استغلت روسيا "بشغف شديد" استعداد فرنسا لسحب جيشها من بوركينا فاسو في غضون شهر، بناء على طلب من المجلس العسكري الحاكم في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، بحسب ما قالت شبكة Bloomberg الأمريكية، الأحد 29 يناير/كانون الثاني 2023.
يأتي انسحاب القوات الفرنسية البالغ قوامها حوالي 400 جندي في بوركينا فاسو بعد عشرة أشهر من طرد قواتها من مالي المجاورة، حيث قضت القوات الفرنسية ما يقرب من عقد من الزمن في قيادة معركة خاسرة ضد تمرد جهادي متزايد، أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين في أثناء انتشاره عبر الساحل الإفريقي.
في كلا البلدين، حدث الانسحاب الفرنسي، في الوقت الذي عزز فيه القادة الحكوميون علاقاتهم مع الكرملين، الذي استخدم مجموعة فاغنر المرتزقة لكسب موطئ قدم في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا والسودان.
سعت فرنسا إلى الحفاظ على علاقتها الوثيقة مع بوركينا فاسو، لكن طلب المجلس العسكري الصريح بسحب البلاد لقواتها جاء بعد سلسلة من التحركات العدائية المتزايدة تجاه باريس، بما في ذلك حظر الإذاعة الفرنسية RFI.
وفي وسط الاضطرابات، صرحت فرنسا أنها ستستدعي سفيرها في بوركينا فاسو، بينما تسعى للحصول على توضيح من السلطات، ومن المتوقع أن تعلن تجديد وجودها الأمني في إفريقيا، وقد انتقل عدد كبير من القوات الفرنسية بالفعل إلى النيجر، المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو.
تحذير غربي من "فاغنر"
وحذرت الحكومات الغربية منذ سنوات من خطر حملات التضليل الروسية في منطقة الساحل، بقيادة شركات مرتبطة بمؤسس شركة فاغنر يفغيني بريغوزين. فقد حذرت وزارة الخارجية الأمريكية في مايو/أيار 2022، قائلةً: " من خلال الشركات التي تستغل الموارد الطبيعية لإفريقيا، والفاعلين السياسيين الذين يقوِّضون الأطراف الديمقراطية، والشركات الواجهة التي تتظاهر بأنها منظمات غير حكومية، والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، ينشر بريغوزين معلومات مضللة للتأثير على السياسة الإفريقية لصالح روسيا".
ونمت العلاقات بين الكرملين والقادة السياسيين في منطقة الساحل بشكل وثيق حيث يُنظر إلى روسيا بشكل متزايد على أنها شريك محتمل فعال في الحرب ضد الجهاديين.
حافظت فرنسا على نفوذها الضخم على السياسة والاقتصاد والأمن في دول الساحل في العقود التي تلت استقلالها عن القوة الاستعمارية السابقة في الستينيات. هذا التاريخ، إلى جانب فشل القوات الفرنسية في وقف انتشار النشاط المتطرف في المنطقة، ساهم في تنامي الشعور بالاستياء.
خلقت هذه الديناميكيات فرصة لمجموعة فاغنر، التي استأجرها المجلس العسكري الحاكم في مالي في ديسمبر/كانون الأول 2021 للمساعدة في جهود مكافحة التمرد. ونفت بوركينا فاسو أنها فعلت الشيء نفسه.
فيما اتهمت الأمم المتحدة الشركة العسكرية الخاصة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واستئجار مرتزقة مقابل وصول روسيا إلى مناجم الذهب. ولم ترد الخدمة الصحفية لشركة كونكورد، المملوكة لبريغوزين، على الأسئلة حول أنشطتها في إفريقيا.
تضاعفت الوفيات بين المدنيين أربع مرات تقريباً إلى أكثر من ألفي مدني منذ أن نشرت مالي مرتزقة فاغنر في ديسمبر/كانون الأول 2021، ارتفاعاً من حوالي 550 في العام السابق، وفقاً للبيانات التي جمعتها ACLED، وهي مجموعة إحصائية حول النزاعات المسلحة مقرها واشنطن. وفي عام 2022، قُتِلَ ما لا يقل عن 750 مدنياً في هجمات شنها مقاتلو فاغنر الذين يعملون جنباً إلى جنب مع الجنود الماليين.
وتسبب وجود فاغنر أيضاً في الانهيار البطيء لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يبلغ قوامها 13 ألف جندي والتي تعمل في مالي منذ عام 2013. وفي أواخر العام الماضي، أعلنت ألمانيا والمملكة المتحدة وساحل العاج أنها تنسحب من المهمة، بعد الدنمارك وقرار السويد أن تفعل الشيء نفسه.
ولم يعانِ أي بلد في منطقة الساحل من انهيار سريع مثل بوركينا فاسو، التي كانت قبل ثماني سنوات فقط تُعتبر مستقرةً نسبياً ووجهةً سياحية. والآن أصبحت مساحات شاسعة من أراضيها خارج سيطرة الحكومة، ومات الآلاف ونزح حوالي مليونيّ شخص -ما يكافئ عُشر السكان.