كانوا متمسكين بأمل أن يعلّموا أبناءهم الطب والهندسة حتى لو اضطروا إلى الاقتراض أو الدين، لكن الأمر بدا مستحيلاً، أن يكمل طلاب مصريون من أبناء الطبقات المتوسطة وتحت المتوسطة دفع مصروفات دراستهم في الخارج بعد أزمة الدولار.
معاناة يعيشها الطلاب المصريون في الخارج وأهاليهم بالتزامن مع هبوط قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي إلى مستويات لم يشهدها من قبل، إذ يتجاوز سعر الصرف رسمياً 24 جنيهاً، بينما يكسر حاجز الـ34 في السوق السوداء.
يعتمد الطلاب المصريون على الدولار في استقبال الحوالات المالية من أسرهم لدفع رسوم الجامعات ومصروفاتهم الشخصية، فمواصلة انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ينعكس بالسلب عليهم، وتتضاعف قيمة الرسوم الجامعية على ذويهم بسبب الهبوط المتكرر للجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي والروبل الروسي.
12 ألف طالب مصري في روسيا
هل يعودون وتستقبلهم الجامعات المصرية ليستكملوا دراستهم مثلما فعلت الحكومة مع الطلاب العائدين من أوكرانيا؟ وفقاً لوزارة التعليم العالي لروسيا فإن أبرز الطلاب الدارسين في روسيا من الدول العربية هم المصريون؛ إذ حصدوا المرتبة السابعة بين الطلاب العرب بأكثر من 12,400 طالب مصري، وفق إحصائية عام 2021.
يقول محمد عبد الرحمن، طالب مصري بجامعة الصداقة لـ"عربي بوست": "من الممكن ألا أتمكن من إكمال هذه السنة الدراسية، بسبب عدم قدرة أسرتي على تحمل قيمة الترم الثاني في الجامعة، بعدما تضاعفت المصروفات".
وتابع عبد الرحمن: "أتمنى ألا يتم تجاهلنا من قبل المسؤولين في مصر، وتوفر لنا جامعات بديلة للاستكمال مثلما حدث مع أصدقائنا العائدين من أوكرانيا".
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر مارس/آذار الماضي، أعلنت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج السابقة، نبيلة مكرم عبد الشهيد، بدء استقبال أوراق الطلاب العائدين من أوكرانيا، والسماح لهم باستكمال الدراسة في مصر، وفق الضوابط التي أقرها مجلس الوزراء، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
60 ألف جنيه للترم الواحد
أوضح مصطفى، طالب مصري في موسكو، لـ"عربي بوست" أن "التكلفة الإجمالية للمصروفات الدراسية هي 240 ألف روبل، أي ما يعادل 4000 دولار، قمت بدفع 2000 دولار تكاليف الترم الأول، أي ما يعادل 39000 ألف جنية مصري في حينها، والآن أنا مطالب بدفع 2000 دولار أخرى هي قيمة الترم الثاني للسنة الدراسية، التي تبلغ ما يقرب من 60000 ألف جنيه بدلاً من 39000 جنيه.
تواصل مصطفى مع الجامعة باستمرار لتأجيل موعد سداد الدفعة الثانية ولكن بلا جدوى، ويضيف: "أعتقد أنني أؤخر موعد فصلي من الجامعة ليس أكثر"، وناشد مصطفى، الحكومة المصرية مساعدتهم في هذه المشكلة التي تهدد بتدمير مستقبلهم التعليمي وضياع حلمهم، متمنياً أن تجد الحكومة بدائل للطلاب داخل بلادهم؛ إذ ستكون جامعات مصر أولى بهذه المصروفات التي يدفعونها، وستمكنهم في الوقت ذاته من استكمال دراستهم، حسب ما صرح.
جاء الانخفاض، بعد قرار البنك المركزي المصري بدء تحرير سعر الصرف ورفع سعر الفائدة بنسبة 2%، وكذلك البدء في الإلغاء التدريجي لنظام الاعتمادات المستندية في الاستيراد.
مهلة 7 أيام لمغادرة روسيا
من جهته يقول عبد الرحمن منصور، وهو طالب مصري في روسيا، لـ"عربي بوست": "الوضع الحالي أصبح سيئاً للغاية بسبب تغير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، المصاريف الدراسية تتضاعف بسبب هذا الأمر، والأهالي لن يستطيعوا دفع مصاريفنا الدراسية، وبالتالي نحن مهددون بخطر الترحيل بسبب عدم دفع المصاريف".
وأشار منصور: "هناك بالفعل زملاء لنا تم فصلهم من الجامعات الروسية، وطُلبت منهم مغادرة الأراضي الروسية خلال 7 أيام، بسبب عدم قدرتهم على دفع مصاريف دراسية مؤجلة".
في 23 مارس/آذار من هذا العام، خرج "ويسترن يونيون" من روسيا اعتراضاً على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتقدمت الشركة بصفتها مشغل نظام للدفع في روسيا، بطلب إلى البنك المركزي الروسي باستبعاد الشركة من سجل مشغلي أنظمة الدفع.
يضيف منصور: "العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا بسبب الحرب كان لها تأثير علينا في استقبال الأموال من مصر، لأن تحويلات الأموال أغلقت، وحتى ويسترن يونيون أغلق، وأصبحت التحويلات لا تتم إلا عن طريق أشخاص يعملون في التحويلات المالية بين مصر وروسيا، ولا تتم عملية التحويل إلا بدفع عمولات كبيرة جداً، ولم نعد قادرين على مجاراة هذه الأزمة".
وحاول الطلاب المصريون تدشين تظاهرات أمام السفارة المصرية في روسيا اعتراضاً على الوضع الحالي، لكن الأوضاع الأمنية في ظل حالة الطوارئ المفروضة في البلاد على خلفية غزو أوكرانيا جعلتهم في حالة خوف، وتراجعوا عن ذلك القرار، ليقوموا بتدشين هذا الهاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي "#السماح_لتحويل_الطلاب_المصريين_في_روسيا_ل_الجامعات_المصرية".
وكان سعر الجنيه قبل القرارات الأخيرة للبنك المركزي المصري 19.65 جنيه للدولار الواحد، فيما صرح البنك المركزي المصري في بيان له أنه "من المتوقع أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام عن نظيره المستهدف من قبل المركزي، والبالغ 7% في المتوسط خلال الربع الرابع من 2022".