بينما استفاق العالم، فجر الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، على كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، مخلفاً عشرات الآلاف من الضحايا ودماراً هائلاً، انبعث من وسط غبار الكارثة الإنسانية اسم شخص وصفه الكثيرون بـ"العالم"، وأصبح حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتعلق الأمر بالهولندي فرانك هوغربيتس، الذي تنبأ بالزلزال قبل يومين من وقوعه.
هنا تفرض تساؤلات نفسها، من هو فرانك؟ هل هو عالم كما تصفه بعض وسائل الإعلام العربية؟ وهل فعلاً يمكنه التنبؤ بالزلازل؟ وهل علينا أن ننصت له؟ وهل صدقت كل تنبؤاته؟ وما هي الأسس التي يستند عليها للتنبؤ؟ وبالأهمية ذاتها ما هي الأفكار التي كان يروج لها فرانك قبل عقد من الزمن؟
هذه الأسئلة وغيرها، سنجيب عليها في هذه المادة الاستقصائية، التي تتبعنا فيها قصة فرانك منذ عام 2004.
كان اسم فرانك قد برز في البداية، عندما تنبأ في عام 2015 بأن زلزالاً بدرجة 8.8 سيضرب مدينة نيويورك، لكن شيئاً لم يحدث، وعندما تنبأ فرانك بالزلزال، لم يكتفِ بتحديد يوم 28 مايو/أيار 2015 كموعد لقدوم الزلزال، بل حدد أيضاً الساعة التي ستحدث بها الهزة، ووجه تحذيراً للسكان، الأمر الذي أدى لانتشار الخوف بين البعض، لكن في ذلك اليوم أمضوا حياتهم بشكل طبيعي ولم تكن توقعات فرانك صحيحة.
وعادت الأضواء لفرانك الذي أصبح حديث شبكات التواصل الاجتماعي لدى العرب والأتراك، بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، وشعرت به دول عربية، يوم 6 فبراير/شباط 2023، وكان بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر.
قبل زلزال تركيا وسوريا بثلاثة أيام كتب فرانك تغريدة قال فيها: "عاجلاً أم آجلاً، سيحدث زلزال بقوة 7.5 درجة مئوية في هذه المنطقة (جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان)"، وحتى صباح الأربعاء 22 فبراير/شباط 2023، وصل عدد مشاهدات هذه التغريدة إلى 59 مليون مشاهدة.
قبل كتابته للتغريدة التي "تنبأ" فيها بزلزال تركيا وسوريا، كان يتابعه بضعة آلاف، لكن حتى صباح الأربعاء 22 فبراير/شباط 2023، أصبح لديه أكثر من 1.3 مليون متابع، أما تغريداته فتصل إلى ملايين الأشخاص، وبات ضيفاً حاضراً في العديد من وسائل الإعلام العربية والتركية، وبعضها وصفته بـ"العالم".
أصبح البعض ينظر لفرانك على أنه مصدر لمنح الشعور بالطمأنينة، أو بمثابة جرس إنذار لزلازل قادمة، وهو أمر مخالف للعلم الذي يؤكد أنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل، وهو ما سنوضحه بالتفصيل.
طريقة فرانك في التنبؤ بالزلازل
قبل الخوض في تفاصيل طريقة فرانك في التنبؤ بالزلازل، تجدر الإشارة إلى أنه يصف نفسه بـ"الباحث"، وبعد التحقق من سيرته الذاتية، لا يمتلك فرانك أي شهادة علمية متعلقة بالزلازل أو الكواكب (التي يبني نظريته عليها في التنبؤ بالزلازل).
بحثنا في الموقع الإلكتروني السابق لفرانك، وفي الموقع الحالي لـSSGEOS، الذي ينشر فيه فرانك تنبؤاته، ولم نجد ما يشير إلى دراسته لعلم "الجيولوجيا" (علم الأرض، أو علم طبقات الأرض).
ليس ذلك فحسب، فلم نجد لفرانك مقالاً أو دراسة له نُشرت في مجلة علمية محكمة، والتي هي عبارة عن دورية علمية، تنشر أبحاثاً متخصصة في مجالات محددة، وتخضع الأبحاث المنشورة فيها لتحكيم وتمحيص من قبل متخصصين في المجال نفسه.
يتبع فرانك طريقة مختلفة كلياً في التنبؤ بالزلازل تعارض المنهج العلمي المُتبع من قبل علماء "فيزياء الأرض" في تفسير الهزات الأرضية، والمنهجية المُتبعة من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (التي تضم آلاف الموظفين).
ينطلق فرانك في تنبؤه بالزلازل من خلال أن مواقع الكواكب والقمر تؤثر بشكل واضح على الزلازل الكبيرة وتحفزها، ويستند بذلك إلى "العلاقة المباشرة بين قشرة الأرض وتراكم الإجهاد فيها، وبين هندسة الأجرام السماوية المرتبطة بالزلازل الأكبر".
يتحدث فرانك عن أن اقتران الكواكب يؤشر إلى حدوث الزلزال، ويقول إن التقاء كوكب الأرض في خط مستقيم مع أجرام سماوية أخرى بالمجموعة الشمسية يولّد مجالاً كهرومغناطيسيّاً من شأنه أن يؤثر على قشرة الأرض، ويحفّز لحظة انفجار الزلازل عبر الصدوع الموزّعة على امتداد الجغرافيا الأرضية.
يعتمد فرانك في روايته، على ما قال إنه "نظام محاكاة شمسي"، وينشر فيديوهات يشرح فيها وجه نظره، كما ينشر صوراً تظهر اقتران الكواكب في محاولة للتأكيد على صحة تنبؤاته.
تتناقض "منهجية" فرانك بخصوص حدوث الزلزال، مع ما يقوله الرأي العلمي من أن الزلزال هو اهتزاز للأرض، وتتراوح قوته بين خفيف وعنيف، ناتج عن الحركة المفاجئة للمواد الصخرية تحت سطح الأرض، ويحدث الزلزال عندما تنزلق كتلتان من الأرض فجأة عبر بعضهما، ويُطلق على السطح الذي تنزلق منه اسم الصدع والحزام، ويُطلق على الموقع الموجود فوق سطح الأرض حيث يبدأ الزلزال اسم مركز الزلزال.
إضافة لذلك، ووفقاً لما ذُكر في موقع Physics Stack Exchange فإنّ الكواكب لا تؤثر على الزلازل على الأرض، ولكن الشمس والقمر يؤثران، وذكر الموقع أنّ الزلازل تحدث بسبب سلالات في قشرة الأرض، بينما سلالات الجاذبية التي تنتجها الكواكب والقمر والشمس على قشرة الأرض هي تأثيرات مدية.
هل تنبؤات فرانك صحيحة؟
بالنسبة لعلماء الأرض فطريقة تنبؤ فرانك غير صحيحة، وفي الأصل لا يمكن التنبؤ بالزلزال، بحسب ما تؤكد هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، وقبل الخوض في تفاصيل هذه الإجابة، فإن فرانك وعلى مدار سنوات يصدر توقعات بحدوث زلازل، ولكنها لا تحدث، وأجرينا فحصاً لعدد من التنبؤات، ونظرنا إلى التواريخ التي ذكر أن الزلزال سيحدث بها، وتأكدنا من عدم حدوث زلازل فيها.
أيضاً، أشار موقع logically البريطاني لمواجهة المعلومات المغلوطة، إلى أن المؤسسة التي يقول فرانك إنه يعمل بها، قالت في تغريدة في يناير/كانون الأول 2023، إن الاصطفاف الهندسي الحرج للكواكب، أو (المحاذاة الكوكبية)، من 19 إلى 22 يناير/كانون الثاني، قد تتسبب في وقوع زلزال بقوة 7 درجات أو 8 درجات بالقارتين الأمريكيتين خلال أيام قليلة.
أعاد فرانك نشر هذه التغريدة، وأشار logically إلى أنه عندما تمت مراجعة موقع "هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية"، لم يتم العثور على تسجيل لأي زلازل قوية في المنطقة أثناء تلك المدة.
أيضاً في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022، نشر حساب SSGEOS تغريدةً، تزعم أن زلزالاً كبيراً قد يقع في المدة من 23 إلى 26 ديسمبر/كانون الأول دون تحديد موقع حدوثه، وأعاد فرانك نشر هذه التغريدة أيضاً، وبالنهاية لم تُسجل أية زلازل بقوة 7 درجات أو أكثر خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2022.
تجزم هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، بأنه لا يمكن لأحد حتى الآن التنبؤ بشكل دقيق بحدوث الزلزال، ولدى الهيئة ثلاثة معايير لا بد أن تتحقق جميعها في وقت واحد، حتى يمكن القول إننا أمام تنبؤ مفيد حقاً لحدوث الزلزال.
هذه المعايير هي: تحديد الموقع الذي سيحدث فيه الزلزال، ومتى سيحدث بالضبط، وشدة الزلزال، وبدلاً من ذلك ينتج الجيولوجيون أفضل تخميناتهم عبر ما تسميه هيئة المسح بـ"خرائط المخاطر"، حيث يحسبون احتمالية وقوع زلزال خلال إطار زمني يمتد لعدة سنوات.
تُشير هيئة المسح الجيولوجي أيضاً، إلى أن العالم يشهد في كل عام نحو 20 ألف زلزال، أو ما يقرب من 55 زلزالاً يومياً، وذلك ناجم عن حركة صفائح الأرض، ولكن الناس لا تشعر بجميع الهزات بسبب ضعفها.
لماذا إذاً بدا تنبؤ فرانك صحيحاً في زلزال تركيا؟
لا بد من التذكير هنا مجدداً بأن فرانك يصدر على الدوام توقعات بحدوث زلزال، ولا تحدث، وبالنظر إلى توقعاته فهو يعتمد على أمرين أساسيين لزيادة حظوظ تحقق نبوءاته:
أولاً: فهو يتوقع حدوث زلزال في المناطق المعروفة أصلاً لدى علماء الأرض، ولدى عامة الناس المُهتمين بالهزات الأرض، بأنها مناطق نشطة زلزالياً، ويشبه البعض توقعات فرانك، بالقول إن المطر في منطقة ما سيهطل، لأن هذه المنطقة بالأصل ستشهد منخفضاً جوياً.
لذلك فإن تنبؤ فرانك بأن زلزالاً سيضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، ليس بجديد، بل هو أمر معروف.
خريطة للمناطق المُعرضة لخطر الزلازل في أوروبا – اتحاد المنشآت الأوروبية لمخاطر الزلازل والمخاطر
ثانياً: لا يستطيع فرانك أن يحدد وقتاً محدداً ودقيقاً لحدوث الزلزال، وبدلاً من ذلك يتحدث عن فترات زمنية لا حدود لها، أي إنه يخبرك بأن زلزالاً قد يحدث في منطقة ما، ولكنه يعجز عن تحديد التوقيت، وقد يحدث في هذه المنطقة زلزال بعد يوم أو شهر أو عام أو أكثر، وهذا ما يجعل تنبؤ فرانك يبدو حقيقياً لدى البعض.
ولذلك إذا ما نظرنا إلى التغريدة التي تنبأ فيها فرانك بحدوث زلزال تركيا وسوريا، نجد أنه قال "عاجلاً أم آجلاً"، أي إن المجال الزمني لاحتمال حدوث زلزال يبقى مفتوحاً إلى ما نهاية، في منطقة هي بالأصل معروف عنها تعرضها للزلزال.
ما جعل البعض يعتقد بأن تنبؤ فرانك صحيح هو فقط عامل الزمن، إذ جاءت التغريدة قبل يومين من وقوع الزلزال، ورغم ذلك قوبلت تغريدته بالتشكيك من قبل الخبراء؛ لأن اعتماده على نظرية تأثير الكواكب على الأرض غير علمية.
في هذا الصدد، تُشير صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إلى أن فرانك نشر، على مدار ثلاثة أشهر في عام 2019، تنبؤات بحدوث زلازل كبيرة خلال مدة 28 يوماً، وتضيف: "من خلال تقديم تنبؤات غامضة فإنه يضمن وقوعها بشكل صحيح بين الحين والآخر".
فرانك و"علم الأعداد"
قادنا البحث عن فرانك، إلى موقعه السابق، الذي يعطي لمحة عن جانب من الأفكار التي يؤمن بها فرانك، وكيف يفسر الظواهر والأحداث من حوله.
الموقع السابق الذي أسسه فرانك اسمه "Ditrianum"، ولو حاولت الآن الدخول إليه، يحيلك إلى موقع SSGEOS، وبدا أن فرانك مسح موقعه السابق، لكننا لجأنا إلى مواقع الأرشفة الإلكترونية للمواقع، واستطعنا من خلالها العودة إلى مقالات كتبها فرانك بنفسه، وأخرى ترجمها، وروج للأفكار التي كانت تحملها.
في الصفحة التعريفية لموقع فرانك (باللغة الهولندية)، عُرّفت Ditrianum بأنها منظمة تعمل لاستكشاف الطاقة من حولنا من خلال "التحليل العددي"، وتُشير إلى أن فرانك هو شخص نشط في مجال "نظرية الأعداد" منذ عام 1989.
في إحدى المقالات المنشورة على موقعه بتاريخ 10 فبراير/شباط 2006، يصف فرانك نفسه بأنه متخصص في "علم الأعداد".
ما هو "علم الأعداد"؟
يُشير موقع "قاموس المتشكك" إلى أن "علم الأعداد، هو دراسة المعاني الخفية للأرقام وتأثيرها على حياة الإنسان"، ويؤكد أنه لا توجد معاني غامضة للأرقام، وأن الأرقام لا يمكن أن يكون لها تأثير على حياة الناس، لذا يقول الموقع إن "علم الأعداد ليس سوى خرافة تتنكر في صورة علم أو فن".
كذلك فإن علماء عصرنا الحديث لا يعتبرون هذا العلم جزءاً من علم الرياضيات، بل يعدونه من الرياضيات الدخيلة والعلوم الزائفة.
بحسب موسوعة "ويكيبيديا" يعتمد "علم الأعداد على تحويل الأرقام إلى عدد واحد عن طريق جمع أعداد الرقم بشكل تتابعي حتى ينتج عدد واحد. فمثلاً لحساب عدد الرقم 3489، تجمع أعداده (3+4+8+9)=24. ثم نعيد الكرة مع النتيجة 24 بجمع عدديه (2+4=6). فيكون عدد الرقم 3489 هو 6".
وجدنا خلال متابعة موقع فرانك، وفي أكثر من مقالة له، أنه يستخدم الأرقام وما يشبه معادلات رياضية، يخرج من خلالها باستنتاجات لا تخلو من الغرابة.
على سبيل المثال في هذا المقال المنشور في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، يتحدث فرانك عن حادثة مقتل الكاتب والصحفي الهولندي لويس برنارد سيفيك، ووصفها بأنها "جريمة قتل سياسية"، ويربط بين مقتل سيفيك، ومقتل سياسي هولندي آخر اسمه بيم فورتوين، وقُتل الأخير 6 مايو/أيار 2022، وقال إن كليهما كانا يشكلان تهديداً للمؤسسة السياسية.
لكن هذا الاستنتاج الذي وصل إليه فرانك كان قائماً على الأرقام، فهو يجري ما يعتبره تحليلاً لتاريخيْ وفاة الرجلين، وكتب العديد من المعادلات الرياضية، لمحاولة إقناع قراء الموقع بأنه يمكن معرفة ما يجري من خلال الأرقام، فهو يركز كثيراً على الرقم 6 في استنتاجه، ويتحدث عن الدلالات التي يحملها هذا الرقم، بطريقة معقدة وغريبة، وكان قد نشر مقالاً بعنوان "لغز 666".
في مقال آخر، يروج فرانك أيضاً في موقعه لفكرة تشكك في مواقف إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من خلال الاعتماد أيضاً على الأرقام، إذ كُتبت أسماء 3 ولايات أمريكية، وأُعطي كل حرف من أسماء الولايات أرقاماً، ثم أُجريت "عملية تحليل للأرقام"، وخلصت إلى أن بروز رقم 2 يشير إلى أن إدارة بوش تتحدث "بلسان مزدوج"، ويضيف المقال "الأرقام لا تكذب".
فرانك لجأ إلى الأرقام أيضاً في أحد مقالاته التي نشرها في موقع "wanttoknow" الهولندي، في أغسطس/آب 2013، وقدم شرحاً للزلازل وحدوثها من خلال قراءة الأرقام ودلالاتها، ولم يقدم أية معلومات علمية حول حدوث الزلزال، وكثيراً ما يحتوي موقع فرانك Ditrianum على جداول بها أرقام، ويشرح من خلالها أحداثاً وظواهر تحدث في العالم.
إضافة لذلك، يحتوي موقع فرانك على العديد من المقالات التي تتحدث عن "الآلهة" في الحضارات القديمة، وترجم عدداً من المقالات التي تتحدث عن الروحانيات، ومقالات أخرى عن التحولات التي يشهدها الكوكب، ويمكن الرجوع إليها من هنا، وهنا.
وأخيراً..
يشهد العلم في شتى مجالات الحياة تطوراً مستمراً، وهناك الكثير من الظواهر في الأرض تحدث، وأسبابها معروفة بعدما تفحصها العلماء وأصحاب الاختصاص، ولا تزال ظواهر أخرى قيد الدراسة.
في حالات مثل الزلازل يتزايد انتشار المعلومات المغلوطة، وتزداد معها مشاعر الخوف والقلق بين الناس، ولن يتوقف الأمر عند تنبؤات فرانك، فهو ليس أول من يصدر تنبؤات حول ما يجري في الأرض، ولن يكون الأخير، ويبقى المهم تنمية ثقافة التشكيك بالمعلومات الموجودة على الإنترنت، وزيادة الوعي بضرورة التحقق من المعلومات والاعتماد على المصادر العلمية المُعتمدة والموثوقة لمعرفة وفهم ما يجري حولنا.