تنتشر ظاهرة العزوف عن الزواج في مصر بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، وتزداد أسبابها يوماً بعد يوم، سواء بسبب غلاء المهور أم ارتفاع نسبة البطالة أم غيرها، لكن النتيجة واحدة، عزوف الشباب عن الزواج وتخوفهم من خوض التجربة، فما الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك؟
الخوف من العنف الأسري
تقول "سمية" التي عانت من عنف أسري خلال طفولتها ومراهقتها، إنها تعاني من حالة من الخوف من الرجال بشكل عام، جعلها غير راغبة في الزواج، هي الآن على أعتاب الـ٣٥ عاماً، ومازالت متمسكة بموقفها من الفكرة.
تضيف: "عانيت في طفولتي ومراهقتي من عنف أسري مبالغ فيه، أعتقد أنه خلق داخلي نوعاً من التمرد والرعب من مجرد طرح فكرة أن يتحكم أحد في حياتي، كيف أعيشها وكيف أتحدث وكيف أتناقش، قررت منذ سنوات ألا أتزوج وألا أتحول إلى ماشية في حظيرة أحدهم، وبعد أن نجحت في الحصول على فرصة عمل مناسبة قررت أن استقل عن عائلتي".
أصدرت وحدة الدراسات والبحوث بملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، تقريراً تحت عنوان: (وباء كورونا والعنف الأسري: هل من ارتباط؟)، أشار إلى أن حوالي ثمانية ملايين امرأة مصرية تتعرض لخطر العنف الأسري كل عام.
وقد تتعرض نسبة تصل إلى 86% من الزوجات للإيذاء الزوجي، إذ يمارس أربعة من كل خمسة رجال متزوجين شكلاً من أشكال العنف النفسي ضد زوجاتهم، بالإضافة إلى ذلك، أبلغ ما يقرب من نصف الشابات عن تعرضهن للعنف الجسدي من قبل إخوانهن أو آبائهن.
الأزمات المالية ضاغطة
بلغ عماد الدين علي ٣٩ عاماً ولم يتخذ أية خطوة جادة نحو الزواج، إذ يرى أن الزواج مؤسسة حكم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، يقول لـ"عربي بوست" أنا ضمن شباب كثيرين عزفت عن الزواج بسبب الأجواء السلبية المحيطة بنا، واستماعي شكاوى كثير من أصدقائي من قيود المنظومة الزوجية في مصر، وعدم تقبلي لفكرة تقييد حريتي في منزل والتزامي بواجبات ومسؤوليات معينة.
زادت مشكلة الغلاء والأزمات الاقتصادية الطاحنة من الضغوط التي يجد علاء أنها تقف عائقاً بينه وبين الزواج، بداية من مصاريف الإيجار، الطعام، المواصلات، الأجور المتدنية بشكل رهيب في مصر".
لا تخلو حياة عماد عن محاولات وجود شريكة حياة، يقول: "فكرت كثيراً وارتبطت أكثر من مرة، لكن فشلت في الوصول إلى المحطة الأخيرة بسبب هذه المشاكل، وتوصلت في النهاية إلى نتيجة واضحة، وهي أن العيب ليس في شخصي، متطلبات الزواج رسخت قناعات لدي أنه مشروع فاشل".
حالة طلاق كل دقيقتين
كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عن انتشار حالات الطلاق في مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
وقال اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إن عدد عقود الزواج خلال 2020 بلغ 876 ألف عقد، ثم 880 ألفاً خلال عام 2021، بينما بلغت بيانات الطلاق 222 ألف حالة خلال 2020، ثم ارتفعت بنسبة 13% لتبلغ 245 ألف حالة خلال 2021.
ووفقاً لبيانات المركزي للإحصاء، لعام 2020 تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، حوالي 25 حالة في الساعة، وأكثر من 18 ألف حالة في الشهر، بجانب أن 12% من حالات الطلاق حدثت خلال العام الأول من الزواج، وفقاً لبيانات 2020، بينما وقعت 9% من الحالات خلال العام الثاني، و6.5% خلال العام الثالث، أي في المجمل 28% من حالات الطلاق وقعت خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
وتشير بيانات المركزي للإحصاء إلى أن 4% من حالات الطلاق خلال 2020 حدثت بعد أحكام قضائية نهائية، بينما بلغت حالات الخلع 80% من أحكام الطلاق النهائية، بواقع حوالي 7 آلاف حالة.
اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة
تعزي الدكتورة نهى النحاس، الطبيبة المتخصصة في الاستشارات الأسرية، الأسباب وراء عزوف الشباب من الجنسين إلى الخوف من تحمل المسئولية وغياب الوعي عن قيمة الزواج والأسرة.
تقول النحاس: "خلال عملي في مجال الاستشارات الزوجية؛ البعض يعرض عليّ مشكلات أبسط من أن تكون دافعاً وراء الطلاق أو الخلاف، لكن عدم تحمل المسؤولية وانتشار الظواهر السلبية والتي أصفها بالمستوردة من المجتمعات الغربية زادت من أسباب الشباب في الهروب من الزواج باعتباره مقيداً للحريات".
ترى أن البعد عن القيم العربية والإسلامية ومحاولة تقليد النموذج الغربي، والفهم الخطأ للحريات، والتجارب السلبية التي تظهر على البرامج التلفزيونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، والتعرض لعنف أسري في الطفولة، وعدم وعي وفهم حقيقي لدور الزوج والزوجة؛ كلها أسباب مختلفة ومتنوعة، والنتيجة واحدة، هي انتشار العزوبية في مصر بشكل كبير.
وطالبت طبيبة الاستشارات الأسرية بضرورة تفعيل دورات تدريبية للمقبلين على الزواج لتوضيح قيمة الرباط المقدس بين الزوجين، وفهم واجبات وحقوق كل واحد منهما، فضلاً عن ضرورة أن تكون هناك برامج توعية على مختلف المنصات، سواء التلفزيون أم السوشيال ميديا، عن كيفية إقامة حياة زوجية طبيعية بين زوجين.
ووجهت النحاس في ختام حديثها رسالة إلى الأهالي بعدم التدخل في الخلافات الزوجية، ومحاولة احتوائها قدر الإمكان؛ لأنه بحسب خبراتي أكاد أجزم أن أكثر من ٥٠٪ من حالات الطلاق سببها هو تدخل الأهالي بشكل فج، في النهاية لا توجد علاقة زوجية دون مشاكل، لكن الأمر يتطلب خبرة أكثر في كيفية حلها والتعامل معها بشكل أكثر هدوءاً.