في ظل أزمة دولار حادة تشهدها القاهرة، بينما تنتظر شريحة قرض جديدة من صندوق النقد الدولي بثلاثة مليارات دولار، اتجهت بلدان خليجية للاستحواذ على حصص في شركات مصرية ناجحة، في خطوة يرى محللون أنها لمصلحة الطرفين، وذلك وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس، الثلاثاء 14 فبراير/شباط 2023.
يقول الاقتصادي في شركة "كابيتال إيكونوميكس" جيمس سوانستون لوكالة فرانس برس إن "الاستثمارات الخليجية في مصر عام 2022 ساعدت في تخفيف بعض مخاوف مصر التمويلية الفورية، قبل تأمين مزيد من صندوق النقد الدولي".
أضاف: "كذلك سمحت لدول الخليج بشراء الأصول المصرية بسعر أقل مما كانت عليه في السابق، بعد انخفاض قيمة العملة ودعم الحكومة المصرية والاستمرار في أن يكون لها مجال نفوذ في المنطقة".
تراجع قيمة العملة في مصر
الوكالة قالت كذلك إنه وفي عام 2022 تراجعت قيمة العملة المصرية وسط ظروف اقتصادية صعبة، ويبلغ سعر الدولار حالياً نحو 30 جنيهاً مقابل 15.6 في مارس/آذار 2022، ما ساهم في ارتفاع معدل التضخم السنوي العام إلى 26.5%، في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج.
تزامناً مع خطة حكومية "لبيع أصول مملوكة للدولة" للمساهمة في سد الفجوة التمويلية التي تبلغ حوالي 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة، بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، كان للخليج حصة الأسد فيما تم من استحواذات داخل السوق المصرية على مدار العام الماضي.
في حين رصدت شركة "إنتربرايز فنتشرز" المصرية لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني في تقرير لها 66 عملية استحواذ تمت في السوق المصرية في العام 2022. وهذا أكثر من ضعف الصفقات المنفذة في العام السابق له.
أتى على رأس المستحوذين صندوق الثروة السيادية في أبوظبي (الشركة القابضة إيه دي كيو) وصندوق الاستثمارات العامة السعودي اللذان أبرما 40 صفقة بضخ نحو 3.1 مليار دولار "للاستحواذ على حصص أقلية كبيرة في بعض أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية من الحكومة"، بحسب تقرير إنتربرايز.
بيع شركتين للأسمدة في مصر
من بين أبرز صفقات الصندوقين، قيامهما معاً بشراء ما يقرب من نصف أكبر شركتين للأسمدة في مصر وهما أبوقير للأسمدة (41.5 %) وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (45%).
كذلك أصبح إيه دي كيو أكبر مساهم مستقل في البنك التجاري الدولي، أكبر مصارف للقطاع الخاص في مصر، بنسبة 17.5% بقيمة 911.5 مليون دولار، فيما امتلك الصندوق السعودي حصة 25% في شركة إي فاينانس الحكومية للحلول الرقمية.
يقول المحلل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمقيم بلندن علي متولي إن "ما يحدث يتماشى مع الاستراتيجية المقررة في مصر ودول الخليج بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في اقتصاداتها".
وأكد أن هذه الاستحواذات "تدعم الدخل غير النفطي والذي تسعى بلدان الخليج جميعها إلى زيادته".
تسهيلات في الدفع
في المقابل، تحاول الحكومة المصرية تقديم تسهيلات للمستثمرين الخليجيين من أجل دفع عملية تدفق النقد الأجنبي داخل البلاد. ونهاية العام الماضي وافق مجلس الوزراء، بحسب بيان رسمي، على طلب أحد المستثمرين الخليجيين شراء "أراض لغرض نشاط استثماري عمراني.. على أن يتم الشراء بالدولار من الخارج، وأن تتم الموافقة على الحالات المشابهة".
من جانبها، فقد اعتادت بلدان الخليج على تقديم يد العون إلى مصر في أوقات الأزمات عبر منح نقدية أو ودائع لدى البنك المركزي المصري لدعم احتياطي النقد الأجنبي.
في سياق متصل، فقد استضافت دبي القمة العالمية للحكومات، وشارك بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أكد خلال الجلسة الرئيسية على دور بلدان الخليج في مساعدة مصر، وقال: "لولا وقوف الأشقاء في الإمارات والسعودية والكويت، لما تجاوزت مصر ما كانت تمر به"، مشيراً إلى الفترة ما بين 2011 و2013.
أوضح السيسي خلال القمة أن "دولة مثل مصر تحتاج إلى تريليون دولار سنوياً.. هل هذا المبلغ متاح؟ لا.. هل نصفه أو ربعه متاح؟ لا، لأن لكل دولة ظروفها".
ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج. لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 155 مليار دولار.
سياسة مختلفة في دعم الحلفاء
إلا أن بلدان الخليج بدأت في تبني سياسة أخرى لتقديم الدعم النقدي للحلفاء، وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان أكد مؤخراً، في تصريحات بثتها قناة العربية خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي أننا "غيّرنا طريقة تقديم المساعدات". وتابع: "عادة كنا نقدم منحاً مباشرة وودائع بلا شروط.. الآن نريد أن نرى إصلاحات".
يقول المحلل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمقيم بلندن علي متولي لوكالة فرانس برس إن بلدان الخليج "تركز على الالتزام المالي وكفاءة الإنفاق وترشيد الاستهلاك بعد أزمتي أسعار النفط في 2015 و2022".
بيع شركات تابعة للجيش
أما في الأيام الماضية، فقد أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في تصريحات للصحفيين، أسماء 32 شركة عامة وأصول سيتم طرحها في البورصة من بينها ثلاثة مصارف وشركتان تابعتان للجيش. وكانت هذه هي خطة الحكومة المصرية التي كان من المقرر تنفيذها قبل نهاية العام الماضي.
يرى الخبير في مركز كارنيغي للدراسات في الشرق الأوسط يزيد صايغ أن "الغياب التام للشفافية المالية للشركات العسكرية يمنع طرحها بالأسواق، لا من خلال البورصة ولا حتى عبر صندوق الثروة".
كما ضرب صايغ مثلاً بشركة "الوطنية" للمواد البترولية التابعة للجيش والتي أبدت شركة أدنوك الإماراتية رغبتها في الاستحواذ عليها في العام 2021، وقال: "بات من الواضح أن الإمارات قد تراجعت عن فكرة شراء حصة في شركة الوطنية العسكرية، بدليل أنها اشترت بدلاً عن ذلك حصة في شركة توتال مصر". وتابع: "يبدو أن المعوّقات تعلّقت بطبيعة الإدارة المالية الداخلية لهذه الشركة العسكرية، والتي تجعل من الصعب على أي مستثمر جاد أن يغامر برأسماله".
لكن ومع بداية العام الحالي، تتواصل المساعي الخليجية لامتلاك كيانات مصرية في قطاعات مختلفة، ولعل أحدث هذه الخطط تفاوض صندوق الاستثمارات السعودي للاستحواذ الكامل على المصرف المتحد الذي يمتلكه البنك المركزي المصري، وأحد المصارف الثلاثة المقرر طرح أسهمها في البورصة.
في حين يعتقد سوانستون أنه "بالنظر إلى تصريحات مدبولي حول الـ32 شركة، هناك توقع بجدية أكثر من قبل السلطات هذه المرة في (ملف) الخصخصة، وأن تكون سبّاقة في الصفقات".