مع بداية كل عام، يقدم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقديره الاستراتيجي الموجه إلى صناع القرار في تل أبيب، والذي يتضمن أبرز التحديات التي تواجه إسرائيل عموماً.
تتنوع هذه التحديات على محاور عدة؛ منها تحديات أمنية خارجية، وتحديات داخلية، والواقع الداخلي للمجتمع الإسرائيلي، إضافة إلى التحولات في العلاقات العالمية وظلالها على إسرائيل. كما يطرح التقدير مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات المختلفة التي توضع أمام صناع القرار.
يتناول هذه التقرير أهم ما جاء في التقدير الاستراتيجي لعام 2023 بما يتعلق بالساحة الفلسطينية في ظل حالة التصعيد القائم.
المشكلة الاستراتيجية – دائرة صراع بلا مخرج
إنه منذ ما يقرب من عقد ونصف، كان الهدف الاستراتيجي للاحتلال الإسرائيلي في ساحة الصراع مع الفلسطينيين هو كسب الوقت، عندما لا يكون واضحاً الهدف، وتثبيت هدوء أمني لأطول فترة ممكنة.
من الناحية العملية، فالأمر يتعلق بإدارة الصراع دون أي محاولة للسعي للتوصل إلى تسوية دائمة. وهنالك من يتمسك بالرؤية المعروفة بـ"تقليص الصراع"، وهي وسيلة لكسب الوقت وتأجيل القرارات ذات الوزن، لرفع العبء الفلسطيني عن إسرائيل. ومع ذلك، فإن الوقت عامل حاسم في السير البطيء نحو واقع دولة واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
اتسم العام الماضي بارتفاع وتيرة المواجهة، لكن القيادات أحجمت عن اتخاذ قرارات جوهرية؛ مما خلق مأزقاً سياسياً وخلفية للتصعيد. المأزق جاء نتيجة لتراكم الأحداث والتطورات على مر السنين، وأهمها الفشل المتكرر في التوصل لاتفاق تسوية دائم، والانقسام في الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس، وقبول الرواية في إسرائيل القائلة بغياب الشريك الفلسطيني، إضافة إلى الضعف المتزايد في قدرة السلطة الفلسطينية على السيطرة على أراضيها.
كل هذا دفع الجمهور الإسرائيلي، وكذلك صناع القرار، إلى فقدان الثقة في القدرة على الدفع باتفاق شامل للصراع بروح مفهوم الدولتين. ومع ذلك، فإن عدم إحراز تقدم نحو التسوية واستعباد الطرفين لإدارة الصراع يعمق التشابك وتعقيد الساحة، حتى لا يكون من الممكن في المستقبل تصميم واقع سياسي يهودي وفلسطيني، يكون كل منهما متميزاً ومنفصلاً سياسياً وجغرافياً وديموغرافياً.
الأحداث الموجهة في مطلع عام 2023.. ارتفاع منحنى التصعيد
تميز العام الماضي بموجة متزايدة من التصعيد، خاصة في الضفة الغربية، والتي تسببت في أكبر عدد من القتلى في السنوات العشر الماضية، حيث سجل جيش الاحتلال أكثر من 280 عملية فدائية في عام 2022.
التحدي الرئيسي اليوم هو التهديد الأمني المتزايد في شمال الضفة الغربية، والذي يهدد بالانتقال إلى القدس ومناطق أخرى في الضفة الغربية. قرابة 32 إسرائيلياً قُتلوا خلال عام 2022، بينما استشهد 160 فلسطينياً في اشتباكات مع الجيش.
تنبع موجة التصعيد من تفكك السلطة الفلسطينية وفقدانها للشرعية في أوساط الجمهور الفلسطيني والأمل في إنهاء الاحتلال. هذه الحالة يقودها شبان فلسطينيون يخترقون الفراغ السلطوي. بالإضافة إلى ذلك، هناك تقصير في منع العمليات من جانب الأجهزة الأمنية (بسبب صورتها كمتعاونين مع الجيش في نظر الجمهور الفلسطيني)، وتوافر الأسلحة وكذلك تمجيد الشهداء والمقاومة في المجتمع الفلسطيني.
أدى الرد العدواني والقوي من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في إطار عملية "كاسر الأمواج"، خاصة في الضفة الغربية، إلى زيادة الاحتكاك وعدد المواجهات مع الشبان الفلسطينيين المسلحين، وتعزيز ديناميكيات التصعيد. حتى الآن، لم تتطور المواجهة إلى حد انتفاضة شعبية شاملة؛ لأن إسرائيل تجنبت العقاب الجماعي، وسمحت، بل وسعت نطاق عمل العمال الفلسطينيين في إسرائيل.
الساحة الفلسطينية في اليوم التالي لعباس
يرى تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن الصراعات الداخلية على خلافة أبومازن تغذي ديناميات التصعيد، والتي تنعكس في الإحجام عن تحمل المسؤولية عن بؤر الفوضى.
ذلك يدفع الجيش الإسرائيلي إلى القيام بعمليات مكثفة حتى بدون تعاون مع الأجهزة الأمنية، وأحياناً مع معارضتها، مما يؤدي إلى زيادة الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين.
حماس تؤسس نفسها في القطاع وتكتسب قوة في الصراع من أجل السيطرة على المجتمع الفلسطيني، رغم أنها لا تحصل على شرعية من سكان القطاع، من وجهة نظر إسرائيل، لكن لا بديل حالياً عن حكم حماس في قطاع غزة، بسبب عدم وجود عنوان أكثر اعتدالاً ومسؤولية يمكن أن يتولى زمام الأمور.
من الناحية العملية، تعترف إسرائيل بحماس وتستفيد منها من خلال استعادة البنية التحتية في قطاع غزة، وتصاريح لسكان غزة للعمل في إسرائيل، وتخفيف الحصار، وتوسيع التجارة من وإلى قطاع غزة، لكن تخشى من شن حملة عسكرية شاملة ضد الجناح العسكري لحركة حماس بسبب تكلفتها الباهظة في الخسائر والخوف من الهزيمة في القطاع بمرور الوقت وعدم قدرة ورغبة السلطة الفلسطينية نفسها في العودة والسيطرة على المنطقة؛ لذا، تستغل حماس هذا الأمر لا سيما عدم دفعها الثمن من دعمها للمقاومة في القدس والضفة الغربية.
يرى التقرير أن القدس تملك قابلية شديدة الانفجار والنضال من أجل السيادة على الحرم القدسي.
تجتمع كل عوامل الصراع في القدس وهي المحرك الرئيسي للتصعيد؛ فالعدد المتزايد من الاقتحامات اليهودية إلى الحرم القدسي الشريف في السنوات الأخيرة، وبعضهم يصلون سراً أو علناً، يعتبره المسلمون بمثابة اقتحام للمسجد الأقصى.
هذه الظاهرة تحفز العديد من العناصر "المدافعين عن الأقصى" على التعبئة للدفاع المسجد الأقصى، حيث تسمح الشرطة الإسرائيلية بالزيارات السياحية والاقتحامات اليهودية إلى الحرم القدسي دون تنسيق مع الوقف الأردني، في انتهاك لتفاهم الوضع الراهن، الإنجاز التاريخي مع المملكة الأردنية الذي حظي باعتراف دولي. كل ذلك يجعل الأمر قابلاً للانفجار، وأي استفزاز يمكن أن يشعل النار في المكان ويؤدي إلى التصعيد في الساحات الأخرى أيضاً.
الصراع يعود إلى الساحة الدولية: من المتوقع أن ينعكس تراجع الاهتمام الذي يبديه النظام الإقليمي والمجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية في ظل صعود حكومة يمينية في إسرائيل، خاصة إذا اتخذت الحكومة إجراءات الضم وثقل عبء السيطرة على الضفة الغربية، ما يمثل مجموعة من التحديات المتوقعة على الساحة الدولية.
بما في ذلك الترويج لرأي بشأن سياسة إسرائيل في الضفة الغربية من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتحقيق ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، وتسريع مبادرات BDS لمقاطعة إسرائيل. في هذا السياق، فإن اعتماد إسرائيل على قدرة الولايات المتحدة على كبح وصد المبادرات والتحركات ضدها أمر بالغ الأهمية.
لا يمكن إخفاء القضية الفلسطينية: فمن الواضح أن السياسة الحالية قد استنفدت مزيجاَ بين استخدام القوة المتزايدة في الضفة الغربية والجهود المبذولة لتضمين وزيادة عدد تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في إسرائيل. وتتآكل جهود الاحتواء بفعل إجراءات الضم الزاحفة التي قد تتكثف مع تشكيل الحكومة المقبلة التي أعلنت نواياها بالفعل: تعديل قانون الانفصال؛ تشريع 65 بؤرة استيطانية غير قانونية؛ البناء في المنطقة E1؛ تم تسليم الإدارة المدنية إلى وزير من الحزب الصهيوني الديني.
السيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث في العام المقبل
- تصاعد المواجهة بشكل رئيسي في الضفة الغربية، من انتفاضة شعبية إلى حد الانتفاضة المسلحة.
- استمرار تراجع نفوذ "فتح" و"حماس" المتلاشي على الجمهور الفلسطيني، وتشكيل معسكر دائم التوسع من الجماعات أو النشطاء دون انتماء تنظيمي.
- تستمر حماس في تعزيز إنجازاتها السياسية في القطاع على خلفية مشاريع إعادة الإعمار، وتنجح في جلب الشباب الفلسطيني تحت مظلتها، الذين يسعون إلى تحدي إسرائيل وزعزعة الاستقرار في مناطق السلطة الفلسطينية.
- وبسبب تفاقم الأحداث (مع انتهاء عهد عباس) سيكون هناك تدخل دولي يتمحور حول مطلب السماح بانتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة، بما في ذلك التصريح بالتصويت في القدس.
- المصالحة الفلسطينية الداخلية – تجددت محادثات المصالحة بين حركتي فتح وحماس تحت عنوان "وحدة الصف" في ضوء تشكيل الحكومة اليمينية في إسرائيل، وبقدر ما تتخذ الحكومة الإسرائيلية من إجراءات متطرفة تجاه الفلسطينيين، فإنها ستشجع الرغبة في الوحدة وحتى إجراء انتخابات للمجلس التشريعي، وربما أيضاً لرئاسة السلطة الفلسطينية. فعباس الذي أصر على مبدأ "سلاح واحد وقانون واحد وسلطة واحدة" قد يوافق على تنازلات رفضها في السابق لضعف السلطة في هذا الوقت.
- لفترة طويلة، كانت الساحة الفلسطينية تنتظر اليوم الذي يتنحى فيه محمود عباس عن الرئاسة. قد تتطور عدة سيناريوهات في أعقاب ذلك. الأول: سيناريو متفائل لانتقال منظم للقيادة واستمرار عمل السلطة، على الأقل في مستواها الحالي. والآخر سلبي: من الصراع المستمر على القيادة مروراً بالفوضى حتى تفكك السلطة الفلسطينية.
توصيات
مطلوب من إسرائيل أن تتعامل في وقت واحد مع اتجاهين خطرين يغذي كل منهما الآخر:
- على المدى القصير – هناك احتمال متزايد لاندلاع مواجهة عنيفة ومسلحة في الساحة الفلسطينية، في أعقاب الأحداث التي بدأت في عام 2022 واستجابة للقرارات الواضحة للحكومة الجديدة فيما يتعلق بالميدان.
- على المدى المتوسط والبعيد – الانزلاق إلى واقع دولة واحدة. لن تسمح لإسرائيل بالانفصال عن الفلسطينيين في المستقبل واغتنام فرص التسوية السياسية.
يجب أن يرتكز المفهوم الاستراتيجي الإسرائيلي على فرضية أن إسرائيل تتعامل مع كيانين فلسطينيين مختلفين ومتنافسين ومختلفين، السلطة الفلسطينية بقيادة فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة. الهدف الذي تم تحديده في الماضي، إعادة السيطرة على قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، فقد أهميته لأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع ولا تريد تحمل عبء قطاع غزة، في مواجهة مع حماس.
الشرط الذي وضعه عباس للمصالحة هو حل الذراع العسكرية لحركة حماس، أو على الأقل إخضاعها للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. لكن هذا الشرط غير ممكن، علاوة على ذلك، تواجه السلطة بالفعل صعوبة في زيادة الميزانيات لإدارة القطاع، بالإضافة إلى الضفة الغربية.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فيرى تقرير معهد دراسات الأمن القومي أنه يجب منع تفككها وتقويتها واستقرارها، مع الحفاظ على تفوقها على حماس. يجب أن تدرك الحكومة الجديدة في إسرائيل أن الجهود المبذولة لتحييد التهديدات الأمنية الفورية لن توفر إلا حلاً مؤقتاً وجزئياً، وأن احتمالية التصعيد تتزايد، وبمرور الوقت سيتطلب تغييراً جذرياَ في الاستراتيجية تجاه السلطة الفلسطينية وفي العلاقة معها.
من الناحية العملية، يجب على الحكومة الاستمرار في الحفاظ على تنوع قنوات التنسيق مع الهيئة، وعلى وجه الخصوص التنسيق الأمني؛ من أجل منع انتفاضة فلسطينية شعبية. سيُطلب من إسرائيل ضمان نسيج الحياة المدنية وتجنب الإجراءات العقابية الجماعية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية، وزيادة الإحباط خاصة بين جيل الشباب، والتسبب في مزيد من التآكل في رغبة الأجهزة الأمنية بالتعاون مع إسرائيل في مكافحة ما يصفه التقرير بالإرهاب.
التحديات الخارجية
رسم تقرير معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي لعام 2023 صورة لشكل الأحداث والتحديات الإقليمية والدولية التي تواجه صناع القرار في تل أبيب لهذا العام، والتي كان في مقدمتها الصراع الأمريكي الصيني، والنووي الإيراني، بالإضافة للوضع الداخلي غير المستقر سياسياً.
ويرى التقدير الاستراتيجي للتقرير أن العام المنصرم شهد أحداثاً متسارعة في المجالات العالمية والإقليمية والداخلية الإسرائيلية، والتي تتحدى الأمن القومي لإسرائيل، وتتحدى التصورات القائمة وتوجهات السياسة، وبالتالي تتطلب إعادة تقييم للواقع الناشئ وصياغة السياسات وفقًا لذلك.
وصلت بعض هذه الأحداث بالفعل إلى نقطة تحول واضحة خلال عام 2022، بينما يستمر بعضها الآخر في التطور تدريجياً، مما يجعل من الصعب إعادة التفكير في المفاهيم الاستراتيجية السائدة، على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها استمرار الوضع الحالي.
من الأمثلة على الأحداث التي وصلت إلى نقطة تحول في العام الماضي، تفاقم المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، والتي بدأت في عهد الرئيس باراك أوباما وتحولت خلال عام 2022 إلى صراع مفتوح ومتعدد الأبعاد بين القوى، والذي أصبح المشكل الرئيسي للساحة الجيوسياسية العالمية.
إضافة إلى تطور الاجراءات التي اتخذتها روسيا تجاه أوكرانيا منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 على مر السنين ووصلت إلى حرب كبرى على الأراضي الأوكرانية في عام 2022، والتي هزت هدوء أوروبا الذي كان سائدًا في القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ثم يأتي سعي إيران الدؤوب لامتلاك سلاح نووي حولها إلى دولة عتبة نووية بحكم الواقع خلال عام 2022، وهذا في غياب إطار اتفاق ملزم.
تتشابك هذه الأحداث وتقوض عددًا من الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها سياسة إسرائيل الخارجية والأمنية. وبالتالي، فإن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والغزو الروسي لأوكرانيا تدفع إسرائيل إلى اختيار جانب على عكس سياستها حتى الآن، حيث حافظت إسرائيل في السنوات الأخيرة على علاقات واسعة مع كل من الصين وروسيا في الجوانب الاقتصادية والسياسي.
كما أن الضغط المتزايد على إسرائيل من أجل "التمحور" في هذا السياق يضعها في أزمات ثقيلة، وقد يؤدي تغيير السياسة بعد ذلك إلى تقليص حيز المناورة السياسي والأمني بشكل كبير، علاوة على ذلك تركز الولايات المتحدة على الصراع مع الصين وروسيا، وبالتالي فهي أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي لزيادة مشاركتها في الشرق الأوسط أو اتخاذ مبادرات بشأن المنطقة.
أما بالنسبة لإيران، فإن تحولها الفعلي إلى دولة ذات عتبة نووية حتى لو لم يكن هناك إعلان رسمي، بينما تتواصل جهودها لترسيخ نفسها في جميع أنحاء المنطقة هو بلا شك أكبر تهديد حقيقي لإسرائيل، التي ليس لديها حاليًا خيارات تكيف مرضية. علاوة على ذلك، يشكل التعاون بين إيران وروسيا في حربها في أوكرانيا تحديًا كبيرًا آخر، سواء من حيث إمكانية تسليح نفسها بأسلحة متطورة ومن حيث الدعم السياسي والاقتصادي الذي قد تقدمه لها روسيا.
من ناحية أخرى، في دولة إسرائيل نفسها وحولها، تجري أحداث لا تقل خطورة، فعلى الرغم من تسارعها في العام الماضي، لم تصل بعد إلى نقطة تحول حادة. هذه تشكل تحديًا مزدوجًا ومتعددًا، لأنه من الصعب للغاية إحداث تغيير إدراكي وسياسي طالما لم يتم يكن هنالك تأثير كبير في الواقع ومستوى التهديدات التي يشكلها.
الساحة الداخلية
تصاعدت التوترات بين مختلف القطاعات في دولة إسرائيل بشكل كبير خلال العام الماضي، ورافقها استقطاب وتطرف سياسي، يمثل الائتلاف الذي تم تشكيله في أعقاب انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين أجندة يمينية واضحة ينظر إليها قسم كبير من الجمهور على أنها متطرفة، بل وتهدد روح دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
هذا هو الوقت الذي أصبح فيه المجتمع الإسرائيلي أكثر انقسامًا وانقسامًا من أي وقت مضى، في نهاية أربع سنوات من عدم الاستقرار السياسي والتحريض ونزع الشرعية المتبادل. كل هذا يثير علامات استفهام مقلقة فيما يتعلق بالقدرة ذاتها على الحفاظ على أسس النظام الديمقراطي، واستقلال النظام القضائي وإنفاذ القانون، والتوازن بين الدين والدولة، وكذلك الحقوق الفردية.
تشكل علامات الاستفهام هذه تهديدًا للأمن القومي لإسرائيل بسبب احتمالية اندلاع أعمال عنف على غرار "حارس الأسوار". والأهم من ذلك، بسبب الأضرار التي لحقت بالشعور بالتضامن والتماهي مع الجماعة داخل المجتمع الاسرائيلي، ضرورية لاستمرار الرئاسة في أعباء التعامل مع التحديات الجسيمة من الخارج.
العلاقات مع الولايات المتحدة ومع الجاليات اليهودية في أمريكا
العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، التي تعتبر أحد أركان الأمن القومي الإسرائيلي، تواجه تحديات من خلال التطورات الاجتماعية والسياسية داخل أمريكا، وكذلك من خلال إبعاد المجتمعات اليهودية هناك عن إسرائيل، ردًا على ما يحدث في إسرائيل نفسها، تعزيز التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي من ناحية، والتحدي اليميني لـ "النخب" (التي ينتمي إليها جزء كبير من المواطنين اليهود في الولايات المتحدة) من ناحية أخرى، قوضت أسس الدعم لإسرائيل ومكانة الجاليات اليهودية.
إن التحديات الناشئة عن العمليات في الساحة الفلسطينية، في إسرائيل داخليًا وفي العلاقات مع الولايات المتحدة متشابكة أيضًا: ما يحدث في الضفة الغربية يعكس إلى الداخل ويزيد من التوترات والتطرف السياسي في إسرائيل، مما يمنع مناقشة واقعية حول القضية الفلسطينية. كما أن ما يحدث في الضفة وداخل دولة إسرائيل له تأثير سلبي على كل من الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة والحكومة الأمريكية ، حيث يؤدي إبعاد هؤلاء عن إسرائيل إلى زيادة الاستقطاب الداخلي.
يجب على إسرائيل أن تتصرف بحزم لمحاربة الاتجاهات السلبية التي تنخر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولتعزيز الخطاب الوثيق الواقعي والحصيف مع الإدارة والكونغرس. كما يجب أن تعمق وتوسع العلاقات والتفاهمات مع الجاليات اليهودية في أمريكا، والتي تعتبر ركيزة داعمة ومصدرًا مهمًا للتأثير على سياسات الولايات المتحدة.
بعبارة أخرى، فإن قدرة إسرائيل على التعامل مع التهديد الإيراني مشروطة إلى حد كبير، بل وحاسمة في تأمين دعم الولايات المتحدة، وبالتالي على تعزيز العلاقة والثقة المتبادلة معها. لذلك، يجب أن يكون التأثير على العلاقات مع الولايات المتحدة هو الاختبار الأساسي لسياسة إسرائيل الخارجية والأمنية، ويجب فحص كل إجراء مقترح وكل مبادرة في ضوء ذلك.
في ضوء ذلك، فإن الاستنتاجين الرئيسيين اللذين ينبثقان من تحليل العديد من القضايا التي تمت مناقشتها في التقييم الاستراتيجي لإسرائيل 2023 هما:
1. أهمية الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيزها كمبدأ شامل للنظام في تشكيل السياسة الخارجية والأمنية لإسرائيل، لا سيما في مواجهة التحدي الإيراني.
2. ضرورة فهم واستيعاب العواقب الخطيرة للمسكن والاتجاهات المروعة الموجودة في السياق الفلسطيني وفي السياق الإسرائيلي الداخلي، ومن هنا الحاجة الملحة لتغيير الاتجاه. لقد عرفت إسرائيل كيف تعود إلى رشدها وتفعل ذلك عندما وصلت إلى مفترقات حاسمة في الماضي، ونأمل أن تعرف كيف تفعل ذلك هذه المرة أيضًا.