يعيش إقليم كردستان العراق حالة من التوتر بسبب الصراع بين الحزبين الرئيسين المهيمنين على السلطة، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة عائلة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة طالباني.
الصراع بين العائلتين البارزتين في إقليم كردستان ليس بجديد، وسبق أن تسبب بحرب أهلية في التسعينات، لكن هذه المرة يخشى الكثيرون من تطور الصراع ليزعزع استقلال عاصمة الأكراد في العالم، ويعطي فرصة لإيران، لتوسيع نفوذها في العراق أكثر وأكثر.
ويدور الصراع على السلطة الممتد لسنوات طويلة بين العائلتين البارزتين في إقليم كردستان (بارزاني، طالباني) في منطقة تُعتبر من أكثر المناطق الغنية بالنفط في شمال العراق.
ولفهم الصراع الأخير بين الأجيال الجديدة في الحزبيين الكرديين حاول فريق "عربي بوست"، التواصل مع مصادر مختلفة من كلا الطرفين، لتوضيح المشهد الأخير في الصراع المتجدد على السلطة في إقليم كردستان العراق.
عملية اغتيال تُحيي الأزمة
بعد انتهاء الحرب الأهلية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لم يتم تسجيل أي عملية اغتيال لكن بتجدد الصراع، وعدم قدرة الطرفين على المشاركة السلطة وجد الأكراد أنفسهم أمام عملية اغتيال نادرة.
لكنه في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم اغتيال ضابط الأمن هوكر عبد الله رسول، عندما انفجرت سيارته التي كان يستقلها من أمام منزله في مدينة أربيل، التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني.
هوكر رسول هو ضابط مخابرات رفيع المستوى، كان يعمل في جهاز الاستخبارات التابع للاتحاد الوطني الكردستاني المنافس الرئيسي والأساسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.
بعدها انشق هوكر عبد الله رسول عن الاتحاد الوطني الكردستاني، تاركاً مدينة السليمانية معقل الاتحاد واختار العيش في مدينة أربيل، ولم يكتفِ بذلك، بل غير رسول ولاءه وانضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس.
يقول مصدر مقرب من عائلة طالباني، التي تتزعم الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق لـ"عربي بوست" إن "هوكر رسول كان من أقوى ضباط المخابرات في الاتحاد الوطني الكردستاني".
وأضاف المتحدث، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، أن هوكر كانت مهمته الأساسية مراقبة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحركات الحزب المناهضة للاتحاد الوطني الكردستاني، وفجأة انشق وذهب إليهم في أربيل.
بعد حادثة اغتيال هوكر عبد الله رسول، اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني، منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني، بتدبير عملية اغتيال الضابط المنشق المقيم بمدينة أربيل تحت حمايته.
كما اتهم مجلس الأمن الإقليمي، الذي يُسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني، المخابرات التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بقتل هوكر واحتجزت قوات أمن أربيل 5 رجال قالت إنهم تابعون للاتحاد بتهمة اغتيال الضابط المنشق.
يقول مسؤول أمني في مدينة أربيل، تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست": "ليس لدينا أدنى شك في أن الاتحاد الوطني الكردستاني هو من يقف وراء اغتيال هوكر رسول".
وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، أن الاتحاد الوطني الكردستاني لم يكن ليترك هوكر يتعامل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني دون محاولة قتله، هوكر رسول كان يملك معلومات خطيرة عن عائلة طالباني".
في نفس السياق، يقول مسؤول من الحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "يعتقد الاتحاد الوطني الكردستاني أننا بذلنا جهداً في محاولة استمالة هوكر رسول، لكن هذه ليست الحقيقة".
وكشف المتحدث أن "هوكر رسول، انشق بمحض إرادته عنهم، وجاء إلينا طالباً الحماية والإقامة، كل مزاعم الاتحاد الوطني الكردستاني، عن تسليم هوكر رسول ملفات خطيرة لنا، لا أساس لها من الصحة".
لكن على الجانب الآخر، يقول مصدر مقرب من عائلة طالباني التي تسيطر على الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست"، فضّل إخفاء هويته نظراً لحساسية الأمر، إن "هوكر رسول يمتلك ملفات خطيرة عن الاتحاد الوطني الكردستاني".
وأضاف المتحدث أن "هوكر كان يملك معلومات عن ملفات تتعلق بأموال الحزب وأموال عائلة طالباني، والاسلحة والمؤسسات الهامة في السليمانية (معقل الاتحاد الوطني الكردستاني)".
وقال المصدر نفسه: "لدينا معلومات خطيرة عن خطة تم التخطيط لها منذ سنوات من قِبل استخبارات الحزب الديمقراطي الكردستاني، لاستمالة هوكر رسول، لمعرفتهم بمدى أهمية الملفات التي يعمل عليها الرجل".
لكن في نفس الوقت نفى المصدر المقرب من عائلة طالباني، اتهامات الحزب الديمقراطي الكردستاني بتدبير حادثة اغتيال الضابط المنشق هوكر عبد الله رسول.
وأكد المتحدث أن الاتحاد الوطني الكردستاني طلب من الحزب الديمقراطي الكردستاني المشاركة في تحقيق مقتل هوكر رسول، لكنه رفض وأصر على اتهام الاتحاد واعتقل ضباط مهمين في استخبارات الاتحاد مما ضاعف عدم الثقة بين الحزبيين.
من جهته يقول مسؤول أمني ثانٍ تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست": "أي تحقيق يريدون المشاركة به؟، إنهم يحاولون نفي التهمة عن أنفسهم، لدينا معلومات مؤكدة بأنهم متورطون في اغتيال هوكر رسول".
انشقاقات داخل أكبر أحزاب كردستان العراق
انشقاق المسؤول الأمني البارز، هوكر عبدالله رسول، لم يكن الأول من نوعه، فبحسب مصادر مقربة من الاتحاد الوطني الكردستاني تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن هناك حوالي 10 حالات انشقاق بين ضباط المخابرات التابعين للاتحاد.
وكشف مسؤول أمني تابع للاتحاد الوطني الكردستاني، مُقيم في السليمانية لـ"عربي بوست" أن "هوكر رسول لم ينشق لوحده وحرض عشرات ضباط الاستخبارات، بتشيجع من الحزب الديمقراطي الكردستاني وذهبوا إلى أربيل".
وأشار المصدر ذاته إلى مسألة أخرى لعبت دوراً في انشقاق ضباط الاستخبارات التابعين للاتحاد الوطني الكردستاني وتغير ولاؤهم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقال المتحدث نفسه: "نعلم أن التأثير الأكبر في مسألة انشقاق مسؤولي المخابرات يعود إلى حادثة إقالة سلمان أمين بالأساس، فهو المحرض الأكبر على انشقاق مسؤولي الاستخبارات".
وكان سلمان أمين رئيساً لجهاز استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني، وقبلها كان رئيساً لوكالة "زانياري" المسؤولة عن علاقات الاتحاد بالدول الغربية والإقليمية، وهي من ضمن أجهزة مخابرات الاتحاد الوطني الكردستاني.
وتمت الإطاحة بسلمان أمين من رئاسة جهاز الاستخبارات بعد 7 أشهر فقط من تسلمه المنصب، والسبب حسب مصدر مقرب منه تحدث لـ"عربي بوست" هو أن أمين كان ضحية صراع بين بافل ولاهور طالباني، لأنه كان مقرباً من الأخير.
ولاهور طالباني هو ابن عم بافل طالباني، وكان الرجلان يتقاسمان رئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني، بعد وفاة جلال طالباني زعيم الاتحاد ورئيس العراق السابق.
الصراع بين بافل طالباني، وابن عمه لاهور طالباني، جزء مهم من الصراع على السلطة بين الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)، في إقليم كردستان العراق.
وبعد الإطاحة بسلمان أمين من رئاسة جهاز مخابرات الاتحاد الوطني الكردستاني، وتوالي الانشقاقات من الجهاز، ترأس بافل طالباني بنفسه رئاسة الجهاز.
في هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من سلمان أمين لـ"عربي بوست" إن "الانشقاقات لم تكن بسبب تحريض من سلمان أمين، بل كانت بسبب عدم مرونة بافل طالباني، الرجل معروف بجبروته، وقسوته حتى مع الموالين له".
مصدران آخران مقربان من عائلة طالباني أكدا نفس المعلومة لـ"عربي بوست" كون "بافل طالباني غير مرن، وبعد الإطاحة بسلمان أمين اتخذ إجراءات ضد مسؤولين في وكالة الاستخبارات، بالموالين لسلمان أمين، دون الأخذ بأي اعتبارات أمنية تهدد استقرار الوكالة".
اقتحام ومحاصرة
بعد اغتيال الضابط هوكر عبد الله رسول، واتهامات عائلة طالباني لرئيس جهاز الاستخبارات السابق والمنشق سلمان أمين، أرسل بافل طالباني عدداً من الرجال المسلحين لاقتحام منزل أمين في السلمانية.
يقول مصدر مقرب من عائلة طالباني لـ"عربي بوست": "عند إقالة سلمان أمين من جهاز الاستخبارات اكتشف بافل طالباني أن أمين سرق ملفات هامة خاصة بتسليح البيشمركة الخاصة بالاتحاد الوطني الكردستاني، وأموال جهاز الاستخبارات".
وأضاف المصدر نفسه أنه "بعد اغتيال هوكر رسول وقلقاً من انتقام رجاله، قرر بافل طالباني مداهمة بيت سلمان أمين في السليمانية، والذي ما زالت زوجاته ووالدته يُقِمن به".
ولم يمر بافل طالباني بمنزل سلمان أمين بسلام، فبحسب مسؤول أمني في السلمانية، أرسل أمين بدوره عدداً من رجاله فحاصروا منزل قوباد طالباني، وهو شقيق بافل الأصغر، ونائب رئيس وزراء حكومة كردستان العراق.
وأضاف المسؤول الأمني أن "قوباد طالباني كان متوقعاً لخطوة سلمان أمين، فأرسل بدوره رجاله لتأمين منزله في أربيل وحماية أطفاله وزوجته، لكنه فوجئ بسلمان أمين بنفسه بصحبة عدد من الرجال المسلحين يحاصرون المنزل".
سلمان أمين يحظى بحماية الحزب الديمقراطي الكردستاني، منذ انشقاقه عن الاتحاد الوطني الكردستاني، وتقول بعض المصادر المقربة من عائلة طالباني، إنه أصبح يعمل في منصب أمني كبير في مدينة أربيل.
في هذا الصدد، يقول مسؤول ثانٍ في الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لـ"عربي بوست": "لا أعلم لماذا ذهب سلمان أمين لمنزل قوباد طالباني، وهذا قراره بشكل شخصي، ولم يناقش فيه أحداً من الحزب وليس لنا علاقة بالأمر".
ولم يؤكد المصدر إذا ما كان سلمان أمين يعمل الآن في منصب أمني كبير تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني، كما تقول مصادر في الاتحاد الوطني الكردستاني أم لا.
تجاهل بافل طالباني يزيد تعميق الصراع
لكن بعد الحادثة الأخيرة، ومحاصرة سلمان أمين لمنزل قوباد طالباني في مدينة أربيل، معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، قال مصدر ثانٍ مقرب من سلمان أمين إن هذا الأخير لم يقصد أي شر بقوباد طالباني.
وأضاف المتحدث أن سلمان أمين كان يريد التحدث لقوباد بشكل ودي لحل الخلاف بينهما، والتأكيد على أنه لا يعمل للإضرار بمصالح الاتحاد الوطني الكردستاني، من خلال التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، لم يصدق كل هذه الأحاديث، ولم يصدق أيضاً عدم معرفة الحزب الديمقراطي الكردستاني بذهاب سلمان أمين إلى منزله باربيل، بحسب المصادر المقربة من بافل طالباني.
يقول أحد المصادر المقربة من بافل طالباني لـ"عربي بوست": "بعد هذه الحادثة، طلب قوباد طالباني من مسرور بارزاني ونيجيرفان بارزاني اجتماعاً سريعاً لحل هذه الأزمة".
وكشف مصدر مُقرب من قوباد طالباني أن مسرور ونيجيرفان بارزاني لم يُوافقا على لقاء قوباد طالباني، ولا حتى وافقا على مكالمة هاتفية معه، مما زاد من غضبه، وقرر الامتناع عن حضور اجتماعات مجلس الوزراء".
ومسرور بارزاني هو رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق بأربيل، أما نيجيرفان بارزاني، فهو ابن عم مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق.
الصراع على تصدير الغاز الكردي
مسألة أخرى لا تقل أهمية عما سبق ذكره، والتي تُساهم في توسيع الصراع بين الحزبين الكرديين البارزين في إقليم كردستان العراق، هي مسألة إيرادات عائدات النفط والغاز الخاصة بالإقليم كردستان.
وتُعتبر مدينة أربيل التي يُسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني والتي تسمى المنطقة الصفراء غنية بالنفط، بينما مدينة السليمانية التي تقع تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني يطلق عليها اسم المنطقة الخضراء الفقيرة.
ويتهم الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بالاستحواذ على عائدات النفط لصالحه ولصالح المؤسسات والخدمات في مدينة اربيل، وترك الفتات لمدينة السليمانية والمناطق الواقعة تحت سيطرة الاتحاد.
ومن المفترض أن عائدات النفط، حتى وإن كان ضخه يتم عبر المناطق التي تقع تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، يتم توزيعها بشكل عادل بين الحزبيين، لدفع رواتب الموظفين وتحسين الخدمات سواء في أربيل أو السليمانية.
المحلل السياسي الكردي محمود وهاب قال لـ"عربي بوست": "بنظرة سريعة على الطرق والشوارع والخدمات العامة في كل من أربيل والسليمانية، يستطيع أي شخص أن يُدرك حجم سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على عائدات كردستان".
وأضاف المتحدث أن مدينة أربيل منظمة وحديثة وبها العديد من المناطق الترفيهية والمتاجر والأسواق، والخدمات الجيدة، أما السلمانية فالعكس تماماً، وحال شعبها متواضع مقارنة بحال الناس في أربيل".
وحسب المتحدث، فإن إقليم كردستان يعتمد على النفط كمصدر أساسي للاقتصاد، ويتم ضخ النفط الخاص بالإقليم عبر شبكة أنابيب إلى تركيا، خطوط الأنابيب هذه تقع ضمن نطاق المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني.
من جهته، يقول مسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست" إن "معظم الأموال تتركز في أيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني، فحتى ميزانية الإقليم التي تأتي من بغداد، يسيطر عليها الحزب ولا توجد عدالة في توزيع العائدات".
وبحسب مصادر مقربة من الاتحاد الوطني الكردستاني، فإن عائلة طالباني تعلمت الدرس جيداً من الصراع على عائدات النفط التي يُسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولن تُكرر أخطاء الماضي في التعامل مع تصدير الغاز الكردي.
ما هي قصة الصراع على تصدير الغاز بين الحزبيين الكرديين؟
بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، بدأ مسرور بارزاني، رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق، الترويج لقدرة الإقليم على تصدير الغاز لأوروبا، التي تعاني بسبب توقف إمدادات الطاقة من روسيا.
يمتلك إقليم كردستان العراق اثنين من أكبر حقول الغاز في العراق، هما: حقل خور مور، وحقل جمجمال، والاثنان ينتجان حوالي 450 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، ويسيطر عليهما الاتحاد الوطني الكردستاني.
يقول المحلل السياسي الكردي محمود وهاب لـ"عربي بوست" إن "الحزب الديمقراطي الكردستاني لديه رغبة قوية في تصدير الغاز لأوروبا، وأن تحل كردستان العراق محل روسيا، وأسهل طريقة هي شبكة أنابيب تمر من الشمال في أربيل إلى تركيا ومنها إلى أوروبا".
وتقع حقول الغاز في المناطق التي تقع تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، لذلك لا يستطيع الحزب الديمقراطي الكردستاني تصدير الغاز إلا بعد موافقة منافسه في السلمانية، وهذه نقطة خلاف أخرى تزيد من الصراع بين الطرفين.
نهاية العام الماضي، وقَّعت الحكومة الكردية بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني عقداً مع شركة الطاقة KAR لمد شبكة أنابيب حقول الغاز الواقعة في المناطق التي يُسيطر عليها الاتحاد إلى مدينة دهوك لضخ الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
يقول مسؤول بارز آخر في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "هذا العقد تم منحه بالإسناد المباشر لشركة KAR، والتي يديرها عدد من رجال الأعمال الموالين للحزب الديمقراطي الكردستاني".
وأضاف المتحدث أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعلم الاتحاد الوطني الكردستاني بهذه المسألة، حتى فوجئنا بمهندسي الشركة، يتواجدون في حقول الغاز في مدينة دهوك لبدء العمل".
على الجانب الآخر، نفى مسؤول في وزارة الموارد الطبيعية الإقليمية، والموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"عربي بوست": "مزاعم الاتحاد الوطني الكردستاني بأن شركة KAR تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، أو أن العقد تم منحه للشركة بالإسناد المباشر".
بينما أصر مسؤولو الاتحاد الوطني الكردستاني على عدم استمرار العمل في حقول الغاز الواقعة تحت سيطرتهم، مما تسبب في توقف خطط تصدير الغاز الكردي إلى أوروبا.
يقول مصدر مقرب من عائلة بارزاني، لـ"عربي بوست": "في السر يتهم مسرور بارزاني، بافل طالبني، بأنه أوقف مشروع تصدير الغاز الكردي إلى أوروبا، لصالح إيران، التي ضغطت عليه من أجل هذا".
تجدر الإشارة إلى أن عائلة طالباني في السلمانية تتمتع بعلاقة جيدة مع إيران، بجانب الولايات المتحدة، على عكس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تربطه علاقات واسعة مع كل من الولايات المتحدة وتركيا.
يقول المحلل السياسي الكردي، محمود وهاب، لـ"عربي بوست": "توقف تصدير الغاز يضر كلا الجانبين، ولن يتسامح الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تعنت الاتحاد الوطني الكردستاني بسهولة".
وأشار المتحدث إلى أن الشعب الكردي يُعاني من أزمة اقتصادية، وكان من الممكن أن يكون مشروع تصدير الغاز إذا تم توزيع عائداته بشفافية بارقة أمل لحل هذه الأزمة".
صراع أبناء العمومة
الصراع بين الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني قديم ومتجدد، لكن الجديد نسبياً هو الصراع بين أبناء العمومة في كلا الحزبين، فهناك صراع خفي وغير معلن بين مسرور ونيجيرفان بارزاني على الانفراد بالسلطة.
يقول مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"عربي بوست": "نيجيرفان أهدأ وألطف بكثير من مسرور، هذا الأخير ذكي بدرجة مخيفة، ويعمل على توسيع شبكة الموالين له، من أجل التمهيد للإطاحة بنيجيرفان".
وأضاف المصدر نفسه قائلاً: "استطاع مسرور توطيد سلطته من خلال منصبه كرئيس للوزراء، أفضل مما كان الحال عليه في وقت نيجيرفان، إنه يعمل بهدوء على الإطاحة بجميع الموالين لنيجيرفان؛ ما زاد التوترات بين الرجلين".
في الاتحاد الوطني الكردستاني الصراع أقوى من صراع أبناء العمومة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، فبعد وفاة جلال طالباني، الرئيس العراقي السابق، والذي كان يرأس الاتحاد الوطني الكردستاني لسنوات طويلة، ظهر الصراع بين أبنائه وأولاد عمهم.
وبالرغم من نجاح بافل طالباني وابن عمه لاهور طالباني في الفوز بالرئاسة في الانتخابات الداخلية للاتحاد الوطني الكردستاني، فإن بافل قرر الإطاحة بابن عمه من أجل الاستحواذ على السلطة.
يقول محلل سياسي كردي مقرب من عائلة طالباني لـ"عربي بوست"، إن "نيجيرفان بارزاني ساعد بافل طالباني في الإطاحة بابن عمه لاهور، لأن بافل يرى أن لاهور قد توسع من خلال منصبه برئاسة جهاز المخابرات، ويحتكر الكثير من الأموال والأعمال في السلمانية، كما اتهم بافل لاهور بأنه يخطط للإطاحة به".
ومنذ الإطاحة بلاهور طالباني يتوقع العديد من المسؤولين هجوماً مضاداً من قِبله، يزعزع استقرار الاتحاد الوطني الكردستاني، ويضعف موقفه في منافسته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
في هذا الصدد، يقول مسؤول كردي في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست"، إن "الصراع الداخلي في عائلة طالباني أوسع وأخطر من الصراع الداخلي في عائلة بارزاني، ولا نستبعد قيام لاهور بمواجهة عنيفة مع بافل وأخيه قوباد".
تهديد استقرار إقليم كردستان العراق
إن نشوء الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، كان دائماً بسبب السعي للهيمنة، فضلاً عن الاختلافات الأيديولوجية والاجتماعية بين الحزبين.
فدائماً ما كان الاتحاد الوطني الكردستاني أكثر مدنية وانفتاحاً، ولديه قاعدة جماهيرية بين الشباب وفي المدن الحضرية، بينما كان الحزب الديمقراطي الكردستاني محافظاً، ويتميز بالانضباط الداخلي التقليدي، وله قاعدة جماهيرية ريفية قبلية.
يقول محمود وهاب، المحلل السياسي الكردي لـ"عربي بوست": "في الماضي كان يمكن احتواء الخلاف، خاصة بعد اتفاقية تقاسم السلطة والسلام التي رعتها واشنطن، لكن الآن الصراع غير مفهوم بين الأجيال الجديدة في الحزبين".
يقول مسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "لا أتوقع نشوب حرب أهلية مرة أخرى بين الحزبين، لكن في الوقت نفسه لست متفائلاً بما يحدث، يبدو الأمر وكأنه مشاجرة بين أبناء عائلات ثرية وليس سياسيين".
كما عبر المصدر ذاته عن قلقه بانعكاس هذا الصراع بين الحزبين الكرديين الرئيسيين على الشعب الكردي، فيقول: "من سيدفع الثمن في النهاية هو الشعب الكردي، سيدفع الثمن من مستوى معيشته، واستقرار بلاده".
دائماً ما كانت تشبّه الولايات المتحدة والدول الغربية إقليم كردستان العراق بأنه عراق آخر، غير العراق في بغداد، الذي تسيطر عليه الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة.
لكن يرى المحللون السياسيون الأكراد أن استمرار الصراع بين العائلتين سيقضي على أمل إقليم كردستان في الاستقرار والسلام والاستقلال، التي انتزعها الأكراد بصعوبة.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”