رفض المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنهاء عمل المجلس القائم منذ 20 عاماً، حيث مهدت باريس لقرار حل المجلس وإنهاء نشاطه منذ أشهر، وهو ما دفع القائمين عليه للدعوة لجمع عام استثنائي عُقد، الأحد 19 فبراير/شباط 2023، في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.
فقد أعلن الرئيس الفرنسي، الخميس 16 فبراير/شباط الجاري، عن قرار إنهاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يرأسه المغربي محمد موساوي، وذلك خلال استقبال أعضاء منتدى الإسلام بفرنسا الذي تم إطلاقه العام الماضي، ويسعى ماكرون لجعله المحاور الرسمي للدولة مع المسلمين.
حلّ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية
خلال إعلانه إنهاء نشاط المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، قال ماكرون: "قررنا إنهاء نشاط عمل المجلس بطريقة واضحة جداً، لهذا السبب قررنا وضع ميثاق، وأشكر كل من وقع عليه بشجاعة، موضحين التزامهم تجاه الجمهورية وقيم الجمهورية".
أضاف الرئيس الفرنسي: "لا أريد التقليل من شأن ما تم القيام به مع المجلس، لكن الدولة كثيراً ما ناقشت أيضاً مع دول أخرى، في إطار شكل من أشكال البقية، ليس فقط دبلوماسياً، ولكن أيضاً شرعت في قصة كاملة كان من الضروري الخروج منها تدريجيًا"، وقال: "هذا هو السبب في أننا قررنا وضع حد لهذا المجلس"، حسب ما نقلته وسائل إعلام فرنسية.
كما صرح ماكرون خلال اجتماع بقصر الإليزيه بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمنتدى الإسلام بفرنسا، بأنه: "في عام واحد، تم القيام بكثير من العمل ونتائج مثالية، وقد أتاح ذلك حواراً نوعياً مع الدولة، نتجت عنه براغماتية وحلول ملموسة".
خلال اللقاء أصر ماكرون في كلمته على "محاربة الإسلام السياسي واحترام مبدأ العلمانية من أجل العيش معاً في الجمهورية، وضرورة سرعة تنفيذ المقترحات المقدمة".
كما دافع عن علمانية الدولة الفرنسية قائلاً: "علمانيتنا هي ليست تحريماً لأي دين على الإطلاق، بل إمكانية العيش معاً في الجمهورية بهذه الحرية في الإيمان وعدم الإيمان، وفي الاحترام المطلق لجميع قوانين الجمهورية. لا أكثر ولا أقل".
"حروب" داخلية عصفت بالمجلس
حسب موقع قناة "فرانس 24" الرسمية، فقد دخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في مشاكل داخلية في العام الماضي، عقب رفض ثلاثة اتحادات من مكوناته توقيع "ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي" بدعوة من الحكومة الفرنسية، والذي يمنع بموجبه "تدخل" دول أجنبية في تسيير الشأن الإسلامي بالبلاد، ويشدد على "تماشي" الإسلام مع مبادئ الجمهورية الفرنسية.
على خلفية ذلك، انسحبت من مكتبه التنفيذي أربعة اتحادات بينها مسجد باريس الكبير برئاسة شمس الدين حفيظ، الذي يوصف بأنه مقرب من الجزائر، وشكلت "تنسيقية" خاصة بها قبل أن تعدل الاتحادات المتحفظة على الميثاق موقفها، وتوقع في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي عليه.
لكن الموقع الفرنسي يقول إن هذا التوقيع لم يغير في واقع الخلافات بين مكونات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أي شيء.
فعدم تلبية دعوة مسجد باريس الكبير لعقد لقاء في 13 يناير/كانون الثاني "كمحاولة أخيرة للحفاظ على وحدة مسلمي فرنسا، وتحديد مستقبل تمثيليتهم على المستوى الوطني"، وفق ما جاء في بيان له بتوقيع عميده شمس الدين حفيظ، جعله يعود ليؤكد في 17 من الشهر الجاري انسحابه من جميع هياكل المجلس.
كما اتهم البيان رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موساوي، الذي يعتبر مقرباً من المغرب، بكونه لا يريد إلا "خدمة مصالحه الشخصية والبقاء بشكل غير قانوني على رأس المجلس".
إذ كان من المفترض أن يتولى شمس الدين حفيظ رئاسة المجلس في 19 يناير/كانون الثاني، في إطار التسيير الدوري للمؤسسة بين الرجلين الذي تمتد ولايته عامين.
فيما كان موساوي اتهم عميد مجلس باريس بأنه أعطى تصريحات "خطيرة" في الجزائر، قال فيها إنه "سيقوم بتطبيق ورقة عمل وزير الشؤون الدينية" لبلاده الأصلي، حسب ما جاء في مقابلة له مع قناة فرانس 24.
كما استغرب "لعدم تدخل السلطات الفرنسية لتذكيره بأن هذه التصريحات لا تنسجم مع الميثاق الذي وقعه مع الآخرين" على حد قوله.
رفض قرار الحل وتجديد النظام الأساسي
لكن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لم يستسلم لقرار الرئيس الفرنسي بحله، وعقد الأحد 19 فبراير/شباط، جمعاً عاماً استثنائياً من أجل اعتماد نظام جديد له، بمشاركة أزيد من 55% من أعضاء المجلس، من بينهم 73% منتخبون من قبل الفاعلين المحليين الذين شاركوا في هذا الجمع العام الاستثنائي.
حيث أوضح المجلس، في بيان له يعد بمثابة رد رافض لـ"قرار الحل" المعلن من لدن ماكرون، أن النظام الأساسي سيعمل على إجراء إصلاح شامل للمجلس على أساس الهياكل الإدارية، مشيراً إلى أن جميع مساجد فرنسا يمكنها المشاركة في المجلس على قدم المساواة.
كما أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن نهاية النظام الحالي، الذي وصفه بأنه "غير دمقراطي وعشوائي"، معتبراً إياه السبب الرئيسي في العرقلة المفتعلة لعمله خلال السنوات الأخيرة.
فيما أكد أن النظام الجديد سيعطي الكلمة للفاعلين المحليين المنتخبين من قبل زملائهم الذين يتمتعون بالشرعية اللازمة، الشيء الذي سيمكن من إلغاء الحدود الاصطناعية والانقسامات، التي أعاقت عمل الجمعية العامة من أجل القيام بالمهام المنوطة بها.
أضاف البلاغ ذاته أن المجلس يمثل حالياً أكثر من 1100 مسجد شاركت في انتخابات 2020، متوقعاً أن يرتفع هذا الرقم بشكل ملحوظ مع الإصلاح الجديد، الذي يوفر إجابات للعراقيل والعقبات الرئيسية أمام المشاركة الانتخابية الأوسع.
بينما أوضح أن المهمة الأساسية للمجلس هي الدفاع عن مصالح العقيدة الإسلامية، والسماح لمسلمي فرنسا بالحصول على الدعم الروحي الذي يرغبون به، والمساهمة في ازدهار العقيدة الإسلامية بفرنسا، وتمثيلها في جميع الحالات والأحداث العامة ونقاشات المجتمع.