تتواصل جهود الدعم وحملات التبرع في مختلف الدول العربية، على رأسها دول الخليج؛ من أجل تقديم يد العون لمتضرري الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، وأودى بحياة نحو 40 ألفاً في المجمل، فضلاً عن إصابة عشرات الآلاف وتشريد ملايين الناس من منازلهم.
وبينما أعلنت عشرات الدول استعدادها لتقديم الدعم اللازم لأنقرة من أجل مواجهة كارثة الزلزال المدمر، كانت الدول العربية في المقدمة على الصعيدين الرسمي والشعبي، حيث فتحت 16 دولة عربية جسوراً جوية مع تركيا لتسيير رحلات مساعدة وإغاثة، وأرسلت العشرات من فرق البحث والإنقاذ المتخصصة، فضلاً عن حملات التبرع الشعبية التي حققت أرقاماً قياسية في غضون أيام.
الدعم العربي في المقدمة
كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أول زعيم على مستوى العالم يزور تركيا ويلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان منذ وقوع الزلزال، حيث وصل إلى مدينة إسطنبول، الأحد 12 فبراير/شباط، بعد أن تبرع بـ50 مليون ريال قطري (14 مليون دولار) لصالح متضرري الزلزال في تركيا وسوريا.
في الوقت ذاته، أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الأحد 12 فبراير/شباط، زيارة للمناطق المتضررة من الزلزال في جنوبي تركيا، مقدماً التعازي لعائلات الضحايا، ومتفقداً جهود الفرق الإماراتية المشاركة في عمليات الإنقاذ.
وتزامنت زيارة الوزير الإماراتي مع وصول طائرة شحن عسكرية إماراتية محملة بالمساعدات للمتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، بمطار أضنة. وعقب الزلزال مباشرة كانت الإمارات قد قدمت 97 طناً من المواد الغذائية و20 طناً من المواد الطبية و696 خيمة للمتضررين من الزلزال بتركيا وسوريا.
وفي 7 فبراير/شباط، صرح الرئيس الإماراتي بأن بلاده ستقدم 50 مليون دولار مساعدات لتركيا. كما أطلق الهلال الأحمر الإماراتي حملة "جسور الخير"؛ لجمع التبرعات النقدية والعينية لتركيا وسوريا اعتباراً من الأحد 12 فبراير/شباط ولمدة أسبوعين، في مركزيها بالعاصمة أبوظبي ومدينة دبي.
وتبرعت والدة الرئيس الإماراتي، الشيخة فاطمة بنت مبارك، بـ13 مليوناً و600 ألف دولار للمتضررين من الزلزال.
إلى جانب ذلك، زارت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، العاصمة التركية أنقرة، الإثنين 13 فبراير/شباط، والتقت نظيرها التركي مولود تشاووش أوغلو، وعبَّرت عن تعازيها الحارة للشعب والحكومة التركية في ضحايا الزلزال المدمر، مؤكدةً تضامن ومساندة دولة ليبيا، حكومةً وشعباً، مع الشعب الليبي في تركيا وسوريا لتجاوز هذه المحنة.
في السياق، أكد الوزير التركي أن "ليبيا أرسلت 25 عنصر بحث وإنقاذ و59 آخرين في المجال الطبي يوم 7 فبراير/شباط عقب الزلزال، ثم 12 من العاملين بالمجال الطبي، وأنشأوا مستشفى ميدانياً في هاتاي، وأرسلوا تجهيزات طبية، وسيواصلون إرسال مساعدات مماثلة".
وفي سياق متصل، هاتف العديد من الزعماء العرب الرئيس التركي أردوغان، وأعربوا عن تعازيهم بضحايا الزلزال، وأكدوا استعدادهم لإرسال كافة أنواع الدعم إلى تركيا وشعبها.
ومنذ وقوع الزلزال، أعلنت 16 دولة عربية رسمياً تسيير جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة لدعم تركيا، وهي: السعودية، قطر، الكويت، الإمارات، مصر، لبنان، الجزائر، الأردن، البحرين، ليبيا، تونس، فلسطين، العراق، موريتانيا، السودان، سلطنة عمان.
التبرعات تحقق أرقاماً قياسية
منذ وقوع الزلزال سارعت المنظمات المحلية في عدة دول عربية لإطلاق حملات إغاثة لصالح متضرري الزلزال في تركيا وسوريا، لتحقق أرقاماً قياسية بعد أسبوع فقط من الحدث الكارثي، ففي السعودية نجحت حملة واحدة تحت مسمى "ساهم"، في جمع نحو 90 مليون دولار، حتى مساء الإثنين 13 فبراير/شباط.
يأتي ذلك، بينما غادرت الطائرة الإغاثية السعودية السابعة من مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة الرياض، الأحد 12 فبراير/شباط، وتحمل على متنها تجهيزات طبية متنوعة بقيمة تزيد على 36 مليون ريال سعودي تشتمل مساعدات طبية، وفق وكالة الأنباء السعودية.
وفي قطر، انطلقت حملة "عون وسند" بعد وقوع الزلزال فوراً، بهدف تقديم الإغاثة العاجلة لمتضرري الزلزال في تركيا وسوريا، واستطاعت جمع أكثر من 46 مليون دولار، حيث تتواصل الحملة ضمن بث حي على التلفزيون القطري الرسمي.
يأتي ذلك، في حين أعلنت الخطوط الجوية التركية أنها نقلت، الأحد، 46 طناً من المساعدات الإنسانية القطرية إلى ولاية أضنة لتوزيعها على ضحايا كارثة الزلزال جنوبي تركيا. وقال المكتب الإعلامي للشركة في بيان، إن طائرة للركاب وأخرى للشحن نقلتا المساعدات الإنسانية مباشرة من العاصمة القطرية الدوحة إلى أضنة.
وفور وقوع الزلزال أعلنت الدوحة تخصيصها 10 آلاف بيت متنقل، سيتم إرسالها إلى المناطق المتضررة من كارثة الزلزال في تركيا وسوريا. والأحد أيضاً، أعلن السفير التركي في الدوحة مصطفى كوكصو، أن الدفعة الأولى من البيوت المتنقلة التي خصصتها قطر لمتضرري الزلزال في تركيا، باتت جاهزة لإرسالها، مشيراً إلى أن الدفعة الأولى تتضمن 306 بيوت متنقلة مجهزة بالكامل للمعيشة.
وفي الكويت، انطلقت حملة "الكويت بجانبكم" لدعم المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، السبت 11 فبراير/شباط، وخلال يوم واحد فقط كسرت التبرعات حاجز 42 مليون دولار، وذلك عبر بث حي في التلفزيون الكويتي الرسمي.
كما قام العديد من المواطنين والمقيمين في الكويت بتقديم مساعدات عينية وتسليمها إلى السفارة التركية في العاصمة الكويتية، من أجل مساعدة أشقائهم الأتراك.
وفي الإمارات، انطلقت حملة "جسور الخير"، السبت 11 فبراير/شباط، واستطاعت جذب أكثر من 1200 متطوع، من أجل جمع وتنسيق الدعم العيني الذي سيذهب إلى تركيا وسوريا، في حين أعلنت دولة الإمارات تقديم 100 مليون دولار لدعم المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا.
كما أعلنت حملة "جسور الخير" في الإمارات جمع أكثر من 30 ألف طرد غذائي وكميات كبيرة من الملابس الشتوية والأغطية والاحتياجات الإنسانية، لصالح المتأثرين من الزلزال في سوريا وتركيا، وفق وكالة الأنباء الإماراتية.
مساهمات العرب في تركيا
وعلى غرار مواقف الدول التي قدموا منها، لم يكتفِ أبناء الجاليات العربية المقيمة في تركيا بمواساة أشقائهم الأتراك فحسب، بل بادروا لمد يد العون في مختلف الحملات التي شملت الإنقاذ والإغاثة والمساعدات العينية والنقدية.
ومن إسطنبول، ساهم مواطنون أجانب مقيمون في جمع المساعدات الإنسانية لصالح منكوبي الزلزال المدمر، وفي هذا الإطار شارك المقيمون الأجانب في أنشطة جمع وتعبئة وتغليف المساعدات الإنسانية لدى المراكز المخصصة لهذا الغرض من قبل بلديتي منطقتي "قاضي كوي" و"شيشلي" بإسطنبول، بحسب تقرير لـ"الأناضول".
بدورها، قالت المهندسة السورية راما عبد الدايم، إنهم قاموا بجمع المساعدات الإنسانية، ونقلوها إلى مركز إدارة المساعدات الغذائية في منطقة "شيشلي" بإسطنبول. وأكدت أنهم لا يميزون بين منكوبي الزلزال في تركيا وسوريا، وينظرون إلى الجميع نظرة إنسانية بحتة. وأردفت: "كلنا بشر وعلينا أن نتضامن".
في السياق، رصدت العديد من المقاطع المصورة كيف ساهم العرب، والسوريون على وجه الخصوص، في أعمال البحث والإنقاذ عن أحياء تحت الأنقاض في تركيا، إضافة إلى حملات المساعدة والإغاثة.
ففي مدينة يالوا، أرسل مجموعة من الجالية العربية شاحنة مساعدات إلى المناطق المنكوبة في تركيا.
بينما تكفل رجل أعمال عراقي بإرسال شاحنة تحمل عشرات المدافئ، من أجل إرسالها إلى المناطق المنكوبة من الزلزال في تركيا.
وبحسب مقطع فيديو، يتحدث مواطن تركي عن فريق كامل من المتطوعين الفلسطينيين للبحث والإنقاذ، حيث جهزوا مستشفى ميدانياً "من أفضل المستشفيات المتنقلة" في مدينة آدي يامان التركية المنكوبة من الزلزال.
@fadisalem725 #تركيا🇹🇷 #زلزال #فلسطين ♬ الصوت الأصلي – فاتح لتجارة الاحذية بالجملة
وفي قصة مؤثرة، نعى سوريون شاباً يدعى "محمد العلي"، لقي حتفه وهو في طريق العودة لمنزله بعد أن شارك في عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض بمدينة كهرماش مرعش.
كان العلي قد جاء من مكان إقامته في ولاية بورصة التركية إلى مدينة كهرمان مرعش جنوب البلاد؛ من أجل المساهمة في عمليات إنقاذ أرواح العالقين تحت الأنقاض بعد الزلزال الذي ضرب تركيا.
وتمكن العلي -حسبما أفاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي- من إنقاذ 3 أشخاص، قبل أن يلقى حتفه بحادث سير وهو في طريق العودة إلى منزله في بورصة.
في سياق متصل، نشر أحد رجال الإغاثة في منظمة İHH التركية، مقطع فيديو يظهر مجموعة من الشباب السوريين انضموا لفريق الإغاثة من أجل مساعدة المتضررين من الزلزال، طالبين من الناس أن لا يعمّموا على جميع الأفراد حينما يرون خطأ من أحدهم.
وانتشرت العديد من القصص الإنسانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشباب عرب، سواء من الذين يقيمون في تركيا أو أولئك الذين قدموا إليها ضمن فرق الإنقاذ والمساعدات، ليسجلوا قصصاً بطولية تُظهر بوضوحٍ حجم التضامن الشعبي مع أشقائهم الأتراك.
على سبيل المثال، شبّان ضمن "مجموعة أمّة الكشفية" المصرية في تركيا، قرروا التوجه إلى المناطق المنكوبة من الزلزال في تركيا؛ للمساهمة في إنقاذ مزيد من الأحياء تحت الأنقاض، وفي الوقت ذاته، نظموا حملة للتبرع بالدم شارك فيها كثير من أبناء الجالية العربية في تركيا.
وفي مبادرة إنسانية كذلك، قام مجموعة من الطهاة السوريين بالتوجه إلى المناطق التركية المنكوبة من الزلزال، قادمين من إسطنبول، تاركين العمل في مطاعمهم هناك؛ تلبية للنداء الإنساني، حيث يوفرون عبر ذلك تقديم الطعام لما بين 10 و15 ألف شخص.
علماء دين يسجلون مواقف مشرفة
من جانب آخر، كان من اللافت بعد وقوع الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، كيف سعى العديد من العلماء إلى حث وتوجيه الناس لتقديم مزيد من المساعدات والدعم لصالح المتضررين في تركيا وسوريا.
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، دعا إلى تأجيل حج النافلة والعمرة المندوبة، والتبرع بهذه الأموال إلى منكوبي الزلزال، مشيراً إلى أن هذا التصرف له الأولوية في الوقت الراهن، وسيكون ثوابه عظيماً، خاصةً أن تكاليف حج التطوع يمكن أن تساهم في إغاثة كثيرين وإنقاذ أرواحهم، بحسب حديث خاص مع موقع "عربي 21".
في السياق، قرر شيخ الأزهر أحمد الطيب، إرسال مساعدات متنوعة من أغذية وملابس وأغطية، إلى سوريا لدعم الأسر المتضررة ولمواجهة آثار الزلزال المدمر.
من جانبهما، دعا بندر بن عبد العزيز بليلة، ويوسف أبو اسنينة خطيبا المسجدين الحرام والأقصى، الجمعة، المسلمين إلى دعم تركيا وسوريا، بمواجهة الزلزال، داعيَين بالرحمة للموتى والشفاء للمصابين.
وفي الإمارات، دعا "مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي"، الجمعة، إلى المسارعة لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا.
وفي عُمان، غرد مفتي السلطنة الشيخ أحمد الخليلي، قائلاً: "إنّا لَنواسي من أعماق قلوبنا الشعبين المسلمين الشقيقين؛ السوري والتركي، على المصاب الجلل بالكارثة التي أتت على كثير من الأعزة، بسبب تأثير الزلزال المدمر الذي أصاب البلدين العزيزين".
وفي اليمن، دعا الشيخ عبد الحكيم المليكي، خطيب الجمعة في ساحة "الحرية" وسط مدينة تعز، المصلين إلى الدعاء بالرحمة للقتلى، والشفاء للمصابين، كما دعا "كافة أبناء الشعب اليمني إلى بذل كل ما يستطيعون من مساعدة وعون لإخواننا في تركيا وسوريا".
واعتبر أن تقديم المساعدات المالية والعينية هو "أقل ما يمكن تقديمه للمنكوبين جراء الزلزال من أجل مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشونها".
بدورهم، أصدر علماء وفقهاء ودعاة مسلمون فتاوى تجيز دفع زكاة المال وتعجيل إخراجها للمتضررين من زلزال سوريا وتركيا، وحثت الفتاوى، ومن أبرزها تلك الصادرة عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على دفع الصدقات والتعجيل بدفع زكاة المال للمتضررين من الزلزال الذي خلَّف خسائر بشرية ومادية هائلة.
وفي ليبيا، أطلقت مدينة مصراتة الليبية، الإثنين 13 فبراير/شباط، حملة "المؤمنون إخوة" لجمع التبرعات والمساعدات من الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة لإغاثة متضرري الزلزال في تركيا وسوريا.