يهيمن هاجس انقسام وانهيار الدولة العبرية على تفكير القادة الإسرائيليين، في ضوء المخاطر المحدقة بالنظام السياسي والاجتماعي والأمني، التي أحدثتها اتفاقات الائتلاف الحكومي، التي أبرمها رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو مع شركائه المرتقبين في حكومة نتنياهو والتي شملت تعديل نظام القضاء والمحاكم وتقليص دور ضباط الجيش والشرطة وتقسيم الوزارات والدوائر الحكومية، إرضاء لمعسكر اليمين.
ووفقاً لما ورد في صحيفة معاريف، فإن الرئيس إسحاق هرتسوغ قد رفض، الجمعة، 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، طلباً تقدم به نتنياهو لتمديد فترة مشاوراته لتشكيل الحكومة لأسبوعين إضافيين، ومنحه بدلاً من ذلك 10 أيام فقط، ما فُسر على أنه تحفظ واعتراض الرئيس الإسرائيلي على الطريقة التي يدير بها نتنياهو مفاوضاته مع شركائه في الائتلاف الحكومي.
وتنتهي غداً، الأحد، 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022، المهلة القانونية أمام رئيس الوزراء المكلف، والتي يحددها القانون بـ28 يوماً لتشكيل الحكومة، حيث فشل نتنياهو طوال هذه الفترة في الاتفاق على كامل برنامج عمل حكومته، بما فيها التوافق على مرشح لرئاسة البرلمان (الكنيست)، بالإضافة لنشوب خلافات داخل معسكره (الليكود)، بعد أن تنازل عن الحقائب السيادية لصالح بن غفير وسموتريتش.
المعارضة تتجهّز لعصيان مدني
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن مشرعين من كتلة المعارضة، تعهدوا بتشكيل جبهة موحدة تحت مسمى "منتدى الكفاح من أجل طابع الدولة"، يهدف للتصدي والوقوف في وجه الخطوات التي يعتزم نتنياهو تعديلها في نظام القضاء والأمن.
ووفقاً للصحيفة يقود هذه الجبهة كل من حزبي "هنالك مستقبل" برئاسة يائير لابيد، والمعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس، بالإضافة لحزبي العمل وميرتس اليساريين، على أن ينضم إليهم لاحقاً أحزاب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، والقائمتين المشتركة والعربية الموحدة التي تمثل الوسط العربي في الداخل.
وفي إشارة لبرنامج عمل هذا المنتدى قال وزير الدفاع المنتهية ولايته بيني غانتس، أنه من المهم إنشاء منتدى عمل يبدأ في التفكير بالتحركات البرلمانية والعامة والإعلامية المشتركة ضد الإضرار بالقيم الديمقراطية التي يقوم بها نتنياهو مع شركائه في الحكومة.
وفي سياق متصل، ألمح رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، أنه يعتزم الدعوة لموجة احتجاجات غير مسبوقة ضد خطوات الحكومة المقبلة، بما فيها الدعوة لمظاهرات مليونية لحماية الديمقراطية والنظام السياسي في إسرائيل.
ووفقاً لما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن آيزنكوت قوله: إذا مسّ نتنياهو بالمصالح الوطنية والديمقراطية لدولة إسرائيل، وبنظام التربية والتعليم في الدولة، وبمكانة جيش الدفاع كجيش وطني – فإن طريقة التعامل مع ذلك هي إخراج مليون شخص إلى الشوارع.
لابيد، بدوره، قال في حشد أمام مؤيديه "لسنا هنا فقط (يقصد العلمانيين) لدفع الضرائب وإرسال أولادنا إلى الجيش، سنقاتل من أجل بلدنا، لن نخاف من أحد، ولن نصمت عندما يضرون بجنودنا وأولادنا".
الصدام بدأ بالفعل
أطلق رئيس الوزراء يائير لابيد الذي لا يزال رئيساً لحكومة تسيير الأعمال، دعوة لعمداء بلديات المدن الإسرائيلية الكبرى بعدم التعاون مع حكومة نتنياهو، وممارسة صلاحيتهم لوقف التعديلات المرتقبة التي ينوي نتنياهو إجراءها في نظام وأجهزة الدولة.
بموازاة ذلك أطلق لابيد خطاً ساخناً لأولياء الأمور الذين يعارضون الاتفاق الأخير الذي أبرمه نتنياهو مع آفي معوز، زعيم حزب "نوعم"، بمنحه صلاحيات المصادقة على المنهاج التعليمي في المدارس، بعد أن نزع هذا الاختصاص من وزارة التربية والتعليم.
فيما سجل جهاز الشرطة مؤخراً حدثاً استثنائياً، حينما تجاوز وزير الداخلية عومر بارليف الأعراف التقليدية في آخر أيام رئاسة للوزارة، حيث شرع بارليف بترقية عشرات الضباط في جهاز الشرطة، رغم معارضة الوزير القادم بن غفير لهذه الترقيات، في مسعى لتشكيل لوبي معارض داخل جهاز الشرطة؛ ليصطدم مع بن غفير بعد تشكيل الحكومة.
لم يقف الأمر عند هذا الحدث فحسب، بل إن المفوض العام للشرطة يعقوب شبتاي رفض دعوة بارليف لحضور الاحتفال الخاص بترقية الضباط، وعوضاً عن ذلك توجّه لمنزل بن غفير للاحتفال بوصول ابنته لسن البلوغ.
أثار تصرف شبتاي انتقادات كبار الكتاب في الصحافة الإسرائيلية، الذين وصفوا الحدث بأن "بن غفير قد أخضع شبتاي حتى قبل أن يدخل مكتبه".
بدورها، هددت نائبة وزير الاقتصاد، يائير غولان، عن حزب ميرتس بأنها ستدعو تيار اليسار لخطوات احتجاجية أمام مقر الحكومة في القدس المحتلة، من أجل الحفاظ على هوية الدولة وعدم انزلاقها لمربع اليمين الذي يهدد مناعتها الداخلية.
نتنياهو.. المعارضة تنقلب على نتيجة الانتخابات
لم يتأخر نتنياهو في الدفاع عن قراراته الأخيرة، فسارع إلى شن هجوم على المعارضة الذي وصف خطواتها الأخيرة بأنها انقلاب على الديمقراطية، وأنها لا تزال رافضة الاعتراف بنتيجة الانتخابات الأخيرة.
في حين هدد عضو الليكود، نسيم فاتوري، المتظاهرين بزجهم في السجن، حال قرروا تعطيل عمل الحكومة القادمة.
أما تيار اليمين المنشغل بالحصول على أكبر قدر من الحقائب الوزارية والصلاحيات، فاعتبر دعوات المعارضة بأنها تحريض قد يدفع الشارع إلى الصدام الداخلي.
ولعل من المصادفات أن يعود شبح الحرب الأهلية في إسرائيل، بالتزامن مع إحياء الإسرائيليين ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
كما بات مألوفاً أن يستخدم السياسيون من هم على رأس الحكم أو في المعارضة مصطلحات جديدة في خطاباتهم، كالانقسام الداخلي، وهدم البيت، وحرب الكل في الكل، وهو وضع يعكس حالة الانقسام التي تزداد شرخاً عاماً بعد عام.