خلفت نتائج مزاولة مهنة المحاماة في المغرب حالة من الجدل، الذي يكبر يوماً بعد يومٍ، وذلك بعد اتهام وزارة العدل بالتلاعب بالنتائج، ومحاباة مرشحين مُعينين على حساب آخرين رسبوا في الامتحان.
ومنذ الإعلان عن نتائج مباراة مهنة المحاماة في المغرب، تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لوائح أسماء الناجحين في الشق الكتابي من الامتحان، والتي أعلنت عنها وزارة العدل.
وتم التشكيك في لوائح الناجحين، خصوصاً بعد ظهور مجموعة من الأسماء العائلية المقربة من عائلات المحامين والقضاة وشخصيات سياسية، على رأسهم وزير العدل، عبد اللطيف وهبي.
وازداد غضب المتبارين الذين رسبوا في الامتحان، عندما اكتشفوا أيضاً أن من بين الناجحين في الامتحان، أحد المسؤولين بوزارة العدل، وهو من المشرفين على امتحان المحاماة، والذي يمنعه القانون من اجتياز المباراة لوجوده في حالة تنافٍ.
إلى جانب ذلك، امتعض المتضررون من عدد الناجحين الذي حُدّد بـ2081 من أصل 70 ألفاً من المترشحين الذين اجتازوا المباراة الكتابية لامتحان أهلية الولوج إلى مهنة المحاماة في المغرب.
كيف بدأت أزمة امتحان المحاماة في المغرب؟
بدأت القصة في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما اجتاز 70 ألف مترشح ومترشحة امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة في شقها الكتابي، وهو رقم قياسي مقارنة مع السنوات الماضية.
وكانت وزارة العدل قد أصدرت في 14 سبتمبر/أيلول 2022، قراراً لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، يحدد من خلاله موعد وكيفية إجراء الامتحان الخاص بمنح شهادة لمزاولة مهنة المحاماة برسم سنة 2022.
جاء في تفاصيل قرار وهبي، أن الامتحان يشتمل على اختبارين كتابيين في شكل أسئلة وأجوبة من عدة اختيارات، إلى جانب اختبار آخر شفوي قررت الوزارة الوصية أن يكون من 1 إلى 4 مارس/آذار المقبل، بمقر المعهد العالي للقضاء في العاصمة الرباط.
وبدأت أولى شرارات الجدل المتواصل حول امتحان المحاماة في المغرب يوم الامتحان الكتابي عندما تم تسريب أسئلة الامتحان، إذ انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لأوراق الامتحان الخاص بمنح شهادة مزاولة مهنة المحاماة لسنة 2022.
واحد من المترشحين لاحظ أن الامتحان كان صادماً بثمانين سؤالاً معقداً؛ نظراً للفخاخ الموجودة في النظام المعروف بـQCM، علاوة على ضعف صياغة الأسئلة والتباسها وورود مفاهيم وعبارات غير سليمة، وأخرى عبارة عن أسئلة تتناقض مع تركيبة الأجوبة.
وأضاف في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك، أن "الأوراق المسلّمة مكتوبة بها أسماء المترشحين ومعلوماتهم قبل تسليمها لهم، مما يزيد شبهة الفساد، إذ يمكن أن يملأ أحد ما ورقة المترشح مسبقاً ويدسها بين أوراق التصحيح، أو يسلم أحدٌ ورقة الأجوبة لأحد مقربيه".
حينها عبر النشطاء والمحامون عن استنكارهم واستهجانهم لتساهل الوزارة مع هذا الأمر، ودعا البعض الوزير إلى إلغاء الامتحان، وإعادة التشاور مع الهيئات المهنية للمحاماة وتنظيم امتحان جديد يليق بمهنة المحاماة، ويليق بصورة العدالة والإصلاح الشامل لمنظومة العدالة.
شبهات.. كرة الثلج تتدحرج
تدحرجت كرة الثلج هذه، وتعالت أصوات حقوقية لفتح تحقيق في كل هذه الاتهامات التي تحاصر وزير العدل، باعتباره المسؤول الأول عن جميع مراحل هذا، خاصة بعد بروز شبهات بشأن تضارب المصالح من خلال ظهور أسماء بعض الناجحين من أعضاء لجنة الامتحان، أو الناجحين الذين تربطهم بهم صلات قرابة.
ومن بين الأسماء التي تضمنتها لائحة الناجحين، يوجد اسم نجل وزير العدل عبد اللطيف وهبي، فيما انبرى الوزير، الذي يمتهن المحاماة هو الآخر، للدفاع عن نجاح ابنه في المباراة المذكورة، مشيراً إلى ثرائه الذي وفّر إمكانيات لابنه للدراسة في الخارج، ما عرضه لمزيد من الانتقادات.
الناشط الحقوقي خالد البكاري عبر عن اتفاقه مع من يدعو وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، "لتحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية، وأن يخرج للدفاع عن نزاهة مباراة نظمتها وزارته، بالحجج والمحاضر وكل ما يفيد بأنها مرت في أجواء سليمة، لأن الأمر أصبح قضية رأي عام".
وأبرز البكاري، في تدوينة بصفحته على فيسبوك، أن "حديث الوزير عن أنه لن يطالب بفتح تحقيق لعدم توافر أركان الجريمة، هروب إلى الأمام، لأن التحقيق قد يفتح بسبب الشك في وجود الفعل الإجرامي".
وأضاف أن حديث الوزير عن "التصحيح الآلي ولجان من تسعة أشخاص يظل ادعاء، ما لم يتم إثبات أنه كان معمماً، بتحقيق من جهة محايدة، خصوصاً في الحالات التي هي محل شبهة".
برلمانيون يتساءلون والوزير يرُد
المطالبة بالتحقيق في الأمر انتقلت أيضاً إلى المؤسسة التشريعية، إذ تساءلت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار (معارضة)، فاطمة التامني، حول الإجراءات التي يعتزم الوزير القيام بها لتصحيح هذا الوضع، وإنصاف من حُرم من حقه في اجتياز امتحان بفرص متكافئة وعادلة.
وسجلت النائبة، في سؤالها الكتابي الذي اطلع عليه "عربي بوست"، استغرابها من مشاركة جمعية هيئات المحامين في عملية التصحيح الآلي للاختبار الكتابي بعد أن كان موقفها هو رفض الإعلان عن الامتحان ومقاطعته، علاوة على ضعف عدد الناجحين الذي بلغ 2.5% من بين مجموع المترشحين.
في المقابل، دافع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، الذي يُعتبر واحداً من أكبر المحامين في البلاد، عن النتائج التي أسفر عنها الاختبار الكتابي لمباراة الأهلية، مجدداً إعلان ثقته الكاملة بلجنة المباراة و"شفافيتها".
واعتبر الوزير، في لقاء بثته القناة الأولى الرسمية مساء الثلاثاء الماضي، أن "نجاح عدة أسماء من عائلة واحدة أمر مقبول بحكم تشابه الأسماء العائلية في المغرب"، مشيراً إلى أن الامتحان المذكور "شهد تقدم 25 مرشحاً يحملون الاسم العائلي نفسه، ونجح منهم 4".
كذلك سجّل وهبي أن "تصحيح أوراق المرشحين في الشق الكتابي لامتحان المحاماة في المغرب تم بطريقة آلية، ولا يوجد أحد حصل على المعدل ولم ينجح"، معلناً استعداده "لإعادة تصحيح ورقة كل راغب في ذلك".
وفي الوقت الذي دافع فيه الوزير عن شفافية امتحان المحاماة في المغرب، ظهر بعض "ضحايا الامتحان"، منهم مرشح ظهر اسمه مُرفقاً برقم ترتيبي في لائحة المدعوين للامتحان، لكن بعد إعلان النتائج ظهر الرقم نفسه لكن مع اسم آخر أُعلن ناجحاً.