نشر موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة، 27 يناير/كانون الثاني 2023، تقريراً حول أسباب منع إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ليأتي الرد من مصادر في إيران بأن الافتقار إلى إجماع، أو شخصية "شجاعة" بما يكفي للتغلب على المعارضة الداخلية، من الأسباب الرئيسية التي تعوق جهود طهران لإحياء اتفاق عام 2015.
الموقع أوضح أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سعى للعودة بالولايات المتحدة إلى الاتفاق منذ توليه المنصب، لكن الجانبين فشلا في إعادة إحياء الاتفاق حتى الآن، رغم المحادثات التي جرت في فيينا لمدة شهور.
وقال دبلوماسي إيراني سابق، للموقع البريطاني: إن الأحداث المحلية والدولية تضافرت معاً لتقويض فرص العودة للاتفاق النووي، ومنها هجوم روسيا حليفة إيران على أوكرانيا.
الدبلوماسي أضاف: "لا تزال الولايات المتحدة مستعدة لتوقيع الصفقة في الوقت الحالي، لكن ليس لدينا الكثير من الوقت. وليس لديّ أي آمال على المستوى الشخصي. إذ يبدو أن أوروبا الغاضبة والولايات المتحدة تنتظران نقطة التحول في الحرب الأوكرانية لزيادة الضغط… وإعادة تطبيق جميع قرارات مجلس الأمن الخطيرة ضد إيران".
انتخاب رئيسي
وأشار الموقع إلى أن انتخاب إبراهيم رئيسي، المعارض السابق للاتفاق، رئيساً لإيران عام 2021 بدا في أول الأمر وكأنه يبدد الآمال في إمكانية إحياء الاتفاق، مع خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من منصبه.
وأردف أنه بالرغم من ذلك، عند توليه منصبه، بدا أن رئيسي يشير إلى استعداده للعودة إلى الاتفاق، وبدأت المحادثات. لكن حتى الآن لم يتحقق نجاح.
وصرح مصدر موثوق، سبقت له المشاركة في المحادثات، بأن الاتفاق أصبح ضحيةً للمعارضة، وغياب التوافق، والصراعات السياسية الداخلية، وعدم الشجاعة على الجانب الإيراني.
وتحدّث المصدر، بشرط السرية لأسباب أمنية، قائلاً: "ليس هناك اتفاق على المسودة الحالية للصفقة داخل أروقة المجلس الأعلى للأمن القومي. وتشمل قائمة معارضي المسودة الحالية للاتفاق كلاً من المفاوض النووي السابق سعيد جليلي، ممثل المرشد الأعلى لدى المجلس، ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري".
معارضو الاتفاق النووي
المصدر أردف أن الأمين العام للمجلس، علي شمخاني، يتبنى "موقفاً متشدداً، ولا يرغب في تصنيف نفسه باعتباره مؤيداً أو معارضاً للاتفاق، وليس على استعداد لدفع أي ثمن مقابل الوقوف وراء الاتفاق".
وفي الوقت ذاته، أفاد المصدر نفسه بأن كبير المفاوضين، علي باقري، كان من أشد معارضي الاتفاق النووي قبل عامين، لكنه تحوّل اليوم إلى واحد من أكبر مؤيدي إعادة إحيائه.
لكن المصدر أردف: "ربما يتمتع علي باقري بالرغبة والاستعداد لتوقيع الاتفاق أكثر من أي شخصٍ آخر في البلاد، لكنه يفتقر إلى الشجاعة الكافية للتقدم والتضحية بنفسه، وتحمل مسؤولية توقيع الاتفاق الذي يعارضه الكثيرون. وتشمل قائمة المعارضين رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي لا يرى أي فائدة اقتصادية للاتفاق".
التحوُّل المكلف
يأتي ذلك، فيما تحدّث مصدر مقرّب من المحافظين إلى الموقع البريطاني، بشرط السرية، وتطرق المصدر إلى تحول باقري من معارض إلى مؤيد للاتفاق النووي.
حيث قال: "لا يبدو أن المرشد الأعلى نفسه لديه أي نية لأن يُعرف بأنه الشخص المسؤول عن توقيع الاتفاق، ولهذا منح إبراهيم رئيسي سلطة إدارة المحادثات النووية بالكامل. لكن رئيسي لا يتحلى بالشجاعة الكافية ليقف، ويتحدى جميع المعارضين، ويأمر باقري بتوقيع الاتفاق".
المصدر أضاف أن باقري كان جاهزاً لاصطحاب وزير الخارجية أمير عبد اللهيان إلى فيينا وإعلان إحياء الاتفاق النووي، وذلك عندما كانت المسودة النهائية مطروحةً على الطاولة في سبتمبر/أيلول. لكن المفاوض السابق جليلي وضع شروطاً جديدة، وأقنع صناع القرار الرئيسيين بإضافتها إلى المسودة، لتُقابَل برفضٍ كامل من جانب الحكومة الأمريكية لاحقاً.
ويُذكر أن الرئيس المعتدل السابق، حسن روحاني، ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، كانا مسؤولين عن المفاوضات مع الولايات المتحدة بين عامي 2013 و2015. وتعرّض كلاهما خلال تلك الفترة لضغوطات من معارضي الاتفاق ومن الشخصيات الأصولية النافذة.
من جهته، أوضح مسؤول سابق، عمل في إدارة روحاني، أن شمخاني الذي عُيِّن بواسطة روحاني نفسه لم يكن مستعداً لدعمه.
وقال المسؤول: "لكن روحاني وظريف قررا المضي قدماً وتوقيع الاتفاق في النهاية، رغم علمهما بأنهما سيتعرضان للانتقادات، وذلك نظراً لوجود شخصيات متشددة نافذة ورئيسية تعارض الاتفاق. ولهذا قالت بعض الشخصيات آنذاك إن روحاني وظريف اختارا التضحية بنفسيهما من أجل البلاد، لأنهما قررا التصرف كدروع حتى تصبح الصفقة ممكنة. ويكمُن سر تمكين روحاني وظريف في الدعم الكامل من الشعب لهما، وفي رصيدهما الاجتماعي الكبير.
وتابع: "لكن المتشددين هم من يتفاوضون على إعادة إحياء الاتفاق اليوم، بعد أن كانوا جميعاً من معارضيه عام 2015، ولهذا لا يجرؤ أحدهم على توقيع الاتفاق، لأنهم يخشون مؤيديهم أيضاً".