عمال مضربون بفرنسا يرفضون اتهامهم بالكسل! وضحوا أسباب غضبهم رغم ظروف عملهم التي يراها البعض مغرية

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/08 الساعة 18:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/08 الساعة 18:55 بتوقيت غرينتش
احتجاجات في فرنسا ضد الحكومة وماكرون - رويترز

دافع العمال الفرنسيون المضربون عن العمل، عن اتهامهم بأن "الكسل" هو الدافع الرئيسي للاحتجاجات التي يخوضونها ضد إجراءات الحكومة، مشيرين إلى أنهم يعملون بـ"جدية أكبر" على الرغم من أنهم يعملون عدد ساعات أقل مما هو متبع في كثير من الدول حول العالم. 

صحيفة The Washington Post الأمريكية قالت الثلاثاء 7 مارس/آذار، إنه خلال شتاء 2023 ضربت الإضرابات العديد من الدول في غرب أوروبا، لكن النقابات الفرنسية لم تشهد كثيراً من التضامن العابر للحدود في معركتها، اعتراضاً على القرار المنتظر برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً. 

أشارت الصحيفة إلى أن معلقين في دول أوروبا الأخرى، سخروا من الغضب حيال "ما يبدو كأنه إصلاح طفيف" في أي مكانٍ آخر، باستثناء فرنسا

وصف معلقون فرنسا بأنها "جزيرة النعيم"، حيث يحصل موظفو الدوام الكامل على إجازة سنوية لخمسة أسابيع على الأقل، فيما قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إن "الكسل" هو المحرك الرئيسي للاحتجاجات ضد خطة الحكومة.

تُشير الصحيفة إلى أن العمال الفرنسيين يعملون 35 ساعةً فقط في الأسبوع، ويحصلون على استراحات غداء وفترات عطلة مطولة، فضلاً عن "حقهم في قطع اتصالاتهم" المتعلقة بالعمل خارج الساعات الرسمية. 

لكن المحتجين الفرنسيين يقولون إنهم تعرضوا لإساءة فهم مقاصدهم، وقالوا إنّ رد فعلهم الغاضب حيال خطة الرئيس إيمانويل ماكرون لا علاقة له بالكسل، بل هو مرتبط بحقيقة أن الفرنسيين يعملون بجدٍّ كبير، "وأكبر من اللازم في الواقع".

في هذا الصدد، قال برونو بالييه، مدير الأبحاث بمعهد الدراسات السياسية في باريس: "تتفق العديد من النقابات على أن من الضروري الحديث عن العمل نفسه أولاً، قبل التفكير في إصلاح نظام التقاعد، وقد يتفاجأ الأمريكي العادي بسماع ذلك، لأننا نحصل على عطلات مدفوعة الأجر وأسبوع عمل من 35 ساعة في فرنسا. لكن الفرنسيين يعملون بجديةٍ كبيرة للغاية".

الحكومة الفرنسية تواجه احتجاجات واسعة من العمال – رويترز

تُشير إحصائيات من بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أنه عند قياس معدلات الإنتاجية حسب الساعة، سنجد أن العمال الفرنسيين كانوا أكثر إنتاجية من الألمان، وأقل إنتاجية من الأمريكيين بفارق طفيف في عام 2019.

كما تتمتع فرنسا بواحد من أعلى معدلات الاحتراق الوظيفي، وحوادث العمل بين العمال الأوروبيين، وهو الأمر الذي يعزوه الباحثون إلى ثقافة العمل السامة والهرمية، التي تقيد نمو وتفاعل الموظفين. 

كذلك كشفت بيانات المنظمة أن الأمريكيين يتقاضون أجراً أعلى بنحو 17% من العمال الفرنسيين، بعد احتساب فوارق القوة الشرائية.

وعمت إضرابات، الثلاثاء 7 مارس/آذار 2023، أنحاء فرنسا احتجاجاً على مشروع تعديل نظام التقاعد المثير للجدل، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية، وأدت الإضرابات والاحتجاجات التي شارك فيها آلاف المتظاهرين في عدة مدن إلى تعطل حركة النقل وإغلاق بعض المدارس وتكدس النفايات وتوقف شاحنات الوقود، وفق موقع "فرانس24".

اعتراضات على خطة ماكرون 

يُقدم نقاد لخطة ماكرون مجموعةً كبيرة من الحجج المناهضة لرفع سن التقاعد بحلول عام 2030، ومنها أن العمال ذوي الياقات الزرقاء (فئة العمال اليدويين)، سيكونون الأكثر تضرراً، لكن بالييه يقول إن الإحباط من تدهور ظروف العمل، في وجهة نظر كثيرين، "يُعَدُّ عاملاً أساسياً في فهم أسباب المقاومة" أيضاً.

يُحذٌر معارضو خطة ماكرون من أن رفع سن التقاعد سيدفع بكثير ممن أوشكوا على التقاعد إلى هوة البطالة، أو إلى العثور على وظائف أصعب جسدياً في اقتصاد الوظائف المؤقتة.

ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – رويترز

كانت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، قد لمحت الشهر الجاري، إلى احتمالية وجود مساحةٍ لحلٍّ وسط في ما يتعلق بظروف العمل، واعترفت بأن الفرنسيين "ليسوا سعداء في عملهم"، ووعدت بالتطرق إلى أسباب استيائهم، لكن النقاد اليساريين يقولون إن إليزابيث وغيرها يتطرقون إلى الأمر بطريقةٍ خاطئة.

تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن الاقتصادي الفرنسي فيليب أسكينازي كان عضواً في فريق باحثين أمريكيين وفرنسيين قبل نحو 10 سنوات، ودرس ذلك الفريق ظروف عمل موظفي الصراف داخل متاجر السوبرماركت الأمريكية والفرنسية. 

وجد الفريق أن الصرافين الفرنسيين كانوا مطالبين بأهداف أعلى في وظيفتهم، ويضيفون قيمةً أكبر من نظرائهم الأمريكيين في الساعة الواحدة.

يعزو أسكينازي ارتفاع عبء العمل في فرنسا إلى تبني أسبوع العمل لـ35 ساعة في عام 2000. إذ كان الغرض من القرار هو تعزيز النمو الوظيفي، لكنه خلق بيئة عمل مناقضة بعض الشيء.

يقول مركز أبحاث Jean-Jaurès Foundation اليساري، إن الفرنسيين أصبحوا أقل حماسة لأهمية وظائفهم، وأقل فخراً بشركاتهم منذ تطبيق أسبوع العمل لـ35 ساعة، كما قلت أعداد المهتمين بالوظائف الإدارية، بينما انفصل البعض عن وظائفهم خلسةً في اتجاهٍ يحاكي صيحة "الاستقالة الصامتة" حول العالم.

استشهد بالييه بحالات الانتحار العديدة المرتبطة بالعمل، باعتبارها أبرز مثال على ثقافة العمل السامة التي برزت في فرنسا.

تحميل المزيد