أجمع باحثون وأكاديميون فلسطينيون على تعاظُم قوة التيار الديني في المجتمع الإسرائيلي وتعزيز نفوذه، بعد انتخابات الكنيست الأخيرة، ووصول بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة، مؤكدين أن تل أبيب تخشى من إنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني.
جاء ذلك ضمن مشاركاتهم في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر التحولات في البيئة السياسية المؤثرة في القضية الفلسطينية بعد أوسلو"، الذي انطلق السبت 4 فبراير/شباط 2023، في إسطنبول.
إذ قال أنطوان شلحت، باحث في الشؤون الإسرائيلية، خلال عرض ورقته البحثية، إن تيار "الصهيونية الدينية" في نسخته الحالية، التي تُمثل أقصى اليمين الإسرائيلي، بات يمثل قوةً ثالثة في المجتمع الإسرائيلي، لأنه أصبح مؤثراً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو.
وتابع شلحت: "نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي، التي جرت يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أثبتت أن اليمين الإسرائيلي بات منذ فترة طويلة يحتل الأكثرية في الكنيست، فضلاً عن أن ما يُسمى بـ"معسكر قوى الوسط- اليسار) لا يتبنّى أطروحات بعيدة جداً عن أطروحات هذا اليمين، ولا سيما فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، وفي سائر مفاصل السياسة الخارجية الإقليمية والعالمية".
كما أشار شلحت إلى أن هناك من يعتقد أن احتلال اليمين الأكثرية في الكنيست أصبح واقعاً وصل إلى نقطة اللاعودة، وذلك لأسباب شتى، قد يكون أبرزها التركيبة الديموغرافية للمجتمع الإسرائيلي، والتي تشير كل التوقعات بشأنها إلى استمرار ارتفاع نسبة اليهود الحريديم "المتشددين دينياً" في الأعوام القليلة المقبلة.
واستكمل الباحث في الشؤون الإسرائيلية: "ما اتضح لاحقاً هو أن أغلبية الإسرائيليين الذين يتفاخرون بحمل لقب (يساريين)، هم ليسوا أكثر من حمائم تغرد داخل السرب، لا حمائم ذات قيم عالمية، ويؤيدون عملية السلام من منطلق اعتبارات براغماتية، تندرج فقط في إطار مصلحة الشعب اليهودي".
أما الصنف الذي يؤيد السلام بدوافع أخلاقية عالمية، وفقاً لشلحت، فقد بات صنفاً نادراً، وهذا الصنف لا يبحث عن ملاذ في حضن الوطنية العمياء والإجماع القومي.
من جهته، قال إبراهيم حجازي، رئيس الإدارة العامة في الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ما يحدث في الداخل الإسرائيلي يجب أن يُستفاد منه في ترتيب الوضع الفلسطيني، وتحديد ما يريده الفلسطينيون في المرحلة المقبلة، مستبعداً حدوث أي اقتتال داخلي في تل أبيب.
التحولات العسكرية في إسرائيل
وحول التحولات العسكرية في إسرائيل، قال فادي نحاس، مختص في شؤون الجيش والأمن القومي الإسرائيلي، إن إسرائيل مازالت تفتقر إلى عقيدة استراتيجية شاملة وثابتة، وبعيدة المدى على المستوى الإقليمي عامة والفلسطيني خاصة، كما أن عقيدتها الأمنية مازالت ترتكز على سياسة الاغتيالات، من أجل تعزيز قوة الردع، وضرب المباني والمراكز العسكرية ومعداتها.
وأشار نحاس إلى أن الموقف الأمني العسكري الإسرائيلي لم يطرأ به أي تغيير ملحوظ تجاه المشهد الفلسطيني، ولا توجد أحداث أو توترات عسكرية وأمنية، ذات أهمية، تتطلب تعديلاً جوهرياً في الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل.
كما أكد نحاس أن إسرائيل ستستمر في السعي لتعميق الانقسام الفلسطيني، وإدارة الصراع بالحفاظ على الوضع القائم مقابل السلطة الفلسطينية، والسعي لبقاء حماس ضعيفة، وهو ما يمكّنها من إرجاء المواجهة في قطاع غزة قدر الإمكان.
وبحسب نحاس، فإن الحكومة الإسرائيلية تتبنّى سياسات للمحافظة على أطول فترة هدوء ممكنة على الحدود مع غزة، الأولى سياسة العقاب والثواب، في إطار استراتيجية عسكرية هي "المعركة بين الحروب"، التي تشمل توجيه ضربات محدودة إلى المنظمات الفلسطينية؛ لمنع تعاظمها بين فترة وأخرى، أما الثانية فهي سياسة الاعتماد على الوساطة العربية (مصر وقطر).
تخوّفات إسرائيل
أما بخصوص ما تتخوف منه إسرائيل مستقبلاً، فقد لفت نحاس إلى أن أول هذه التخوفات هو إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتحدي مأسسة السلطة الأمنية عن طريق مجموعات مختلفة من الفاعلين المحليين، ومحافظة حركة حماس على شعبيتها الجماهيرية، مع تراجع مشروع السلطة السياسي، وبناء عقيدة أمنية فلسطينية ورؤية نضالية جديدة.
ويُنظم المؤتمر الذي استمر لمدة يومين مجموعة العمل من أجل فلسطين، التي تضم مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية، ومركز رؤية للتنمية السياسية.
يُذكر أن مجموعة العمل من أجل فلسطين، المنظِّمة للمؤتمر، تشكَّلت قبل 3 سنوات، وتهدف إلى دراسة التحولات في المجتمع الفلسطيني، في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، والأراضي المحتلة عام 1948، والخارج.