كشف موقع Africa Intelligence في تقرير نشره الجمعة 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن حفتر -الرجل القوي في شرق ليبيا- لا يزال مسؤولاً عن التكتيكات العسكرية، بينما يتولى ابنه صدام حفتر إدارة الاستراتيجية المالية للمنطقة، خاصة في القطاع المصرفي.
الموقع أشار إلى أن حفتر يعزز تدريجياً سيطرته على المؤسسات المصرفية في برقة. وقد تمكن خلال الأشهر القليلة الماضية من وضع رجاله في مناصب استراتيجية في عدة بنوك، وهي خطوة ستسمح له باستخدام خطابات الاعتماد للحصول على العملات الأجنبية.
إنشاء بنك مركزي موازٍ
كانت آخر مناوراته هي إنشاء بنك مركزي "موازٍ" في الشرق؛ فـ"علي الهبري"، محافظ فرع البيضاء، ونائب رئيس مصرف ليبيا المركزي، الصديق عمر الكبير، أُقيل في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بتصويت من قِبَلِ برلمان طبرق بعد اتهامه من الفساد. وفاجأ القرار الهبري، الذي كان يمثِّل مصرفه قبل أسبوعين فقط في منتدى في تونس حول القطاع المصرفي.
علي الهبري، محافظ فرع البيضا للبنك المركزي، سبق أن حُدِّدَ مصيره خلال مفاوضات منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بين إبراهيم الدبيبة، ابن شقيق ومستشار رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وصدام حفتر. وهذه الصفقة تمنح حفتر عدة مزايا؛ فهي أولاً تضع حداً للسياسة المالية للهبري، الذي أظهر استعداداً أقل لطباعة النقود. وتسمح لحفتر باكتساب المزيد من السيطرة على المؤسسة المالية الشرقية، حيث استُبدِل الهبري وحل محله المصرفي الموالي لحفتر "مراعي البراسي"، مدير بنك الوحدة. ينحدر البراسي في الأصل من الشرق، وينتمي إلى قبيلة البراءة التي ارتبط بها الملك إدريس الأول الذي حكم ليبيا من عام 1951 حتى عام 1969.
عُيِّنَ البراسي من قِبَلِ البرلمان، المتحالف مع الجنرال حفتر، الذي عينه في الوقت نفسه لرئاسة لجنتي الاستقرار المالي في بنغازي ودرنة. وقد وجد المصرفي نفسه يتولى وظائف لم يكن يطمح إليها، بحسب أحد معارفه.
أزمة داخل بنك البيضا
في سياق متصل، أثارت الإطاحة بحاكم المنطقة الشرقية ثورةً داخل مجلس إدارتها المكون من ستة أعضاء. استقال محمد المختار وعبد الرحمن يوسف حبيل احتجاجاً على ذلك، وقد كانا في صراع مع محافظ طرابلس عدة مرات.
يعني الاضطراب أن عملية إعادة توحيد البنكين المركزيين، التي بدأت مطلع هذا العام تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، قد توقفت. وكان من المفترض أن تؤدي العملية، التي دعا إليها المجتمع الدولي، إلى آليات الحكم الرشيد والشفافية في الحسابات الموحدة للبلد. كانت شركة Deloitte الاستشارية الأمريكية مسؤولة عن تنفيذ ومراقبة التوحيد.
لكن العملية كانت في الواقع فاترة؛ لأن محافظ بنك طرابلس المركزي، الصديق عمر الكبير، علقها بالفعل منذ عدة أشهر. يسمح له ذلك بالبقاء في المنصب الذي شغله منذ عام 2011، رغم انتهاء ولايته رسمياً في عام 2014.
من جهة أخرى، فقد تمكن الصديق عمر الكبير من إبقاء خليفة حفتر لطيفاً من خلال الحفاظ على دفع رواتب الجيش الوطني، رغم الحصار النفطي الذي دبره الرجل القوي في الشرق، والذي حرم بنك ليبيا المركزي من مصدر أمواله الرئيسي.
كذلك يتمتع الكبير أيضاً بعلاقات جيدة مع أشخاص معينين مشتركين مع صدام حفتر. وهو حليف لرجل الأعمال المصراتي القوي محمد طاهر عيسى، ويمنح قانون الأعمال الزراعية بانتظام لشركات عيسى التجارية الزراعية خطابات الاعتماد الرئيسية الضرورية للواردات.
في حين يُعد ابن شقيق محافظ بنك ليبيا المركزي، رجل الأعمال حاتم الكبير، مقرباً أيضاً من عيسى، الذي هو نفسه مرتبط بأحد الرجال الرئيسيين في شبكة حفتر، أحمد العشيبي. ويتخذ العشيبي من دبي مقراً له مع العشيرة منذ عام 2014 ويساعد صدام حفتر في إنشاء شبكاته المالية المختلفة.
من جهته، مكَّن العشيبي صدام حفتر من من الحصول على موطئ قدم في بنك التجارة والتنمية في بنغازي، تحت إشراف بنك ليبيا المركزي. وقد استخدم صلاته لإطاحة رئيس بنك التجارة والتنمية جمال الطيب عبد الملك في مايو/أيار 2022. وعُزِلَ بعد اتهامات بالفساد وحل محله وسيم الزاوي المقرب من صدام حفتر. وقد تمكن العشيبي من الاستحواذ على حصة كبيرة في مساهمة بنك التجارة والتنمية بفضل هذه المناورة، وفقاً لعدة مصادر.
تمويل جيش حفتر
توفر القبضة الحديدية على بنوك المنطقة الشرقية لصدام حفتر الوسائل لتمويل الطموحات العسكرية لجيش حفتر ومعداته وعملياته؛ لكن الأموال يمكن أن تكون مفيدة أيضاً لأغراض سياسية أكثر. منذ الإخفاق في تنظيم الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2021 ورد أن المعسكرين المتنافسين في الغرب والشرق اتفقا على تأجيل الموعد النهائي لعام آخر. يمكن لصدام حفتر أن يستخدم هذا التأخير لبناء آلة سياسية للتحضير للحملة الانتخابية.
حيث قدم خليفة حفتر نفسه كمرشح في الانتخابات الأخيرة؛ لكنه لم يكن مؤهلاً بسبب جنسيته المزدوجة الليبية والأمريكية وبسبب القضايا القانونية المختلفة التي تورط فيها.
رغم ذلك، خلقت طموحات صدام حفتر بعض التوتر داخل منطقة الشرق؛ فبعض قراراته ومواقفه تثير غضب والده، مثل المحادثات مع معسكر الدبيبة، وقد عارض خليفة حفتر بشكل ملحوظ القرار الصادر في يوليو/تموز 2022 باستبدال رئيس شركة النفط الوطنية، مصطفى صنع الله، على أن يحل محله فرحات عمر بن قدارة.