زاد الزلزال المدمر من معاناة السوريين في مدينة إدلب، التي لا تزال تعاني بسبب حرب النظام السوري، كونها خارج سيطرته، إلى جانب ما تواجهه من خطر انتشار الكوليرا، لا سيما في مخيمات النازحين.
وعكست صحيفة The Guardian البريطانية بعضاً من هذه المأساة على لسان السوري محمد هادي، الذي قال باكياً، وهو يمسك بابنته الرضيعة: "كنا نائمين حين وقع الزلزال، ظننت أنها غارة جوية، فركضت إلى الخارج. وأمسكت بزوجتي واثنين من أطفالي، وأخذتهم معي. زوجتي كانت متشبثة بيدي ونحن نركض".
بكل حزن ويأس تابع هادي: "لكن بعد أن خرجنا، أدركت أن ابنتينا لا تزالان في الداخل، فركضت عائداً لإنقاذهما"، إلا أنهما فارقتا الحياة، وكذلك زوجته.
وروى أنه رأى وميضاً أبيض لحظة حدوث الزلزال، اختفى بعدها، ليكشف عن أنقاض ما كان في السابق منزله الجديد. ووقف يراقب انهيار المبنى المكون من 5 طوابق، بعد أن أودى بحياة أحب الناس إليه، ابنتيه وزوجته.
كان بيت هادي من بين ما لا يقل عن 65 خيمة أخرى منتشرة على التلال الصخرية في بلدة حارم بمحافظة إدلب، شمال غرب سوريا، وجميعها تطل على منازل ساكنيها السابقة، التي دمرها زلزال الأسبوع الماضي وتوابعه. وكان الغبار الأبيض المنبعث من الكتل الخرسانية يتناثر عبر التلال ليعلق في حلق كل من يصل إليه.
استطاع هادي إنقاذ طفلين آخرين له -ابن وابنة- وكانا يمسكان بساقيه حين قال: "احتاج عمال الإنقاذ 3 أيام لإخراج الجثث، لأن شقتنا كانت في الطابق العلوي".
وكان الغبار يغطي طفليه؛ فيما لم تكن الابنة ترتدي حذاء، وكان الابن مصاباً بجرح كبير دامٍ في مرفقه.
قصة هادي، تعكس بشكل مختصر وحزين كيف فاقم الزلزال من الأزمة الإنسانية في إدلب، بحسب الصحيفة ذاتها.
الخيم القائمة في هذه المدينة التي تقع شمال سوريا، تُعد منازل لأشخاصٍ نزحوا من قراهم الأصلية بعد أن هاجمها نظام بشار الأسد وداعموه في موسكو، ما اضطرهم إلى البحث عن مأوى في إدلب.
قال معظم النازحين للصحيفة، إنهم وصلوا منذ فترة قريبة جداً لدرجة أنهم كانوا يعيشون في منازل بجدران إسمنتية مكشوفة، وعلى أشياء أخرى قليلة.
إدلب الملاذ غير الآمن
كانت إدلب تُعد ملاذاً أخيراً لآلاف النازحين من الحرب. ونصب البعض خيامهم بين الآثار البيزنطية القديمة، بعد أن أعياهم البحث عن مكان آخر ليعيشوا فيه.
وفي أماكن أخرى، امتدت مدن الخيام لأميال في ظلال الجبال الظاهرة في الأفق.
وقال زعيم قوات "هيئة تحرير الشام" أحمد حسين الشرع، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، الحاكم الفعلي لإدلب، لصحيفة الغارديان: إن المحافظة تناشد المجتمع الدولي لتقديم المساعدات.
تأتي مناشدته بعد اتهامه بأنه ساهم في منع وصول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في سوريا. ولكنه قال: "نحن حكومة جديدة وأعباؤنا كثيرة، وحجم هذه الأزمة يفوق قدراتنا".
أطلقت حكومة الإنقاذ التابعة لفصيله، وهي منظومة سياسية تحكم اسمياً منطقة الشمال الغربي التي تسيطر عليها تحرير الشام، موقعاً على الإنترنت لتسجيل عدد الأشخاص النازحين والمفقودين، في محاولة لتلقي استجابة سريعة.
لكن منذ وقع الزلزال، لم يدخل إلى المنطقة إلا 52 شاحنة فقط تحمل المواد الغذائية وغيرها من المساعدات، بعد أن صنفت الأمم المتحدة ما لا يقل عن أربعة أخماس سكانها، البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، بأنهم في حاجة ماسة للمساعدات.
الزلزال والكوليرا في إدلب
في مكان قريب، في مدرسة سابقة تحولت إلى مستشفى خلال أزمة كوفيد-19، كانت الفتيات يمسكن بالمحاليل الوريدية في أذرعهن، ويصرخن ألماً من إصاباتهن. وقالت الطبيبة فاطمة الطُفران: "الممرات كانت مليئة بالناس".
كان العاملون في المجال الطبي منشغلون بالأزمة الأخيرة التي تعرضت لها المنطقة، إذ قال المسؤولون المحليون إنهم كانوا يعملون جاهدين على احتواء تفشي الكوليرا، الناجم عن تلوث نهر في المنطقة قبل الزلزال.
قبل أسبوعين من وقوع الزلزال، قالت الأمم المتحدة إن 2.1 مليون شخص في شمال غرب سوريا معرضون بشدة لخطر الإصابة بالكوليرا.
نقلت الصحيفة عن وجيه الكرّاط، رئيس الأطباء في المستشفى الذي كان مدرسة، إن المستشفى الصغير يعمل على قدم وساق، ويفتقر إلى معظم الإمدادات الطبية الأساسية والأدوية اللازمة لعلاج الناجين من الزلزال.
وقال إنه يخشى عودة ظهور حالات الكوليرا، مضيفاً: "أشعر بقلق بالغ بكل تأكيد، لأن إمدادات المياه تضررت أكثر من ذي قبل. والمياه ملوثة وبنيتنا التحتية مدمرة".
أما وزير الصحة في حكومة الإنقاذ، حسين بازار، قال إن الخدمات الطبية في إدلب أضعفتها سنوات من الهجمات التي شنها نظام الأسد حتى قبل كوفيد، والآن زاد الزلزال من تدهورها.
وأشار إلى أن المنطقة تخرج من أزمة لتقع في أخرى، بسبب قلة الإمدادات التي تتلقاها.
وقال الأطباء إنهم يحلمون بالحصول على معدات حديثة، أو حتى الأدوات الجراحية الأساسية.
وقال بازار من مستشفى باب الهوى، الذي يشكل جزءاً من الحدود مع تركيا: "نحتاج إلى بناء مرافق طبية مناسبة من الألف إلى الياء. ولكن علينا أن نتعامل ونؤدي واجبنا بما لدينا".