في مجموعة من التغريدات على صفحته في "تويتر" ، انتقد الأكاديمي السعودي تركي الحمد، المقرب من ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، الجمعة 27 يناير/كانون الثاني 2023، الوضع الاقتصادي في مصر مشيراً إلى أن القوات المسلحة المصرية بتغولها في الاقتصاد هي المسؤولة عن تردي الأوضاع في البلاد، على حد قوله.
ففي عدة تغريدات له، تناول تركي الحمد، بالنقد الشديد الوضع الاقتصادي في مصر. وهذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها الأوضاع المصرية، فقد سبق له أن انتقد الكاتب المصري عماد الدين أديب، حين كتب مجموعة من المقالات يتحدث فيها عن الوضع الاقتصادي المصري، ودعوته لدول الخليج لدعم مصر، وذلك في عام 2022.
مصر أسيرة لصندوق النقد!
تركي الحمد في تغريداته التي أثارت الجدل وتناولها الكثيرون بالتحليل والتأكيد على أن ثمة فتوراً في العلاقات المصرية السعودية، قارن بين مصر في العهدين الملكي والناصري، ومصر في عهد السيسي وقال: "مصر في الذهن العربي ليست مصراً واحدة، بل هي مصران: فهناك مصر النموذج، سواء كان هذا النموذج هو مصر التنوير والحداثة والنهضة منذ بدايات مصر الحديثة في عهد محمد علي الكبير، أو كان النموذج الناصري منذ عام 1952، نموذج الثورة والتنمية والمكانة الدولية المميزة. بمعنى أن لدينا نموذجين لمصر: مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ، وينقسم المراقبون إلى مؤيد ومعارض لهذا النموذج أو ذاك".
الكاتب والأكاديمي السعودي قال كذلك: "في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكياً كان أم جمهورياً.. فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، والتي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟!".
في الوقت نفسه وفي تغريداته تساءل الحمد: "ما الذي يجري في مصر اليوم؟". مضيفاً أنه "لا يمكن تفسير الحالة المصرية بعامل واحد، وخاصة بعد سقوط الملكية، وبدايات الصعود إلى الهاوية، بل هي عدة عوامل لعل من أبرزها، أولاً: هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش".
أضاف: "ثانياً: البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والتي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية.. ثالثاً: الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من فوق".
أردف: "هذه الثقافة ريفية الجذور، فرعونية التاريخ، ربما لها علاقة بالنيل في فيضانه وانحساره، وبالفرعون في بسطه وانقباضه. هذه هي أهم ثلاثة عوامل لا يمكن فهم ما يجري في مصر دون أخذها في الاعتبار وفق ظني، وليس كل الظن إثماً في كل حال".
برر الحمد حديثه هذا بقوله إن: "الحديث عن مصر ليس حديثاً عن أية دولة عربية أخرى، وليس تدخلاً في شؤونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب".
انتقادات لعماد الدين أديب
الأكاديمي السعودي تركي الحمد سبق أن انتقد الكاتب المصري عماد الدين أديب، الذي كتب عدة مقالات نهاية العام المنصرم تناول فيها الوضع في مصر وذلك تحت عنوان "مصر: من يعوّض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسيّة الأوكرانيّة؟". وحمل أديب في مقالاته ما يشبه ابتزازاً لدول الخليج، عبر التحذير من تسلل دول غير عربية شرق أوسطية إلى المنطقة، بسبب ما سماه غياب الدور الخليجي في دعم مصر. وقال أديب: "إن مستقبل العلاقات المصرية -الخليجية قد يكون أحد ضحايا فاتورة الحرب الروسية-الأوكرانية، محذراً من أن ذلك يفتح المجال أمام دول إيران وتركيا وإسرائيل".
تركي الحمد رد على عماد الدين أديب بالقول: "كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟ وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن "راع" خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج".
في المقابل، تناول نشطاء وصحفيون مصريون تصريحات الأكاديمي السعودي بشيء من التحليل واعتبروا أن الكاتب السعودي قد حصل على ضوء أخضر لانتقاد مصر، حسبما قالوا في تغريدات لهم، وأن ثمة خلافات تلوح في الأفق بين المصريين والسعوديين، في ظل الخلاف حول دور الجيش في الاقتصاد وأن صندوق النقد الدولي قد دعا حلفاء مصر من دول الخليج لدعم الدولة التي تعاني أزمة اقتصادية كبيرة، في حين يطالب دول الخليج بخروج الجيش من الاقتصاد المصري، وهو ما يرفضه الجيش والسيسي.
فكتب الصحفي المصري جمال سلطان بعد أن نشر تغريدة لتركي الحمد: "مخيف وخطير، وجريمة عظمى، أن تتسبب ممارسات القيادة السياسية في دولة من الدول في تعميق الكراهية بين الشعب وجيشه، أو أن يرى شعبها أن الجيش مؤسسة فساد وداعمة للفساد وحامية للفساد، وأن الجيش سبب جوهري لفقر الشعب وجوعه وسرقة مقدراته، خطير جداً".
في حين تناول مصريون آخرون التغريدات بشيء من الحذر وتساءلوا عن توقيت الانتقادات ومن يقف وراءها.
السعودية تغيّر طريقة تقديم المساعدات للحلفاء
تأتي تصريحات الأكاديمي السعودي بعد أيام قليلة من تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان، التي قال فيها إن المملكة تغيّر طريقة تقديم المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.
أضاف الجدعان خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا أن المملكة، أكبر مُصدر للنفط في العالم وقوة عربية، تشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية. وأردف: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات".
مضى يقول: "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهداً. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".
في حين تحركت السعودية ودول خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر بشكل متزايد نحو الاستثمار بدلاً من تقديم مساعدات مالية مباشرة. ووقّعت السعودية في يونيو/حزيران 2022 اتفاقات بقيمة 7.7 مليار دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية.
تصريحات الجدعان رآها مصريون أنها تلميح للموقف السعودي من التمويلات الممنوحة للقاهرة، في ظل تعثر السلطات المصرية اقتصادياً ورغبتها في الحصول على قروض ودعم خليجي كبير، في حين تشترط السعودية الانخراط في نشاط اقتصادي واستثماري بدلاً من منح تمويلات مالية دون مقابل.