تجاوز عدد المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع في "الخميس الأسود" بفرنسا ضد مشروع حكومي حول نظام التقاعد المليون شخص، حسب ما أعلنته وزارة الداخلية، الخميس 19 يناير/كانون الثاني 2023، فيما تحدثت إحدى أكبر النقابات العمالية، الكونفدرالية العامة للشغل، عن مشاركة أكثر من مليوني شخص في هذه المظاهرات، واصفة التعبئة الشعبية لفائدة هذه الاحتجاجات بـ"التاريخية"، حسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات نجحت النقابات العمالية بفرنسا في رص الصفوف وتشكيل جبهة مشتركة وضخمة على الأرض في مظاهرات "الخميس الأسود"، للتعبير عن رفضها القاطع لمشروع إصلاح نظام التقاعد للرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته، فيما دافع الرئيس إيمانويل ماكرون عن المشروع معتبراً إياه "عادلاً ومسؤولاً".
أكثر من مليون متظاهر في فرنسا
وشارك في المظاهرة التي شملت جميع أنحاء البلاد 1.12 مليون حسب وزارة الداخلية الفرنسية، 80 ألفاً منهم تظاهروا في باريس، فيما أعلنت نقابة الكونفدرالية العامة للشغل "سي جي تي" أن عدد الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع ضد المشروع الحكومي تجاوز المليونين.
وأشاد المسؤول الأول في نقابة الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل "سي إف دي تي" لوران بيرجي بمستوى التعبئة الذي بلغته الإضرابات العمالية في البلاد ضد المشروع. فيما اعتبرتها الكونفدرالية العامة للشغل "تاريخية".
وأفادت "سي جي تي" أن نسبة الإضراب بلغت من 70 إلى 100% لدى عمال المصافي، وأستاذ من أصل ثلاثة مضرب في قطاع التعليم الإعدادي، فيما تخللت الإضرابات بعض المواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في المدن التالية: باريس، ليون، رين، لكنها لم تؤثر على يوم احتجاجي واسع، مر عموماً في هدوء.
القطاعات التي تضررت من الإضرابات
وفي سياق هذه الإضرابات، خفّض العاملون في "شركة كهرباء فرنسا" العامة من إنتاج الكهرباء ليصل على الأقل إلى ما يعادل ضعف استهلاك باريس من الإنتاج الكهربائي.
وبالنسبة للمصافي، سجل فرع الاتحاد العام للعمل في مجموعة "توتال إنرجي" إضراب ما بين 70 و100% من العمال في معظم فروع المجموعة.
وكان الإضراب ملموساً جداً في وسائل النقل، مع عدم تسيير أي قطار بين المناطق وتشغيل عدد قليل من القطارات الفائقة السرعة وحرمان قسم كبير من ضواحي باريس من سهولة النقل، وطلبت هيئة الطيران المدني من شركات الطيران الخميس إلغاء 20% من رحلاتها من مطار باريس-أورلي بسبب إضراب المراقبين الجويين.
فيما لفت "الاتحاد النقابي الموحد" للمدرسين في فرنسا إلى إضراب 70% من المدرسين في المدارس الابتدائية و65% منهم في المدارس المتوسطة والثانوية.
تعليق الرئيس ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دافع عن المشروع على هامش القمة الفرنسية الإسبانية، معتبراً إياه "عادلاً ومسؤولاً". "يجب فقط النظر في كل مكان من أوروبا، لنرى أن فرنسا متراجعة إلى حد ما، وإن أردنا أن نكون عادلين بين الأجيال وإنقاذ نظامنا للتقاعد، من الضروري أن نقوم بهذا الإصلاح".
وتعد فرنسا إحدى الدول الأوروبية حيث السن القانوني للتقاعد هو الأدنى، إذ يبلغ في ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا 65 عاماً و67 عاماً في الدانمارك، وفق مركز الروابط الأوروبية والدولية للضمان الاجتماعي، وهو مؤسسة عامة فرنسية. ويراهن ماكرون وحكومته على اليمين التقليدي لتمرير المشروع، الذي يلاقي معارضة كلية من اليسار واليمين المتطرف.
ما هو مشروع التقاعد الذي أشعل فرنسا؟
تقول وكالة الأنباء الفرنسية إن المشروع يرمي إلى رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً بحلول 2030، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي. واعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في مقابلة مع يومية "لوباريزيان" أنه سيسمح للموظفين المتقدمين في السن بالبقاء في مناصبهم.
فيما أكد ماكرون في مقابلة أجراها مع القناة الفرنسية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2022، أن "جميع الدراسات الجادة تشير إلى ارتفاع مستوى النفقات بهدف الحفاظ على نظام التقاعد، ولهذا السبب والحل الوحيد الذي نملكه هو إطالة مدة العمل".
وأشار تقرير لـ"مجلس توجيه نظام التقاعد" الفرنسي نشر في سبتمبر/أيلول 2022 إلى أنه سجل فائضاً مالياً قدره 3.2 مليار يورو في العام 2021. لكن توقع في نفس الوقت أن يشكو من عجز مالي في السنوات الخمس والعشرين المقبلة. ووفق هذا المجلس، يتوقع أن ينهار نظام التقاعد بشكل طفيف وتدريجي بين عامي 2023 و2027 قبل أن يصبح سلبياً لغاية 2032 ثم يستقر ويستعيد توازنه من جديد.
لكن بعض الخبراء لهم رأي آخر. ميكائيل زمور، وهو متخصص في الشؤون الاقتصادية وأستاذ باحث في جامعة (باريس 1) وصاحب كتاب "النظام الفرنسي للضمان الاجتماعي"، علق على هذا التقرير قائلاً بأنه: "يبين بشكل واضح أن نظام التقاعد ليس مهدداً وجميع السيناريوهات تشير إلى أنه سيكون متوازناً من الناحية المالية".
ويعاني الفرنسيون تضخماً بلغ معدله 5.2% في العام 2022، في بلد سبق أن هزته مظاهرات "السترات الصفراء" احتجاجاً على غلاء المعيشة في ولاية ماكرون الأولى.
ومن المقرر أن تنزل النقابات مرة أخرى إلى الشوارع في 31 من الشهر الجاري، وفق اتفاق فيما بينها، أعلنته وسائل إعلام فرنسية، لتواصل الضغط الشعبي عبر الشارع على الحكومة لسحب المشروع.