تدهورت العملة اللبنانية، الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023، إلى مستوى غير مسبوق، وبلغ سعر صرف الدولار الواحد، مئة ألف ليرة لبنانية في السوق الموازية (السوق السوداء)، وذلك مع استمرار الأزمات النقدية والمالية والاقتصادية والسياسية التي تعصب بالبلاد، التي يعاني سكانها من ضائقة اقتصادية شديدة.
كان سعر الصرف الرسمي قد حُدد عند مستوى 15 ألف ليرة، في مقابل الدولار، في شهر فبراير/شباط 2023، مقارنة مع 1507 ليرات سابقاً، ويبقى سعر الصرف الرسمي هذا أقل بستّ مرات من السعر الفعلي لليرة في السوق السوداء، حيث يساوي الدولار 100 ألف ليرة، بحسب ما قالته مكاتب صيرفة.
يتزامن هذا الانهيار بالليرة مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، واستأنفت المصارف اليوم الثلاثاء إضراباً مفتوحاً كانت باشرته في فبراير 2023.
إضراب المصارف كان قد بدأ احتجاجاً على قرارات قضائية، ألزم بعضها المصارف بقبول تسديد ديون بالعملة الأجنبية عائدة لها بالليرة اللبنانية، فيما ألزمتها قرارات أخرى بتسديد ودائع لبعض المودعين بالعملة الأجنبية، ووصفت المصارف هذه القرارات بأنها "تعسفية"، مشيرة الى أنها "تكيل بمكيالين"، بحسب بيان صدر عن جمعية المصارف.
ولم يعد بإمكان المودعين الوصول إلى مدّخراتهم العالقة في المصارف اللبنانية التي فرضت قيوداً على عمليات السحب وتحويل الأموال، وبعد عدة شكاوى، أصدر قضاة قرارات بمنع التصرف بأملاك عدد من المصارف وأموال رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها.
أعادت المصارف فتح أبوابها بعدما تدخّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نهاية فبراير/شباط 2023، قبل أن تستأنف إضرابها.
استدعاء حاكم المصرف المركزي
يأتي تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى هذا المستوى القياسي اليوم الثلاثاء، غداة إبلاغ القضاء اللبناني حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بوجوب الحضور إلى جلسة استماع يوم الأربعاء 15 مارس/آذار 2023 مع محققين أوروبيين، يزورون بيروت للمرة الثانية في إطار تحقيقات حول ثروته، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول قضائي.
تركز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان المركزي، وشركة "فوري اسوشييتس"، المسجلة في "الجزر العذراء" ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة، شقيق رياض سلامة.
يُعتقد أن الشركة لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من المصرف المركزي عبر تلقي عمولة اكتتاب، جرى تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج.
قبل عام أيضاً، أعلنت وحدة التعاون القضائي الأوروبية "يوروجاست" أن فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جمدت 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021″.
انهيار الاقتصاد
ومنذ صيف العام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان.
تسبب الانهيار المتواصل للعملة، في أن محال السوبر ماركت بدأت مطلع مارس/آذار 2023 بتسعير السلع بالدولار، وذلك بقرار من السلطات، وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر، المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90 % من سلعه.
كذلك ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ العام 2019، ويفيد البنك الدولي بأن نسبة التضخم بلغت 332 % من كانون الثاني/يناير 2021 إلى تموز/يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم.
يأتي هذا فيما يزيد الشلل السياسي الوضع سوءاً، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.
كان البرلمان اللبناني ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، قد فشل 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، إذ لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح.