بدأت الخلافات في الظهور بين رئيس الحكومة العراقية المعين حديثاً في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وحلفائه السياسيين في الكتلة البرلمانية الأكبر في مجلس النواب العراقي، الإطار التنسيقي الشيعي، التحالف السياسي الذي أتى بمحمد شياع السوداني رئيساً للحكومة العراقية.
وتحدث عدد من المسؤولين والسياسين العراقيين لـ"عربي بوست"، حول هذه الخلافات الناشئة بين السوداني، والإطار التنسيقي الشيعي، ووصولها إلى حد تهديد بعض قادة الإطار التنسيقي بسحب الثقة من رئيس الوزراء الذي مرّ على تواجده في المنصب ثلاثة أشهر فقط.
الصراع على المناصب الأمنية المهمة
في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تحدثت عدد من المصادر العراقية عن مسألة التنافس بين قادة الإطار التنسيقي على المناصب الأمنية الحساسة في الدولة العراقية.
وبحسب مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، فإن عصائب أهل الحق، وهي فصيل شيعي مسلح قوي، ومقرب من إيران، يتزعمه قيس الخزعلي، يرغب في الحصول على منصب رئيس جهاز المخابرات الوطنية العراقية.
كما يرغب أيضاً رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي رئيس كتلة دولة القانون في مجلس النواب، في الحصول على نفس المنصب.
لكن ما حدث كان غير ذلك. يقول سياسي عراقي من الإطار التنسيقي، لـ"عربي بوست": "السوداني فاجأ الجميع، وأعطى المنصب، إلى رجل من عائلته".
وأسند رئيس الوزراء العراقي، منصب رئيس جهاز المخابرات، إلى أحمد السوداني، الذي أصبح يقود الجهاز بأكمله منذ أسابيع قليلة، مما أثار غضب قادة الإطار التنسيقي الشيعي، بحسب المصدر السابق.
وفي نفس السياق، يقول سياسي شيعي مقرب من نوري المالكي، أحد قادة الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "قرار السوداني بإعطاء منصب رئيس جهاز المخابرات لأحد أفراد عائلته والمقرب منه، كان أول خطأ كبير يرتكبه، في علاقته بالإطار التنسيقي. قادة الإطار من المفترض أنهم حلفاؤه، ويدعمون حكومته، لكن اتخاذ هذا القرار بمنأى عنهم أغضبهم، وخاصة نوري المالكي".
لم يكتفِ السوداني بهذا القرار فقط، بل قام بتعيين اللواء سامي السوداني رئيساً لهيئة المنافذ الحدودية العراقية. وعين الفريق عبد الكريم السوداني سكرتيراً للقائد العام للقوات المسلحة، والرجلان من أفراد عائلته بالتأكيد.
في حديثه لـ"عربي بوست"، نقل قيادي ثانٍ في الإطار التنسيقي الشيعي، مشاعر الغضب المسيطرة على قادة الإطار بسبب التعيينات الأخيرة للسوداني، فيقول: "بهذه التعيينات أرسل السوداني رسالة سيئة لحلفائه في الإطار التنسيقي، مفادها أنه يتحدى الحلفاء، ولا يتشاور معهم في القرارات المهمة".
وأضاف المصدر ذاته "هذه التعيينات التى ذهبت لأفراد عائلة السوداني، معناها لدى الإطار التنسيقي أنه يريد الاستحواذ على الحكومة والمناصب المهمة الأمنية، ويمكن تفسيرها أيضاً على أنه يريد إقصاء حلفائه من مراكز القوة في الدولة".
جدير بالذكر أنه منذ عملية تشكيل السوداني لحكومته، بدأت الخلافات البسيطة في الظهور بينه وبين حلفائه السياسيين في الإطار التنسيقي، بسبب التنافس على الحقائب الوزارية في حكومته.
وبحسب مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي، فإن السوداني اختلف مع قادة الإطار التنسيقي كثيراً أثناء عملية تشكيل الحكومة، لرغبته في إسناد بعض الحقائب الوزارية إلى شخصيات مستقلة غير محسوبة على الإطار التنسيقي.
بالعودة إلى مسألة الخلاف بين قادة الإطار التنسيقي والسوداني على التعيينات الأخيرة للمناصب الأمنية، نجد أن أكثر من استاء من هذا الأمر، هو نوري المالكي، وليس قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، الذي كان يرغب أن يحصل فصيله على منصب رئيس جهاز المخابرات.
ولتوضيح الأمر أكثر، يقول قيادي في فصيل عصائب أهل الحق، لـ"عربي بوست"، دون الكشف عن اسمه: "صحيح كانت العصائب تريد الحصول على هذا المنصب، وأقول هذا الأمر بصراحة، لكن إذا رأى السوداني أنه من الأفضل إسناد المنصب إلى شخص آخر لن نقف في طريقه، نحن نريد التوفيق والنجاح لهذه الحكومة، لأننا في النهاية نريد استقرار العراق وأمنه".
لكن على عكس عصائب أهل الحق، يقول المصدر الثاني من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "المالكي، ما زال غاضباً من قرارات السوداني بشأن التعيينات الأمنية، يشعر أن السوداني يحاول توسيع نفوذه في الدولة، على غرار مقتدى الصدر".
تجدر الإشارة هنا إلى أن مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل، زعيم التيار الصدري، عمل لسنوات طويلة إلى توسيع نفوذه من خلال سيطرة أنصاره من التيار الصدري، على المناصب الإدارية المهمة داخل الدولة العراقية.
الانفراد بالقرارات
هناك مسألة أخرى فجرت الخلافات بين الإطار التنسيقي الشيعي، ورئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، وهي مسألة الانفراد بالقرارات، بحسب المصادر العراقية التى تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن بعض قادة الإطار التنسيقي الشيعي، وعلى رأسهم نوري المالكي، وهادي العامري رئيس منظمة بدر (أحد أقدم الفصائل الشيعية المسلحة في العراق)، يريدون مناقشة القرارات التي يتخذها السوداني، قبل الإعلان عنها، والموافقة عليها مسبقاً.
في هذا الصدد، يقول سياسي من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "نوري المالكي وهادي العامري، يريدان من السوداني مناقشته في جميع القرارات التي يتخذها، والموافقة عليها قبل الإعلان عنها، لأنهم حلفاؤه والداعمون الرئيسيون لحكومته".
لكن على ما يبدو أن السوداني يرفض هذا الأمر. فبحسب مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي، تحدث لـ"عربي بوست"، "لم يقبل السوداني بهذا الأمر مطلقاً، إذ لم يلق أي قرار القبول من الإطار التنسيقي، يستطيعون مناقشته في البرلمان، وليس خلف الأبواب المغلقة".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "السوداني أخبر قادة الإطار المعترضين على هذا الأمر، وقال لهم من الممكن مناقشتهم في القرارات الرئيسية المهمة فقط، لكنهم رفضوا، وطالبوا بمناقشة جميع القرارات من الصغيرة إلى شديدة الأهمية".
وأشار المصدر إلى رفض السوداني مطالب قادة الإطار التنسيقي؛ مما زاد من الخلاف بينهم.
حل هيئة "اجتثاث البعث".. واتهامات بالخيانة ضد السوداني
سبب آخر زاد الطين بلة بين الإطار التنسيقي الشيعي، ورئيس الوزراء، محمد السوداني، وهو قرار الأخير حل الهيئة العليا للمساءلة والعدالة، والتى كانت تسمى في السابق، هيئة "اجتثاث حزب البعث". تأسست هذه الهيئة عام 2003، لملاحقة عناصر حزب البعث، الحزب الحاكم في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، في العراق عام 2003، والإطاحة بنظام صدام حسين، أُنشئت الهيئة بناء على قانون صادر عن السلطة المؤقتة في نفس العام، والتى كان يقودها الحاكم الأمريكي بول بريمر.
كان حزب الدعوة الإسلامية أكبر الأحزاب السياسية الشيعية في العراق، والذي يترأسه نوري المالكي، من أبرز المنتقدين لقرار السوداني لحل هيئة "اجتثاث حزب البعث". يقول سياسي عراقي من الإطار التنسيقي ومقرب من نوري المالكي، لـ"عربي بوست": "الأمر لا يقل عن الخيانة، إنها خيانة لكل دماء الشهداء الذين كانوا ضحايا لنظام الديكتاتور صدام حسين"، على حد قوله.
لكن الاتهام بالخيانة ليس فقط المقصد الوحيد من انتقاد قادة الإطار التنسيقي لقرار السوداني. يشير المصدر السابق قائلاً لـ"عربي بوست": "هيئة العدالة والمساءلة، كانت دائماً مصدر غضب القادة السنة في العراق، والسوداني أبرم اتفاقاً مع الحلبوسي، لحل الهيئة، مقابل دعم العراقيين السنة لحكومته".
محمد الحلبوسي، وهو سياسي سني عراقي بارز، ويشغل منصب رئيس مجلس النواب العراقي حالياً للمرة الثانية، زادت قوة الحلبوسي السياسية بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد أن فاز حزبه "تقدم"، بحوالي 32 مقعداً في البرلمان.
على الجانب الأخر، يقول مسؤول حكومي ومقرب من السوداني، لـ"عربي بوست": "الاتهامات بالخيانة أو عقد صفقات مع السياسيين السنة، لا صحة لها بشكل كبير، هيئة اجتثاث البعث، دائماً كانت محل شك بتورطها في إقصاءات طائفية لعائلات وأبناء عناصر من حزب البعث، كانت فتيلاً لإشعال الغضب الطائفي في فترة كبيرة من تاريخ العراق".
ودافع المصدر ذاته عن قرار محمد السوداني بحل الهيئة قائلًا لـ"عربي بوست": "السوداني يريد كسب ثقة جميع الطوائف في العراق. أرى أن حل الهيئة بادرة حسن نية، لبدء عهد جديد لا توجد فيه أي لمحة من لمحات الطائفية".
لكن هل يستطيع رئيس الوزراء العراقي حل هيئة اجتثاث حزب البعث بالفعل؟ يجيب عن هذا التساؤل المحلل السياسي العراقي، أحمد منتظر: "هناك عقبات قوية تقف أمام قرار السوداني بحل هيئة اجتثاث حزب البعث، أهمها أن حل الهيئة من اختصاصات البرلمان وليس الحكومة، لكن يمكن للحكومة إحالة الأمر إلى القضاء، وهنا سيتوقف الموضوع لاستغراقه وقتاً طويلاً".
تملك هيئة اجتثاث حزب البعث، ملايين من الوثائق التي تحمل أسماء أعداد كبيرة من المشمولين بإجراءات اجتثاث حزب البعث.
من الجانب السني، والذي رحب بقرار السوداني لحل هذه الهيئة، يقول سياسي سني بارز ومقرب من رئيس البرلمان، السياسي السني البارز، محمد الحلبوسي، لـ"عربي بوست": "هيئة اجتثاث حزب البعث، هيئة سيئة السمعة، كانت دائماً تعمل ضد السياسيين والمعارضين العراقيين من الطائفة السنية، ويتم استخدامها لتصفية أي صوت سني معارض، على أسس غير قانونية وغير عادلة، ولا بد أن تعمل الحكومة بجد لحلها تماماً وإغلاق هذه الصفحة".
لكن بحسب المصادر المقربة من نوري المالكي، والتي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن رئيس ائتلاف دولة القانون، والقيادي الرئيسي في الإطار التنسيقي الشيعي، يرفض حل هذه الهيئة، بل يتهم كل من يدعو إلى هذا الأمر بالخيانة.
مستقبل الخلافات بين السوداني وحلفائه
تواجه حكومة محمد شياع السوداني العديد من العقبات الاقتصادية والاجتماعية، وخطر تجدد الاحتجاجات في الشوارع يلوح في الأفق مع التدهور الجديد للدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، فقد سجل في الأيام القليلة الماضية، 158 ديناراً للدولار الأمريكي الواحد.
لذلك، فإن تصاعد الخلاف بين السوداني وحلفائه من الإطار التنسيقي الشيعي، من الممكن أن يزيد من المستقبل القاتم أمام حكومة السوادني.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مستقل، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "بالطبع ظهور الخلافات سريعاً وبشكل مبكر بين السوداني والإطار أمر مقلق، ويهدد فرص نجاح حكومة السوداني، لكن في نفس الوقت، هناك ميزة لدى قادة الإطار، وهي التوحد وسد الانقسامات في الأوقات الصعبة، مثل الظروف الاقتصادية الحالية للعراق، والاحتجاجات المحتملة، بالإضافة إلى أنه ليس من مصلحتهم فشل هذه الحكومة".
ويرى المصدر ذاته أن قادة الإطار التنسيقي الشيعي، يتنافسون على المناصب والغنائم لكن في النهاية يتوحدون. يقول لـ"عربي بوست": "السوداني تاريخه السياسي جيد إلى حد ما، ويريد أن يحافظ عليه بل يطمح في إحداث تغيير في السياسية، لكن أعتقد في النهاية، ووسط الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، سيتحد مع حلفائه في الإطار، لعدم سحب الثقة منه".