قدمت الأحزاب الفرنسية المعارضة لقانون إصلاح سن التقاعد، الجمعة 17 مارس/آذار 2023 مقترحاً لحجب الثقة عن الحكومة إلى البرلمان، وذلك بعدما استخدمت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، سلطات دستورية خاصة لفرض القانون دون موافقة البرلمان، بتصريح من الرئيس إيمانويل ماكرون؛ وهو ما أثار غضباً بين أعضاء المعارضة في البرلمان؛ ما دفعها للتحرك في البرلمان.
في حين أفادت صحيفة "لو فيغارو" اليومية بأن أعضاء الكتلة المستقلة "ليوت" المدعومة من اليساريين، و5 أحزاب معارضة أخرى، وهو ما مجموعه 91 نائباً، قدموا أول اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة. كما أعلنت النائبة لور لافاليت أن حزب التجمع الوطني "RN" قدم اقتراحاً آخر بحجب الثقة، حسبما أفادت القناة البرلمانية "إل سي بي".
محاولات لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية
في سياق متصل، يحتاج حجب الثقة عن الحكومة إلى موافقة 287 نائباً من أصل 577 في الجمعية الوطنية (البرلمان).
في غضون ذلك، قامت قوات الأمن الفرنسية، مساء اليوم، بإخلاء ساحة لاكونكورد بالعاصمة باريس، بعد إعادة تجمع نحو 4 آلاف متظاهر للاحتجاج على قانون التقاعد.
في وقت سابق، قال وزير الداخلية جيرالد دارمانين، إنه "تم توقيف 310 أشخاص، بهدف استجوابهم على هامش مظاهرة مفاجئة ضد مشروع قانون إصلاح التقاعد". وخرج الآلاف إلى شوارع عدة مدن فرنسية؛ احتجاجاً على استخدام الحكومة المادة الدستورية 49.3 لتمرير قانون إصلاح نظام التقاعد مساء الخميس، في مظاهرات عفوية.
ماكرون يقر قانون سن التقاعد
كانت الحكومة قد أقرت – بموافقة الرئيس ماكرون– مشروع قانون إصلاح سن التقاعد، دون إحالة المسودة النهائية للتصويت في الجمعية الوطنية. وأعلنت رئيسة الوزراء في خطاب بالبرلمان، اعتماد المادة الدستورية 49.3 التي تتيح للحكومة التصديق على القوانين دون تصويت برلماني.
جاء القرار الحكومي في أعقاب تصديق مجلس الشيوخ ذي الأغلبية اليمينية، صباح الخميس، على نص التسوية لإصلاح نظام التقاعد الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، في جلسة استمرت ساعة و45 دقيقة.
في السياق، عزا ماكرون خلال جلسة عقدها مع عدد من الوزراء والسياسيين، الخميس، تمرير قانون التقاعد دون تصويت برلماني إلى "المخاطر المالية والاقتصادية الكبيرة" التي تواجهها فرنسا.
في حين قال خبير الرأي العام أنطوان بريستيل، من مؤسسة "جان جوريس"، لوكالة الأنباء الفرنسية إن "المادة 49.3 في خيال الفرنسيين مرادفة للوحشية، إنه الشعور بأن الحكومة لا تصغي". وأضاف: "في الشارع، هذا سيُعطي زخماً جديداً للتعبئة".
كذلك فلدى المعارضة، تواجه حكومة إليزابيث بورن مطالب مختلفة لحجب الثقة، طرحتها أحزاب المعارضة يميناً ويساراً. جاءت إلى حد الآن من كتلة "ليوت" المدعومة من اليساريين تلاها طلب قدمه نواب اليمين المتطرف بعد ظهر الجمعة.
صيحات استهجان في البرلمان
قوبل خطاب بورن بالجمعية العامة بصيحات استهجان؛ في تأكيد على عجز ماكرون على تحصيل الأغلبية اللازمة لتمرير القانون.
في المقابل، حذر زعيم حزب "الجمهوريين" اليميني إيريك سيوتي من أن حزبه لن يصوت على "أي منها"، ما من شأنه مساعدة الحكومة على الإفلات من مساعي المعارضة لحجب الثقة منها. ويتمتع نواب الائتلاف الرئاسي بأغلبية نسبية، ما يجعل نواب أقصى اليسار وأقصى اليمين بحاجة للتوافق فيما بينهم، إضافة إلى دعم "الجمهوريين".
في حين يقرأ نائب رئيس تحرير إذاعة مونت كارلو الدولية مصطفى طوسة في إصدار مقترحات مختلفة لحجب الثقة عن الحكومة رسالة مفادها أن المعارضة بمختلف حساسياتها في البرلمان ستجعل ما تبقى من سنوات ماكرون في الإليزيه مليئة بالمطبات. وقال: "ماكرون صب الزيت على النار في علاقته بالمعارضة عندما حرمها من مناقشة مشروعه الإصلاحي بالبرلمان وتمريره بالقوة. الأحزاب اليسارية واليمينية بالجمعية الوطنية على حد السواء ستعمل على أن ينهي ماكرون ما تبقى من ولايته بصفة رئيس يحكم ولا يسود". وأضاف: "هذه الأحزاب ستلجأ حتماً إلى اتخاذ مواقف انتقامية ضده".
الرسالة الثانية جاءت من الشارع مع خروج احتجاجات في مدن فرنسية عدة؛ عقب إقرار قانون إصلاح نظام التقاعد، تخللتها أعمال شغب، وكان أبرزها في ساحة "الكونكورد" في باريس؛ حيث لجأت قوات الأمن إلى فض المحتجين بالقوة.
كما تخللت المظاهرات التي خرجت في مدينتي رين ونانت (غرب فرنسا) أعمال عنف وإطلاق مفرقعات باتجاه قوات الأمن وتخريب للأملاك العامة. كما وقعت بعض أعمال شغب في مدن كبرى أخرى مثل أميان وليل (شمال) وغرونوبل (وسط شرق). وفي مارسيليا (جنوب)، حطم شبان ملثمون واجهة أحد المصارف ولوحة إعلانية، بينما أضرم آخرون النار في حاويات قمامة هاتفين: "تسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل".
إبقاء الاحتجاجات في الشارع
في حين تسعى النقابات العمالية إلى إبقاء شعلة الاحتجاجات والإضرابات موقدة وإعطاء زخم جديد لها، بعد تمرير مشروع إصلاح التقاعد دون تصويت.
كما دعت النقابات إلى تجمعات الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والمظاهرات الخميس المقبل. ونددت بتمرير مشروع القانون بـ"القوة"، مشيرة إلى "المسؤولية التي تتحملها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار"؛ وهو ما اعتبرته "إنكاراً حقيقياً للديمقراطية".
يرى مصطفى طوسة أن النقابات في طريقها لشن معركة كسر عظام ضد الرئيس ماكرون، وقال: "بعد مشاهد أطنان القمامة في العاصمة باريس، من المرجح أن تلجأ النقابات إلى سلاح شل الحياة الاقتصادية في البلاد. فقد شهدنا مثلاً عمليات إغلاق طرق، وقد نشهد في الأيام المقبلة إضرابات تشل حركة الطيران والموانئ الحيوية".
هذا الرفض الشعبي للمشروع تسبب بعزلة سياسية بالنسبة للرئيس ماكرون، حسب صحيفة "لوموند"، على الرغم من أنه حاول حتى آخر لحظة الحصول على أغلبية ولو ضئيلة لتمرير القانون عبر التصويت. وكان ماكرون قد أعلن أنه لا يريد اللجوء إلى المادة 49.3 وأنه يفضل أن يصوِّت النواب على مشروع القانون. لكن السلطة التنفيذية اعتبرت في نهاية المطاف أن الذهاب إلى التصويت يعرّضها لخطر رفضها من قبل النواب.