احتفى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نهاية سنة 2022، بالذكرى الثالثة لجلوسه على كرسي الرئاسة في انتخابات تلت الحراك الشعبي، والإطاحة بالرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وعلى بعد سنتين من إكمال ولايته الثانية، بدأت في الجزائر تتضح ملامح دعم الرئيس عبد المجيد تبون لينال العهدة الرئاسية الثانية، والتي ستكون الأخيرة حسب ما ينص عليه الدستور في مادةٍ غير قابلة للتعديل.
ورغم أن المعني بالأمر لم يتحدث حتى الآن تصريحاً أو تلميحاً عن رغبته في مواصلة الحكم بعد 2024، فإن بعض فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المقربة من السلطة تُحاول التهيئة للعهدة الثانية لتبون، من خلال لقاءات ومقالات تبرز إنجازات الرئيس.
هل يترشح تبون لولاية ثانية؟
تنشر وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، منذ أسابيع، مقالات صحفية تُعدد إنجازات عبد المجيد تبون في السياسة الخارجية والاقتصاد والدعم الاجتماعي وتُشيد بها، وتُبرز كيف استطاع تحقيق المعجزات وأعاد للجزائر هيبتها الدولية.
بدورها تنشر صحيفة الشروق، المُقربة من دوائر السلطة في الجزائر، تقريباً بشكل يومي هي الأخرى وعلى صفحتها الأولى، مقالات صحفية تُعدد إنجازات تبون بمناسبة الذكرى الثالثة لانتخابه.
وتسير وسائل الإعلام الأخرى على نفس النهج، فيما يشبه حملة منظمة لإبراز ما تحقق من إنجازات في الثلاث سنوات الأخيرة، ونسبها للرئيس، كما لم تعد وسائل الإعلام الجزائرية، لا سيما القنوات التلفزيونية، تفتح الأبواب أمام المعارضة وأصواتها.
المحلل السياسي الجزائري، محمد عياش، وصف في حديثه مع "عربي بوست" تزامن تحرك الإعلام بـ"المريب وغير البريء"، مؤكداً أن هذا هو المألوف منذ عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وأضاف المتحدث بأنه لا يمكن الجزم بأن أوامر وصلت وسائل الإعلام الجزائرية، للتحرك من أجل إطلاق اختبار لقياس مدى تقبل الجمهور عهدة رئاسية جديدة للرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
من جهتها نقلت صحيفة الخبر الجزائرية، عن مصدر وصفته بالموثوق، أن الحديث عن ترشح تبون لولاية ثانية مجرد تكهنات، وأن شغله الشاغل الآن هو مواصلة العمل من أجل بناء جزائر جديدة قوية ومهابة الجانب.
ونفت الصحيفة واسعة الانتشار في الجزائر، نقلاً عن المصدر ذاته، في عددها الصادر يوم الأربعاء، 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، نفياً قاطعاً، تفكير تبون حالياً في الترشح لرئاسيات 2024.
وجاء في الصحيفة على لسان المصدر: "إنها مجرد اجتهادات وتكهنات، تسكن مخيال مجموعات لا تمثل إلا نفسها، لم تستيقظ بعد من سباتها، لتدرك أن عهد مثل هذه الممارسات المنحطة، ولجان الدعم، والمساندة البائدة، انتهى ولن يعود أبداً".
من جهته، يعتبر المحلل السياسي أحمد كحال، أن إلغاء ملتقى جامعة الجلفة، وهو ملتقى وطني كان سيُخصص لتحليل كلمة الرئيس عبد المجيد تبون خلال القمة العربية، (إلغاء) مؤشر عن رغبة تبون في تغيير الأساليب التي كان يستخدمها بوتفليقة.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن المؤتمر كان سيحمل شعار "ثقة الشعب من ثقة الرئيس"، وإلغاؤه هو قطيعة مع العهد الذي كانت فيه المنظمات والجامعات والأحزاب تُطالب الرئيس بالترشح قبل موعد الانتخابات بمدة طويلة، ليستجيب في النهاية ويترشح، نزولاً على رغبتهم.
وأضاف المحلل السياسي أن "إخراج الترشح لولاية ثانية، إذا كان لعبد المجيد تبون الرغبة في ذلك، سيكون مختلفاً تماماً عما كنا نشاهده خلال 20 سنة من حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة"، على حد قوله.
"لن أترشح لولاية ثانية".. تصريح محرج لتبون
قد يواجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حرجاً في حال اعتزم الترشح فعلياً لولاية ثانية، لا سيما أنه عبّر عن عدم تخطيطه للترشح مرة أخرى بعد انتهاء فترة حكمه الأولى، وذلك في حوار مع مجلة "لو بوان" الفرنسية، الذي نُشر في 3 يونيو/حزيران 2021.
وتداولت صحف ومواقع عديدة تلك التصريحات، لكن الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية على موقع فيسبوك، تجاهلتها تماماً في ملخص الحوار الذي نشرته نقلاً عن المجلة الفرنسية، ما يعني أن ذلك التصريح كان مجرد زلة لسان.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد تحدث في الحوار ذاته مع المجلة الفرنسية، عن تأسيس حزب سياسي جديد بكوادر شابة جديدة لدعم سياساته، لكنه لم يقم بأي إجراء إزاء ذلك حتى الساعة.
ويرى المحلل السياسي محمد عياش، أن تلك التصريحات التي قدمها عبد المجيد تبون أُخرجت عن سياقها، وتم تداولها على نطاق واسع لأغراض يعرفها العام والخاص، على حد تعبيره.
وقال المتحدث نفسه لـ"عربي بوست"، إن تبون قصد بتلك التصريحات أنه لا يفكر في الترشح لولاية ثانية وقتها، وهذا طبيعي، باعتبار أن الموعد كان مازال مبكراً، وهذا طبيعي حسبه.
الطريق مفتوح أمام تبون
لا يبدو أن الرئيس الجزائري سيجد صعوبة كبيرة في الفوز بولاية رئاسية جديدة إذا ما قرر خوض غمارها، وذلك بالنظر إلى ضعف الطبقة السياسية وعدم وجود منافسين أقوياء يمكنهم مقارعته.
ورغم أن الأحزاب السياسية خلال فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة كانت ضعيفة أيضاً، فإنها استردّت نوعاً من بريقها خلال الحراك الشعبي الجزائري لتعود إلى سابق عهدها بعد ذلك.
وعمل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال الثلاث سنوات الماضية، على احتواء رؤساء الأحزاب السياسية الكبيرة، من خلال لقاءاته الدورية بهم، واستشارتهم قبل أي موعد سياسي مهم في البلاد.
ووفق مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" فإن جل قادة الأحزاب السياسية المهمة لا تفكر حالياً في منافسة عبد المجيد تبون، على منصب الرئيس نهاية 2024، في الانتخابات الرئاسية، بعد نهاية ولايته الرئاسية الأولى.
ويعتقد المحلل السياسي محمد عياش أن ضعف المعارضة سيكون عاملاً مساعداً لتبون، للظفر بولاية ثانية بكل سهولة، مستبعداً أن تصطف وراء مرشح واحد لمجابهة تبون حال تقدمه لرئاسيات 2024.
ويرى المحلل السياسي أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سيكون في طريق مفتوح لخلافة نفسه، إذا ما ترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقرر عقدها في الشهر الأخير من سنة 2024.
ورقة السلم الاجتماعي
تمكنت الجزائر من إنعاش اقتصادها وتهدئة الجبهة الاجتماعية، بسبب الوفرة المالية التي لم تكن تنتظرها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أصبح الغاز الذي تُنتجه محط أنظار الدول الأوروبية القريبة منها.
ورصدت الجزائر أكبر ميزانية سنوية في تاريخها (100 مليار دولار)، لبعث مشاريع جديدة وزيادة الرواتب والمنح، ودعم السكن، وإعانات مشاريع الشباب، وكل ذلك يصُب في صالح الرئيس تبون، خاصة إذا استمر ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية السنتين المتبقيتين من حكمه.
ويمكن للرئيس الجزائري ساعتها تقدمه للترشح لولاية رئاسية ثانية، وهو مدجج بأرقام إيجابية كفيلة بتحقيق الفوز في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2024، بكل سهولة، على عكس الولاية الأولى التي تلت الحراك الاجتماعي والإطاحة بالعهدة الخامسة لبوتفليقة.
ويتخذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرارات لصالح شرائح مختلفة من الشعب، ورغم أن بعضها يبدو شعبوياً ومضراً بالاقتصاد الجزائري، الذي بالكاد بدأ يتعافى من ارتدادات الجائحة والانخفاض الطويل لأسعار المحروقات قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، فإنها تحظى بقبول كبير لدى الشارع الجزائري، وترفع من شعبية الرئيس.
وخصص تبون عشرات الملايين من الدينارات كمنح للعاطلين عن العمل (120 دولاراً شهرياً)، كما سمح باستيراد السيارات الجديدة والمستعملة بعد منعها لسنوات طويلة من دخول الجزائر، وأصدر قراراً بالترسيم الفوري لكل المعلّمين والأساتذة المتعاقدين في قطاع التربية، وعددهم 60 ألف معلم وأستاذ.