يناقش مؤتمر في إسطنبول، بدأ السبت 4 فبراير/شباط 2023، التحولات السياسية المؤثرة في القضية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، بمشاركة باحثين وأكاديميين وسياسيين، وخبراء مختصين بالشأن الفلسطيني، ركزوا في نقاشاتهم على تطبيع العلاقات مع الاحتلال، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية.
هذا المؤتمر تنظمه مجموعة العمل من أجل فلسطين، بنسخته الثالثة، يناقش أيضاً محاور عدة متعلقة بالقضية الفلسطينية، من بينها التحولات بالبيئة السياسية الدولية والعربية والإسلامية وأثرها على القضية الفلسطينية.
في هذا الصدد، قال رئيس منتدى الشرق وضاح خنفر، إن "النظام الدولي الذي أسس من أجل إسرائيل لم يكن عادلاً ولا رحيماً بالفلسطينيين، لكن هذا النظام الآن يواجه تصدعات عديدة في الوقت الراهن، بل هناك استقطابات عديدة لتشكيل نظام دولي جديد".
أضاف خنفر أن النظام العالمي الذي قد يتشكّل بسبب الصراعات المتفاقمة في مناطق مختلفة حول العالم، لا بد للفلسطينيين أن يجدوا لهم مكاناً فيه، وهو الأمر الذي يتطلب الاستعداد بمبادرات مختلفة وجديدة، مشيراً إلى أن "النظام العالمي يهتز الآن، ولم يعد كما كان، والنظام الجديد لا نعرفه، وهذا ما ينعكس على تشكيل المنطقة العربية بل العالم، وفي القلب منها القضية الفلسطينية".
من جانبه، قال عريب الرنتاوي، مؤسس ومدير عام مركز القدس للدراسات السياسية، إنه "من الأهمية دراسة مسارات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، لا سيما عندما فتحت مصر أبوابها من خلال زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وتوقيع معاهدة كامب ديفيد ثم الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية".
أشار الرنتاوي إلى أن "موجة التطبيع الأخيرة فقد انطوت على أكاذيب ثلاثة، وهي أن التطبيع يساعد على لجم التطرف الإسرائيلي، وتعزير تيار الاعتدال في أوساطها، كما يعزز على مساعدة الأشقاء الفلسطينيين بجانب أكذوبة لدى إسرائيل ما يصعب الحصول عليه من أماكن أخرى".
الرنتاوي أضاف خلال عرض ورقته البحثية عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أن "التطبيع هو طريق الأنظمة والحكام لكسب ودّ واشنطن وتعويض أزمة الشرعيات، بالإضافة إلى أن التطبيع يعد مدخلاً لبناء منظومة إقليمية لمواجهة إيران وحلفائها".
لفت الرنتاوي أيضاً إلى أن "استطلاعات رأي عديدة أظهر تعاظم رفض الشعوب العربية للتطبيع ومساراته، بل أكدت الأرقام من السعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن مصر والأردن رفضاً شعبياً للتطبيع بالرغم من صمود المعاهدات رسمياً وحكومياً".
إلى ذلك، قال عبد الله الأشعل، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي المنتدب بجامعة القاهرة، إن الصراع بين التيارات الإسلامية والتيارات القومية أثـر تأثيراً كبيراً على سير القضية الفلسطينية، خاصة أن المقاومة الفلسطينية التي قادتها حركة فتح كانت علمانية، مشيراً إلى أن المقاومة ضد الاحتلال أصبحت إسلامية وليست عربية.
الربيع العربي والثورات المضادة
وحول الربيع العربي والثورات المضادة وانعكاسها على القضية الفلسطينية، قال عاطف الجولاني، الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني، إن نتائج الثورات جاءت مخيبة للآمال، وعصفت بتلك التوقعات، فلم تعد القضية الفلسطينية كما كانت طوال عقود قضيةً مركزيةً وموضعَ إجماع عربي.
وتابع الجولاني: "إن الانشغال بتداعيات ثورات الربيع العربي، وما أعقبهـا مـن ثورات مضادة، أدى إلى صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، وتضاؤل الدعـم المقدم لها، وتراجُع مكانتها عربياً ودولياً لصالح الاهتمام بقضايا أكثر سخونة واشتعالاً".
وأضاف الجولاني أن الاختلاف في مواقف الدول العربية من ثورات الربيع العربي، تسبّبت في حالة انقسام حاد عبّرت عنه الأزمة الخليجية عام 2017، التي أدت إلى شلل مؤسسات العمل العربي المشترك وتعطيل دورها.
من جهته، قال أحمد عطاونة، مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، إن المؤتمر يشارك فيه متخصصون في السياسة الفلسطينية؛ من أجل المساهمة في تقديم عدد من الأبحاث التي تتناول الجوانب المختلفة من الرؤية التعددية، وأشار إلى أن المشاركات في المؤتمر من أبحاث مختلفة قد تمكّن أي جهة فلسطينية من الاطلاع على رؤى وأفكار لإخراج المأزق الفلسطيني وما يواجهه ويعايشه.
صراع بين الناتو وروسيا
على المستوى الدولي، تحدث خنفر، عن الصراعات الدائرة في العالم والتشكيلات التي ظهرت منها على السطح، مشيراً إلى "أن السياسة الخارجية الصينية وتقارُب العلاقات مع روسيا ليسا مجرد تصريحات، بل محاولة لتقوية تكتلها".
أضاف خنفر: "اليوم نحن أقرب إلى صراع مباشر بين الناتو وروسيا، وهذا يوضح أن الحلف الغربي يريد أن يرسل رسالة إلى الصين عبر روسيا".
وحول شمال إفريقيا، أعرب خنفر عن أمله عدم التصعيد في ملف الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، لا سيما بعد تصاعد التصريحات بين البلدين.
كما تطرق إلى الوضع الإقليمي الإيراني والباكستاني، وقال: "إن التصعيد في إيران سوف يؤثر على المنطقة كلها"، لافتاً إلى أن الوضع المضطرب في باكستان من مظاهرات وتدهور اقتصادي وتدخّل دول كبرى في سياستها من أجل الاشتراط عليها، في وقت لاحق، بسحب الأسلحة النووية لديها.
اختتم رئيس منتدى الشرق حديثه بأن "المشهد الإقليمي يتحرك بشكل سريع، وهناك مواجهات محتملة، بل هناك حالة توتر أكبر، بسبب حالة الاستقطاب الحالي".
يُذكر أن مجموعة العمل من أجل فلسطين المنظمة للمؤتمر تشكلت قبل 3 سنوات، وتهدف إلى دراسة التحولات في المجتمع الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والأراضي المحتلة عام 1948، والخارج.
تضم مجموعة العمل مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية، ومركز رؤية للتنمية السياسية، وتستمر فعاليات المؤتمر يومين، وتتضمن مناقشة 19 ورقة بحثية.