ناقش المشاركون في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر "التحولات في البيئة السياسية المؤثرة في القضية الفلسطينية بعد أوسلو"، الذي انطلق السبت 4 فبراير/شباط 2023، في إسطنبول، عوائق بناء نظام سياسي جديد في فلسطين، وانتقدوا تراجع دور منظمة التحرير في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
إذ قال صالح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، إن منظمة التحرير الفلسطينية تبنت منذ تأسيسها مشروعاً وطنياً، لكن منذ اتفاق أوسلو سنة 1993 بدأ التراجع وبشكل مضطرد في دور المنظمة، بفضل توجه المنظمة لبناء سلطة تحت الاحتلال، على حساب النضال من أجل إنهاء الاحتلال وإنجاز الحقوق الوطنية.
وتابع عبد العاطي: "إنه بالتوازي مع مسار إضعاف المنظمة وتهميش دورها، ازدادت جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل لم يتجاوز موقف السلطة سوى الاستنكار والشجب والانتظار، مع استمرارها في الالتزام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، مخالفةً إرادة الشعب، وقرارات الإجماع الوطني بشأن سحب الاعتراف ووقف التنسيق الأمني".
كما أكد عبد العاطي خلال عرض ورقته البحثية، أن عدم إنجاز السلطة الفلسطينية الوحدة الوطنية، تسبب في تعطّل مسار إجراء انتخابات شاملة، وهو ما أسهم في تكريس حالة الإقصاء والتفرد، وتحويل اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى لجنة استشارية، وإجهاض تشكيل الإطار القيادي المؤقت، واعتبار المجلس المركزي، المعين دون توافق، قائماً بأعمال المجلس الوطني.
واصل عبد العاطي حديثه: "أسهم تهميش دور منظمة التحرير في تراجع مكانة القضية، ووفر المناخ لطرح عدة بدائل، كصفقة القرن، والسلام الاقتصادي، وتقليص الصراع، وتسريع التطبيع".
واستكمل عبد العاطي: "في الوقت الذي يُجمع فيه العالم والفلسطينيون على أن دولة الاحتلال أغلقت كل آفاق التسوية، لم تصل قيادة السلطة إلى هذا الاستنتاج، بل أسهم قبولها بالأمر الواقع في التحول لسلطة معيقة لعملية التحرر الوطني".
عقبات تواجه بناء النظام السياسي
وحول العقبات التي تواجه إعادة بناء النظام السياسي، قال أحمد عزام، عضو المجلس المركزي الفلسطيني، إن أهم العقبات هي وجود الاحتلال وتبعاته من حيث الشتات الجغرافي والديمغرافي، وأثر الشتات والجغرافيا على مسألة التمثيل السياسي.
عزام أضاف، أن هناك عقبة النصوص القانونية والمواثيق القديمة، وعدم الانتباه للحاجة إلى التعديل، أو رفض التعديل، أو اشتراط التعديل بممارسات غير ديمقراطية توافقية.
بالإضافة إلى عقبة الإرادة السياسية، وتوفر أو عدم توفر قرار حقيقي عند الأطراف الفلسطينية لإصلاح النظام السياسي، وكذلك عقبة الانقسام وتبعاته، وقصور مشاريع الإصلاح المقترحة ومسمياتها.
وتابع عزام: "من المهم نقاش أفضل آليات التمثيل والعمل السياسي في الحالة الفلسطينية، وتحديداً مناقشة المقاربات التي تؤيد انتخابات مباشرة، لإفراز التمثيل الفلسطيني، وتلك التي تقوم على البنية التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن أهمية وفرص الحسم في الصلاحيات، بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ومناقشة أطروحات تحويل السلطة إلى كيان خدمي، مقابل أطروحة تحويلها إلى دولة، وعلاقة هذا بمستقبل منظمة التحرير الفلسطينية ودورها.
فلسطينيو الشتات
أما بخصوص دور فلسطينيي الشتات في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، فقد أوضح ماجد الزير، الرئيس التنفيذي للمجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية في بروكسل، أنه لا بد من دراسة جيوسياسية معمقة للوجود الفلسطيني في الخارج، منذ نكبة فلسطين وحتى اتفاق أوسلو، لرصد نقاط القوة والضعف لوجودهم في الجغرافيا التي يعيشون عليها بموضوعية، والكشف عن مدى حيوية دورهم المنتظر والممكن في مستقبل القضية.
وتابع الزير: "للأسف اضمحل هذا الدور الطليعي، وتراجع ما بعد اتفاق أوسلو، خاصةً مع انتقال قيادة المنظمة للداخل، ورفع الغطاء عن أشكال العمل المنظم لفلسطين في الخارج، من قبيل التنظيمات الشعبية التابعة للمنظمة".
الزير لفت إلى أنه بعدما أدركت أغلبية واضحة من أبناء الشعب الفلسطيني في الخارج، الأخطار الجسيمة لاتفاق أوسلو، ظهرت تحركات فلسطينية، سواء بمنطلقات فصائلية أو مبادرات شعبية، لتأخذ على عاتقها أن يضطلع فلسطينيو الشتات بدورهم في الدفاع عن القضية، وإعلان رفض أي تنازلات عنها، وتشكلت مؤسسات ومبادرات شعبية ترفض طريقة إدارة المشهد القيادي الفلسطيني، وتطالب بإعادة بنائه على أسس تعكس الإرادة الجمعية الفلسطينية.
وأكد الرئيس التنفيذي للمجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية في بروكسل، أنه من خلال المسار التاريخي والواقع الحالي نرى آفاقاً لفلسطينيي الخارج، في التأثير على رسم مستقبل القضية، الذي يعالج الثغرات الاستراتيجية في المشهد الفلسطيني القيادي.
ويُنظم المؤتمر الذي استمر لمدة يومين مجموعة العمل من أجل فلسطين، التي تضم مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية، ومركز رؤية للتنمية السياسية.
يُذكر أن مجموعة العمل من أجل فلسطين، المنظِّمة للمؤتمر، تشكَّلت قبل 3 سنوات، وتهدف إلى دراسة التحولات في المجتمع الفلسطيني، في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، والأراضي المحتلة عام 1948، والخارج.