قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، الخميس 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن زيارته للسعودية ستفتح عصراً جديداً مع العالم العربي، مشيداً بالروابط التاريخية الممتدة بين الصين والوطن العربي على مدار السنين، وذلك مقال نادر نشره في صحيفة "الرياض" السعودية بعد يوم من وصوله إلى المملكة في زيارة تاريخية للمنطقة.
هذا المقال جاء ليؤكد أهمية هذه الزيارة بالنسبة للرئيس الصيني نفسه، فزيارته تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية فتوراً في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يستغله شي، في سبيل تقوية علاقاته بدول المنطقة.
ماذا قال الرئيس الصيني في مقاله؟
أعرب الزعيم الصيني في البداية عن سعادته للمشاركة مع الزعماء العرب في القمة الصينية العربية الأولى والقمة الأولى للصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعبّر عن فخره بعمق العلاقة بين الطرفين التي تعود إلى أكثر من 2000 سنة، حيث شهد طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري تبادلات كثيفة بين التجار والمسافرين.
وأكد شي أن الصين ستعمل مع السعودية من أجل انتهاز الفرصة لهذه الزيارة في سبيل تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، وأضاف: "سنتبادل معها الفهم والتأييد بعزيمة لا تتزعزع، وندعو معها سوياً إلى الاستقلال ورفض التدخل الخارجي".
وتركز الصين في خطابها مع الدول العربية على مسألة "رفض التدخل الخارجي"، فكان سفير الصين في المملكة العربية السعودية قد كتب مقالة في صحيفة سعودية أيضاً بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، أشار فيها إلى أن القوى الغربية تعاملت مع المملكة العربية السعودية بـ "غطرسة"، ومقارنة ذلك بما وصفه بأنه احترام الصين لشركائها العرب.
وتبدو أن هذه العلاقة بين الصين والمملكة على وجه التحديد تناسب الطرفين، فلم تنتقد السعودية الانتهاكات ضد مسلمي الإيغور في شينجيانغ على الرغم من إدانة عشرات الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، كما لم ينتقد المسؤولون الصينيون الحكومة السعودية لقتل جمال خاشقجي، متقبلين التفسير الرسمي بأنه كان ضحية لما وصفته الحكومة السعودية بـ"عملية مارقة".
كما أكد شي أن التواصل بين الصين ودول الخليج العربية، كان مسجلاً في الوثائق التاريخية، ودلل على ذلك بحديث منسوب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "اطلُب العلم ولو في الصين"، وهو حديث مصنف ضمن الأحاديث الضعيفة.
لم يغب عن بال شي الإشادة بالعالم العربي، ووصفه بـ"العضو المهم في صفوف الدول النامية وقوة مهمة للدفاع عن العدل والإنصاف الدوليين"، كما لم ينس شي الشعوب العربية، التي أكد أنها شعوب ساعية إلى التقدم، لما لها من الإيمان بالاستقلال ورفض التدخل الخارجي وعدم الخضوع لسياسة القوة والهيمنة.
وأضاف: "الدول العربية دول لها إمكانات هائلة، لما لها من الموارد الطبيعية المتنوعة والصناعات المتميزة والإنجازات البارزة في البناء.. لذا، فإن الدول العربية تحتل موقعاً مهماً في الخريطة السياسية والاقتصادية والحضارية في العالم".
ولفت الرئيس الصيني إلى أن السعودية مصدر مهم للطاقة في العالم وعضو لمجموعة العشرين، مشدداً على دعمه لمساعي المملكة في تحقيق أهداف "رؤية 2030" تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان.
زيارة تاريخية تضم 3 قمم
يأتي التقاء القوة الصناعية الاقتصادية العالمية مع عملاق الطاقة الخليجي في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية مع واشنطن توتراً بسبب الانتقادات الأمريكية لسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان، ودعم المملكة لقيود إنتاج النفط قبل انتخابات التجديد النصفي التي شهدتها الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني.
ومن المتوقع أن يقيم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفل استقبال فخماً لشي، على نقيض الاستقبال الفاتر الذي حظي به الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي ألقى انتقاده لولي العهد السعودي بظلال على اجتماع عُقد في يوليو/تموز.
ويجري شي محادثات مع السعودية، وتستضيف الرياض في وقت لاحق اجتماعاً أوسع مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقمة مع قادة عرب ستمثل "علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية"، وفقاً لماو نينغ، المتحدثة باسم الخارجية الصينية.
زيارة شي تلقى صدى في واشنطن
لم تغضّ واشنطن الطرف عن زيارة شي للمنطقة، فقد صرح البيت الأبيض، الأربعاء، بأن زيارة الرئيس الصيني مثال على محاولات بكين بسط نفوذها، وأن هذا لن يغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، للصحفيين: "ندرك أن الصين تحاول بسط نفوذها حول العالم".
يذكر أن الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم وشريك تجاري رئيسي لمنتجي النفط والغاز في الخليج.
وتوسعت العلاقات الثنائية في غمرة مسعى المنطقة لتنويع أنشطتها الاقتصادية، ما أثار مخاوف الولايات المتحدة من تنامي مشاركة الصين في البنية التحتية الحساسة في الخليج.
من جانبه قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أمس الأربعاء، إن الرياض ستظل شريك الصين الموثوق به والمعوّل عليه في مجال الطاقة، وإن البلدين سيعززان التعاون في سلاسل إمدادات الطاقة عن طريق إنشاء مركز إقليمي في المملكة للمصانع الصينية.
كما تجدر الإشارة إلى أن السعودية هي أكبر مورد للنفط للصين، وتأتي زيارة شي في وقت تخيم فيه حالة من عدم اليقين على أسواق الطاقة بعد أن فرضت القوى الغربية حداً أقصى لأسعار مبيعات النفط من روسيا التي زادت شحناتها إلى الصين بخصم في الأسعار.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن الشركات الصينية والسعودية وقعت، أمس الأربعاء، 34 اتفاقية استثمارية في الطاقة الخضراء وتكنولوجيا المعلومات والخدمات السحابية والنقل والبناء وقطاعات أخرى.
ولم تذكر الوكالة قيمة للاتفاقيات، ولكنها قالت في وقت سابق إن البلدين سيوقعان اتفاقات بقيمة 30 مليار دولار.