مقاطعة واسعة وعزوف عن التصويت.. الواقع السياسي والاقتصادي في تونس يطغيان على الانتخابات التشريعية

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/17 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/17 الساعة 14:48 بتوقيت غرينتش
الانتخابات التشريعية في تونس- صورة أرشيفية

لا يوجد أي مظهر من مظاهر الانتخابات في تونس، رغم حلول موعد الانتخابات التشريعية في البلاد اليوم، السبت، 17 ديسمبر/كانون الأول، والسبب هو عزوف قطاع كبير من التونسيين عن المشاركة بسبب تركيزهم المطلق على توفير حاجياتهم اليومية، في ظل تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما أدى إلى تراجع شعبية الرئيس سعيّد ومقاطعة جل الأحزاب الكبرى للانتخابات

لا توجد أي مظاهر تدلّ على أن البلاد ستشهد انتخابات تشريعية تُفرز ممثلين للشعب في البرلمان المقبل، إذ طغت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على اهتمامات التونسيين، خاصة في ظل مقاطعة جل الأحزاب السياسية للانتخابات، وتراجع دائرة مؤيّدي الرئيس سعيّد.

يرى المختص في الشأن السياسي، حسان العيادي، من خلال حديثه مع "عربي بوست" أن السياق السياسي العام، أو المشهد العام في تونس، قبل يوم من الانتخابات التشريعية في داخل البلاد، هو مشهد أو سياق متأزّم باعتبار الانشغال الكلي بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة وهيمنتها على النقاش العام، خاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخّم إلى مستوى غير مسبوق منذ حوالي 40 سنة.

وأضاف العبادي أن البلاد شهدت خلال الفترة الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، وأزمة سيولة كبيرة في ميزانية الدولة وفقدان عديد المواد الأساسية، وندرة بعض الأدوية، كل العوامل والأزمات ولّدت توتّراً اجتماعياً كبيراً واحتقاناً عالياً لدى كل شرائح وفئات المجتمع التونسي، ما انعكس على المناخ السياسي والمشهد العام في تونس، في تقديره.

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء جرى في 25 يوليو/تموز الماضي، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/كانون الأول. 

تراجع دائرة مساندي الرئيس سعيد

في المقابل أصبح هناك انحسار للجسم المساند للرئيس قيس سعيد، وتراجع دائرة مؤيّديه، فخلال المرحلة السابقة التي صبغها الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في 25 يوليو/تموز 2022 كانت دائرة مساندي الرئيس كبيرة نوعاً ما، مقارنة بما بلغته حالياً، في تقييم العيادي.

وأرجع الرجل  انحسار مساندي الرئيس إلى خطابه، إذ لم يعد التونسيين من مؤيّديه يعرفون هل هم مساندون له أم لا، أو "مع الرئيس في علاقة بمطالبته بالإصلاحات وضدّه خياراته وخيارات حكومته الاجتماعية والاقتصادية في نفس الوقت"، وفق تعبيره.

مزاج عام غاضب

العيادي أشار في حديثه مع "عربي بوست" إلى أن التوتّر وانحسار دائرة مساندي الرئيس خلق مزاج عام لدى التونسيين غاضب من السياقات الاجتماعية والاقتصادية المتردية، التي أصبحوا يعيشون على وقع مزيد ترديها الملحوظ يومياً.

 أصبحت أولويات التونسيين بعيدة عن الشأن السياسي والانتخابي، بل تتمثل في تأمين الحياة المعيشية اليوميّة. 

وخلص إلى ان "الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تعيشها البلاد جسّدت نفسها بشكل مثالي في هذا المناخ الانتخابي، حيث ان نقاشات التونسيين وانشغالاتهم لا تتعلق بمن ستنتخب، بل كيف ستوفّر الحليب والسكر والدواء وغيرها من المواد الأساسية والحياتية، التي أصبحت تشهد ندرة في الأسواق خلال الفترة الأخيرة"، وفق قوله.

وتعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية منذ سقوط نظام بن علي في يناير/كانون الثاني سنة 2011، ولكن تفاقمت حدّتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى تعمّق حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءات استثنائية في 25 تموز 2021.

ووفق المعهد الوطني للإحصاء، وهو مؤسسة رسمية، بلغت نسبة التضخّم 9.8% خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي أعلى نسبة تضخم سجّلتها البلاد منذ التسعينيات.

المقاطعة أهم سمات المشهد

ومنذ 25 تموز 2021، اتخذ عدد من الأحزاب السياسية موقفاً مناهضاً لذلك المسار الذي اعتبرته "انقلاباً" وأعلنت مقاطعتها وعدم اعترافها بكل ما سيتبع تاريخ 25 تمّوز، وكان أهمها مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديدالانتخابات التشريعية التي ستُجرى غدا في تونس.

ومن أبرز الأحزاب السياسية المقاطعة كانت  حركة النهضة وحزب الدستوري الحرّ الذي تترأسه عبير موسي وحزب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب العمال وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب القطب الديمقراطي وحزب الأمل وحراك تونس الإرادة وغيرها من الأحزاب التي تتخذ مقاطعة الانتخابات كموقف للتعبير عن رفضها لكل المسار الذي أطلقه قيس سعيد.

المشاركة في الانتخابات التشريعية في تونس

يرى المحلل السياسي، خالد الدبابي، في حديث مع "عربي بوست" أن النسبة الحقيقية للمشاركة في الانتخابات تمثل إشكالاً كبيراً، إذ إن هيئة الانتخابات منعت كل عمليات الرقابة على العملية الانتخابية، واحتكرت المسار الانتخابي برمّته، ولم تسمح بالتدقيق في أي من محطاتها، ما سيجعلها المصدر الوحيد تقريباً لمعرفة نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، مشيراً إلى أن هيئة الانتخابات فقدت مصداقيّتها.

لكن الواضح، أن البلاد ستذهب إلى انتخابات تشريعية لا أثر لمظاهرها في الواقع والشارع التونسي، خلافاً لما كان عليه الحال خلال الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في السنوات الـ10 الأخيرة، وقال "لم نر أي حملة انتخابية، ولم نر نقاشاً عاماً، ولا يوجد ما يوحي بأن البلاد مقبلة على انتخابات".

وخلص الدبابي إلى أن كل المؤشرات الأولية تفيد بأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ستكون ضعيفة جداً. 

وتوقع رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، أن يشارك حوالي 2.8 مليون تونسي في الانتخابات التشريعية من جملة 9 ملايين ناخب في مرسّم في سجلّ الهيئة، ولكن في المقابل شهد اليوم الاول للانتخابات في الدوائر الانتخابية في الخارج، التي انطلقت أمس الخميس، إقبال 100 ناخب فقط من جملة 155 ألف ناخب مسجل لدى الهيئة.

وأعلنت هيئة الانتخابات في تونس عن قبول 1058 ملفاً لمترشحين لعضوية البرلمان المقبل الذي سيتركّب من 161 نائبا، ضمن 10 مترشّحين منهم فوزه دون انتخابات باعتبارهم المترشّحين الوحيدين في دوائرهم الانتخابية، إذ ينصّ الفصل 109 من القانون الانتخابي الجديد على أن المترشح يعتبر فائزا مهما كان عدد الأصوات التي تحصل عليها.

كما بقيت 7 دوائر انتخابية دون مترشّحين ما سيجعل الانتخابات التشريعية تُفرز برلماناً منقوصاً من 7 أعضاء، أكدت هيئة الانتخابات أنها ستتجاوزها بتنظيم انتخابات جزئية في الدوائر الـ7 بعد الانتخابات التشريعية لاستكمال انتخاب كل أعضاء البرلمان.

تحميل المزيد