، أن الحكومة "خدعت الفرنسيين" الذين صوتوا لها، وأن هذه الحكومة "ماتت مسبقاً"، كما انتقدت ماكرون بشدة، معتبرةً أنه "جلب العار لفرنسا".
من جهته، توعَّد شارل دو كورسون عن مجموعة "ليوت"، تحالف رافض للإصلاح بينه أحزاب اليسار، باللجوء إلى المجلس الدستوري. أما اليمين المتطرف، فاعتبر على لسان لور لفاليت عن المجموعة النيابية لـ"التجمع الوطني"، أنه "مهما كانت نتيجة التصويت فالحكومة ستكون خاسرة".
في حين أنه ولإسقاط الحكومة، كان يجب أن تصوّت الأغلبية المطلقة بالجمعية الوطنية لحجب الثقة عن الحكومة بـ287 صوتاً. لكن صوَّت لصالحه 278 فقط، أي بفارق قليل عن العدد المطلوب للإطاحة بالحكومة. وكانت المعارضة تعوّل على دعم الحزب الجمهوري لنيل أصواته، والذي ظهر منقسماً بخصوص المشروع.
تواصل المظاهرات في الشارع
يأتي هذا، في وقت تواصل فيه النقابات ضغطها عبر الشارع لوقف مثل هذا الإصلاح. كرر الأمين العام لنقابة "سي إف دي تي"، لوران بيرجيه، الجمعة، تحذيره من تفاقم الغضب في البلاد، داعياً الرئيس الفرنسي إلى "سحب الإصلاح".
كما أعلنت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي)، في وقت سابق، أن أكبر مصفاة بالبلد، والتي تقع في النورماندي (شمال غرب) وتديرها شركة "توتال إنرجي"، بدأت بالتوقف عن العمل، علماً أن المضربين عطَّلوا منذ بداية الحركة الاحتجاجية شحنات الوقود، لكن لم تتوقف أي من المصافي الفرنسية السبع عن العمل بالكامل.
تجمَّع متظاهرون مجدداً، الأحد، في عدة مدن فرنسية، لا سيما في باريس، حيث وقعت حوادث، الخميس والجمعة ومساء السبت، منددين بـ"إنكار الديمقراطية".
أما على الجبهة الاجتماعية، فلا تزال عدة قطاعات اقتصادية أساسية تشهد بعض المشاكل، لا سيما المواصلات وجمع النفايات وتوزيع الوقود.
فيما خرج سيد الإليزيه، الخميس، عن صمته، حيث أعرب في رسالة وجهها إلى رئيسي مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، عن "رغبته في أن يتمكن النص حول التقاعد من المضي إلى نهاية مساره الديمقراطي وسط احترام الجميع".
كذلك فإسقاط الحكومة كان من المحتمل أن يدفع الرئيس ماكرون إلى اللجوء لحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات مبكرة، في وقت تراجعت فيه شعبيته باستطلاعات الرأي إلى 28%، أدنى مستوياتها منذ 2019.
إصلاحات ماكرون الكبرى
يعد هذا المشروع أحد الإصلاحات الكبرى التي تعهد بها ماكرون وإن كان يلقى رفضاً واسعاً في الأوساط الفرنسية، حسب ما أظهرته استطلاعات الرأي. ولم تسقط أي حكومة في فرنسا نتيجة مذكرة بحجب الثقة منذ بدء الجمهورية الخامسة في 1958.
يُذكر أنه ومنذ الإعلان عن تقديم ملتمس رقابة للإطاحة بالحكومة، أبدت الأخيرة تفاؤلها بشأن مستقبلها على لسان بعض وزرائها، معتبرةً أن الانقسامات في صفوف المعارضة أكبر من أن تفضي إلى إنهاء مسيرتها.
في ردٍّ منه، انتقد وزير العمل أوليفييه دوسوبت، الأحد، في تصريح لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، المعارضة، قائلاً: "إنه من أجل إقرار مذكرة بحجب الثقة يجب أن تُجمع ائتلافاً من المعارضين والمناهضين؛ لتحقيق غالبية شديدة التباين وبدون خط سياسي مشترك".
بدوره لم يظهر وزير الاقتصاد برونو لومير، وهو أحد الوجوه البارزة في الجهاز التنفيذي، أي قلق على مستقبل الحكومة، وصرح في مقابلة مع صحيفة "لوباريزيان" قبل التصويت على حجب الثقة، أنه "لن يكون هناك غالبية لإسقاط الحكومة، لكنها ستكون لحظة حقيقة".
فيما يعتبر سن التقاعد في فرنسا من الأدنى في أوروبا، ولو أنه لا يمكن المقارنة بين مختلف الأنظمة. وتبرر الحكومة رفعه سنتين بضرورة التصدي لتراجع الموارد المالية لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان.
مظاهرات عنيفة في فرنسا بسبب قانون التقاعد
في حين اندلعت اضطرابات عنيفة، وتعهدت نقابات عمالية بتكثيف إضراباتها، مما جعل ماكرون يواجه أخطر تحدٍّ لسلطته منذ احتجاجات "السترات الصفراء" قبل أكثر من أربع سنوات. ولإسقاط الحكومة، يحتاج معارضو ماكرون إلى دعم أغلبية من 577 نائباً في تحالف يجب أن يمتد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
في الوقت نفسه أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيلاب، إلى أن ثلثي الفرنسيين يريدون إسقاط الحكومة.
كما أظهرت استطلاعات أخرى انخفاض شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها منذ احتجاجات السترات الصفراء في 2018 و2019، وهي حملة بدأت باحتجاج شعبي على زيادة الضرائب على الديزل ثم تحولت إلى حركة أوسع مناهضة للحكومة.
بلبلة في قطاع المواصلات
فيما تجمع متظاهرون مجدداً، الأحد، في عدة مدن فرنسية لا سيما في باريس، حيث وقعت حوادث، الخميس والجمعة ومساء السبت، منددين بـ"إنكار الديمقراطية".
على الجبهة الاجتماعية، لا تزال عدة قطاعات اقتصادية أساسية تشهد بلبلة، لا سيما المواصلات وجمع النفايات وتوزيع الوقود. وباشر معارضون وقف أكبر مصفاة تكرير بفرنسا تقع في النورماندي (شمال غرب)، وقد تتبعها مواقع أخرى.
حيث يعتبر سن التقاعد بفرنسا من الأدنى في أوروبا، ولو أنه لا يمكن المقارنة بين مختلف الأنظمة. وتبرر الحكومة رفع سن التقاعد سنتين بضرورة التصدي لتراجع مالية صناديق التقاعد وشيخوخة السكان.
يذكر أن دراسة استقصائية شملت 2000 شخص ونُشرت نتائجها في صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الأسبوعية، كشفت أن نسبة تأييد ماكرون تبلغ 28 با، وهي في أدنى مستوياتها منذ مظاهرات "السترات الصفراء" الواسعة النطاق في 2019 والتي انطلقت احتجاجا على ضريبة جديدة على الوقود.