تظاهر الاتحاد التونسي للشغل في العاصمة تونس، السبت 4 مارس/آذار 2023، وحشد الآلاف من أنصاره ضد الرئيس قيس سعيد، في استعراض لقوته، بعد إجراءات اتخذتها السلطات بحق المعارضين في الآونة الأخيرة، وذلك في وقت حذّر فيه الرئيس قيس سعيد من مشاركة أجانب في الاحتجاجات.
وكالة رويترز قالت إن هذا الاحتجاج الذي نظمه الاتحاد التونسي للشغل "هو الأكبر إلى الآن على ما يبدو"، واحتشد المحتجون قبل مسيرة في وسط العاصمة تونس، رافعين لافتات كُتب عليها "لا للحكم الفردي"، و"أوقفوا الهجمة على الاتحاد"، ومرددين هتافات "يا سعيد يا جبان.. الاتحاد لا يهان"، و"حريات حريات دولة البوليس وفات (انتهت)".
نُظمت المسيرة بعد أسابيع من اعتقالات استهدفت معارضين بارزين لسعيد، في أول إجراءات كبيرة منذ انفراده بمعظم السلطات في عام 2021، حيث حل البرلمان وتحول إلى الحكم بإصدار المراسيم.
أستاذ تونسي شارك في الاحتجاج ويُدعى ناجح الزيدي، قال إن "سعيد يهدد الكل، أحزاباً ونقابات ومجتمعاً مدنياً، التونسيون خرجوا ليعبروا عن رفضهم للشعبوية الزاحفة والديكتاتورية الناشئة".
كانت السلطات التونسية قد اعتقلت المسؤول الكبير في الاتحاد التونسي للشغل، أنيس الكعبي، الذي نظم إضراباً في محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، ما دفع صحيفة الاتحاد التونسي للشغل إلى القول إن سعيد أعلن الحرب على الاتحاد وأعضائه، البالغ عددهم مليون عضو.
كذلك ألقت الشرطة القبض على أكثر من عشر شخصيات بارزة من المعارضة على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ومن بين المعتقلين سياسيون من حركة النهضة، التي تُعد أكبر حزب في البرلمان المنحل، إضافة لاعتقال مدير إذاعة موزاييك إف.إم، أهم وسيلة إعلام مستقلة في البلاد.
وسائل إعلام تونسية نقلت عن الأمين العام للاتحاد العام للشغل، نور الدين الطبوبي، تصريحات له ألقاها أمام عدد من المتظاهرين، وقال فيها إنه "لا مجال للصمت عن قمع الحق النقابي والحريات العامة والفردية، وسيواصل الاتحاد رفقة أصدقائه من مكونات المجتمع المدني النضال من أجل تعديل أوتار الثورة التونسية".
الطبطوبي أشار في تصريحاته إلى أن مبادرة الحوار الوطني "تهدف لإنقاذ الشعب التونسي من معاناته، وإخراجه من أزمته الاقتصادية والاجتماعية"، مضيفاً أن السلطات تواجه دعوات الحوار بالتضييق على الحق النقابي، وتنفيذ اعتقالات، وفقاً لما أورده موقع "الشعب نيوز" التابع للاتحاد التونسي للشغل.
يُعد الاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) في البلاد، ويشهد الاتحاد علاقات متوترة مع رئيس البلاد قيس سعيد، المُتهم من قبل معارضيه بتضييقه على الحريات في البلاد، واستهداف العمل النقابي.
كان سعيد وقبل بدء احتجاجات اتحاد الشغل التونسي اليوم، قد قال الجمعة 3 مارس/آذار 2023، إنه يرفض مشاركة الأجانب في الاحتجاجات بالبلاد، وذلك بعد يوم من منع السلطات نقابيين أجانب من الانضمام إلى تجمع اتحاد الشغل اليوم السبت.
الاتحاد قال إن السلطات أبلغته بأنها ستمنع دخول وفد من الاتحاد الدولي للنقابات تمت دعوته للانضمام إلى الاحتجاج.
موقع "الشعب نيوز" أشار إلى أن السلطات "منعت ماركو بيريز مولينا، مسؤول التعاون مع إفريقيا وآسيا بالنقابات الإسبانية، من دخول التراب التونسي عند وصوله إلى مطار تونس قرطاج ليقع ترحيله فوراً".
أدان المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل التونسي في بيان قرار منع مولينا من دخول البلاد، ووصف ذلك بأنه "خطوة أخرى تصعيدية عدائية، تستهدف الاتحاد العام التونسي للشغل والعمل النقابي المستقل".
يُذكر أنه في 18 فبراير/شباط 2023، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قراراً بطرد الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية، إيستر لانش، بعدما ألقت كلمة في تظاهرة نظمها الاتحاد التونسي للشغل بمدينة صفاقس (جنوب)، انتقدت فيها السلطات.
وفق بيان للرئاسة التونسية وقتها فإن "لانش أدلت بتصريحات فيها تدخل سافر في الشأن الداخلي"، بينما رد اتحاد الشغل بأن حضور لانش يأتي في إطار "التضامن النقابي العالمي وليس الاستقواء بالأجنبي".
يأتي هذا فيما تعاني تونس، منذ 25 يوليو/تموز 2021، من أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وتلك الإجراءات تعتبرها قوى في تونس "تكريساً لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، ومدعوماً من الفريق الثاني، قال سعيد إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".
ومنعت السلطات التونسية الأسبوع الماضي قادة النقابات العمالية الأجنبية من دخول تونس للمشاركة في المسيرة تعبيرا عن التضامن مع اتحاد الشغل وقال سعيد إنه لا يقبل بانضمام الأجانب إلى الاحتجاجات.
وألقت الشرطة القبض على أكثر من عشرة شخصيات بارزة من المعارضة على مدى الأسابيع القليلة الماضية ومعظمهم على صلة بائتلاف أحزاب ومحتجين يخطط للخروج في مسيرة غدا الأحد ووجهت إليهم اتهاماً بالتآمر ضد أمن الدولة.